أقلام ثقافية

محمد سعد: في قريتنا فرح.. !!

اشتهرت قريتنا بالشارع الذي ولدت وعشت فيه حارة (الطباله) نسبتاً الي عائله تملك فرقه موسيقية.. كل يوم خميس تخرج الفرقة من منزل صاحب الفرقة الحاج صادق ابو عوض بالزي الرسمي ويحملون الآلات الموسيقية. لإحياء حفل زفاف لحفله عرس في قريتنا او القري المجاورة.. كنا نشعر بالفرح والسرور والبهجة.. يتقدم طابور الفرقه/ الحاج صادق عوض بالزي الرسمي. بدله كامله. تختلف عن ملابس الفرقه التي كانت تشبة ملابس الكليات العسكرية.. كان صاحب الفرقه يحمل كريزما وشخصية قوية.. رغم الحياه كانت بسيطة وكانت عائلات تعيش الفقر المدقع.. إلا انهم كانوا يتكيفون مع الواقع ويصنعوا السعادة والفرح في المساء.. كما كان يفعل عمنا/ السيد الحنفي.. يجلس علي مصطبة عريضة وبجوارة عائلتة ويعزف ابنائه الطبل والزمر.. وكأنك في فرح فيتجمع جيرانة للجلوس والمرح والسمر علي ضوء القمر.. يمكنك الذهاب الى شاطىء الترعه أو الحقل وجلب عود من الغاب او باقة عشب او زهور برية، ثم بمهارة تحول عود الغاب الى مزمار، بعد ذلك تقيم حفلة، أي حفلة، وتعزف بالمزمار، لا يكلف شيئاً. عندما سيرقص الأطفال والشيوخ وبعض العجائز في جو من الفرح العائلي. أمر سهل تحقيقه. يتحول الحفل الى عيد والمكان الى حلبة رقص. كما كان يفعل عمنا الحاج السيد الحنفي واولادة، ويمكنك الذهاب لشراء سلاح واطلاق النار على من تريد لسبب ما، وان تحول الناس الى مشيعين والمكان الى مقبرة. أمر سهل أيضاً. حدث علي بعد امتار من مزمار وحفلة عمنا السيد وسقط في خناقة 3 /افراد قتلا.

لا شيء اسمه الهزيمة الا اذا استسلمنا لان في كل هزيمة نصر مخفي وهناك هزيمة مشرفة افضل من الف انتصار قذر. حتى النصر الحقيقي هو هزيمة تم عبورها. نخسر معركة مع وحوش لكننا نربح فرصة جديدة ونكسب رهاناً رائعاً وتعيش حياة جديدة من النضج ونتمتع بالحياة أعمق ونصبح أكثر حكمة. لكن يمكنك الذهاب الى محل بيع الشموع وتشعل شمعة. لا يكلفك شيئاً. أمام الشمعة تحلم أكثر مما تفكر لأن علاقة الانسان بالنار قديمة ومنذ الآزل. لن تخسر شيئاً. ويمكنك، بلا مشقة، اشعال حريق بشمعة في أي منزل آمن لسبب ما، وتحويله الى رماد وجثث متفحمة. الأمر سهل اذا كنت تجد سعادتك المريضة في خراب بيوت آمنة والناس.

يمكنك الذهاب الى الحقل وقطع الأشجار التي يستظل بها المزارعيين اثناء الظهيرة.. وممكن ان تزرع الزهور وتنتظر، حتى لو طال الانتظار، مهما طال،سوف تشم رائحة الورد، في يوم ما، بلا توقع، ستهرع فرحاً وتعطي وردتك الحمراء لمن يستحق، لكن كن حذراً لأننا نضع ورودنا من الفرح الطفولي وطول الانتظار على رقاب الخنازير مثل من يضع باقة زهور في مجاري الصرف الصحي.

الحياة ليست نزهة في حديقه

ويمكنك الذهاب الى محل مجوهرات وشراء سبائك وأقراط من الذهب والفضة وتعيش. داخل قصر على شكل فراشات ذهبية، ولكن حياتك جحيم... ولكن كل ذلك تعاني من الحرمان من النشوة والفرح. الأمر ممكن أيضاً.

في شهر أغسطس الماضي تعرضت لأزمة صحية خطيرة ظلت حتي الشهر الماضي واجريت لي عملية جراحية وكنت مربوطاً على الأجهزة في غرفة العناية المركزة وتحت المراقبة طوال اليوم، لكن لاح لي بصيص من أمل. كنت واثقاً أن قلبي لن يخون وكنت معنياً بكل ما يجري. من احداث من حرب غزة عقولنا تستجيب لكل ما نفكر به سلباً أم ايجاباً. تلك الصور في غرفة العناية المركزة من شريط ذكريات من الطفوله..

وماذا يحدث لو مت...؟ نحن كلنا كنا موتى قبل ان نولد ولم نشعر بالآلم. لا تتحدث بعد ذلك عن الفشل والخيبة والهزيمة:

النجاح فشل تم تجاوزه، في كل خيبة بذور أمل، والانتصار الفردي هزيمة تم عبورها، ثم اعزف بالمزمار مع كل لحظة فرح لا تكلفك شئ مع الشمعة التي ترتعش،مع ظلين نحيلين متعانقين راقصين على الجدار دون ان يكلفك الحفل شيئاً عدا عود ثقاب للشموع: وعود غاب. ما الذي تخسره لو جهزت أفراحك بأدوات بسيطة: مزمار وشمعة.. وغرفة دافئة؟

الفرح النقي صناعة أشياء بسيطة وهو كالأمل لا يحب الانتظار....

***

يوميات مثقف في الريف.. محمد سعد عبد اللطيف كاتب وباحث مصري ومتخصص في علم الجغرافيا السياسية

 

في المثقف اليوم