تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام ثقافية

محمد حسين الداغستاني: محي الدين ثريا شهباز الداغستاني

الرحالة والفقيه ومربي الأجيال

شهدت سنوات منتصف القرن الثامن عشر ولغاية بدايات القرن العشرين موجات من الهجرة القفقاسية الفردية أو الجماعية نحو تركيا وعدد من البلدان العربية لعوامل ودوافع متعددة دينية وسياسية وَاقتصادية وكانت حصة سوريا والاردن والعراق كبيرة مقارنة ببقية البلاد العربية.

وحيثما تواجد القفقاس في بلدان المهجر كانت تبرز بينهم شخصيات قيادية ومؤثرة في محيطهم الاجتماعي. ساهمت الى حد بعيد في النهضة الحضارية لهذه البلاد بعد أن اختارتها موطنا لها ولاحفادها من الأجيال المتعاقبة فتقلدت مناصب ومراكز عليا وساهمت في تثبيت أركان المجتمعات العربية في مختلف المجالات.

في بيت متواضع وصغير في قرية جصين السورية حط الاواري الجمري (محي الدين ثريا شهباز الداغستاني) رحاله بعد ان غادر موطنه الأصلي داغستان وبالذات قرية غيمري (مسقط رأس الإمام الخالد شامل) مرورا بلبنان ثم السعودية وأخيرا سوريا بدايات القرن الماضي.

كان الشيخ محي الدين متمكناً من اللغة العربية والأوارية الداغستانية وكذلك كان يمتلك قاعدة رصينة وخزينا معرفياً وافرا في العلوم الدينية وخاصة في القرآن والسنة والطب الشعبي والأبراج الكونية والعلاقات الإجتماعية، لذا كان من الطبيعي أن يكرس نفسه لخدمة مجتمعه فحوّل القرية الى بؤرة إشعاع، فكان المعلم الوحيد الذي وظف امكاناته العلمية والتربوية لتحقيق مقاصده النبيلة، فنجح بفضل قوة شخصيته وقدراته الفائقة من تخريج أجيال متعاقبة من أبناء وبنات القرية بعد ان تلقوا على يديه دروسا في قواعد اللغة العربية وتحفيظ القرآن الكريم، في وقت كانت المدارس معدومة في القرى والارياف فضلا عن القيود الاجتماعية الصارمة على تعليم الفتيات آنذاك خاصة أن الفترة الزمنية كانت محصورة ما بين العام ١٩٠٠ والى ١٩٤٥ م.

وبعد إفتتاح المدارس في عدد من القرى المجاورة وتواجد المعلمين فيها فقد تفرغ الأستاذ محي الدين لخدمة سكان تلك القرى وكانت له مواقفه الاجتماعية والدينية والعلمية البارزة أثناء حضوره المناسبات الاجتماعية، فكانت له الكلمة الأولى بحكم المقام الذي تبوأه وكان الجميع يحترمون ويلتزمون بنصائحه وتوجيهاته.

في إحدى إنتقاءاته يؤكد الشيخ الاستاذ محي الدين على أهمية العمل والتحلي بالصبر حيث اشار (إلى ان من أعظم الصفات التي يمتاز بها الرجال، وتكون سببا لفوزهم على أقرانهم في معترك الحياة العمل والصبر، فهل وجدت طالب علمٍ نبغ في علومه أو تاجرا تقدم في تجارته، أو عاملاً نجح في عمله، أو قائدا انتصر على أعدائه، أو سياسيا تغلب على خصومه إلا بحسن أعماله والصبر على المكاره، إن كان ذلك لا يكون فشمّر عن ساعد الجد والعمل، ولنعتصم بحبل الأناة والصبر لنتبواً المكان الذي تبوأه أجدادنا من قبل).

لم يستقر الشيخ في قرية جصين بل كانت له مواقف وادوار في محافظات دمشق وحماه وحمص وفي الاخيرة كانت آخر محطاته حيث توفي عند أبن أخيه بدر خان داغستاني (أبو مصطفى) سنة ١٩٧٠ وترك وراءه الكثير من المخطوطات عن نشاطاته العلمية  والدينية والفكرية .

***

محمد حسين الداغستاني

في المثقف اليوم