أقلام ثقافية

ثامر الحاج امين: عالم "بشير مهدي".. لوحات محتشدة بالرؤى الفلسفية

من ضمن النشاطات الابداعية السنوية التي كانت تنظمها مديريات التربية لمدارسها في المدن العراقية والتي للأسف توقفت مؤخرا هي اقامة الاستعراضات الرياضية لألعاب الساحة والميدان وكذلك معارض الرسم والنحت التي من خلالها يتم التعرف على المواهب الواعدة للطلاب في هذه المجالات ، كما كانت هذه الفعاليات حافزا للاجتهاد والمثابرة وأفرزت عددا من المواهب الكبيرة التي واصلت التطور حتى وصل بعضها الى العالمية.

في العام 1968 شهدت الديوانية معرضا سنوياً لفن الرسم والنحت واحتضنت صفوف متوسطة الديوانية ــ دائرة الكهرباء حاليا ــ لوحاته وأعمال النحت التي كانت من تنفيذ طلاب المدارس المشاركة ، وكان الأبرز في ذلك المعرض لوحة حملت عنوان (العاصفة) تمكنت من استقطاب جمهورا واسعا من متذوقي فن التشكيل لما فيها من الدقة في تنظيم الدرجات اللونية وكذلك في ابراز قيم الضوء والظل والاحاطة بباقي مكونات اللوحة على الرغم من ان اللوحة كانت تقليدا للوحة عالمية معروفة بـإسم ــ غرق ميدوزا ــ للفنان الفرنسي " تيودور جيريكو " الا ان جمهور الزائرين للمعرض أغفل ذلك ووقف مذهولا امام اللوحة وكأنه ينصت لصراخ الحيوات المتشبثة بأركان المركب الذي يوشك على الغرق وسط البحر ، ولم يخيل لأحد ان الطالب الصغير النحيف الذي نفذ تلك اللوحة ستقوده هذه البداية المذهلة وما تلاها من اجتهاد ومثابرة الى العالمية ويصبح واحدا من الفنانين الذين يحظون بمكانة عالمية ذلك هو العراقي الديواني المقيم في هولندا الفنان التشكيلي " بشير مهدي" .

واختيار " بشير مهدي " لتلك اللوحة يشير الى انه فنان مجتهد ومثقف وكان مطلعّا على انجازات الفنانين العالميين وتأثر فيما بعد بعصر النهضة مما دفعة للهجرة الى ايطاليا ليعمل في فلورنسا رساما ويوقع لوحاته باسم ايطالي بسبب القوانين التي تمنع بيع لوحات الاجانب ويستقر أخيرا في هولندا التي كرمته بوضع احدى لوحاته الى جانب اللوحات المميزة في متحفها الشهير .

حظيت تجربة الفنان بشير مهدي باهتمام عراقي وعربي وعالمي ، فقد كتب عنها عدد كبير من كبار النقاد والشعراء والأدباء والفنانين العراقيين حيث جاء في شهادة الناقد الكبير ياسين النصير (ان الفنان بشير يجسد في أعماله انفعالات الأشياء وحركاتها الذاتية، وطيات الأقمشة وتناسقها وتوزيع الضوء، ويعكس حساسية شعرية تفصيلية للأشياء)، اما عالميا فقد خصها الناقد الهولندي " خريت لادونخا " بكتاب تناول بالتفصيل ابعادها الفلسفية والفنية ومن ضمن ما قاله في تجربته (بشير مهدي واحد من الرسامين الكبار ولديه خيال واسع ومميز من الحرفية والتكنيك ، عوالم هذا الفنان تشترك بطريقة لم نألفها من قبل ، انه يمزج بين أعماق الانسان والحقيقة) وفعلا تجربة بشير مهدي مميزة وفريدة ولوحاته تنطوي على ابعاد فلسفية تجسد الوجود والعدم والحضور والغياب اضافة الى الفنية العالية التي تظهر بها ، فالدهشة التي تعيشها وانت تجول بنظرك بين لوحاته وترى الدقة في تجسيده لمساقط الضوء وانكسارات الظلال تشعر انك امام صورة فوتوغرافية وليس لوحة من الزيت والقماش .

من حقنا ان نفخر بالفنان العراقي المجتهد " بشير مهدي " فهو ثروة وطنية رفع اسم العراق عاليا في أهم المحافل الفنية العالمية ومعارضه الشخصية طافت بلدان اوربية عدة ونالت جوائز كبيرة ومهمة .

***

ثامر الحاج امين

في المثقف اليوم