أقلام ثقافية
غريب دوحي: توبة الشاعر.. اعتراف في نهاية المطاف

ثلاثة شعراء من بيئات مختلفة وازمان متباعدة اعلنوا عن توبتهم وطلبوا الرحمة والاستغفار بعد صولات وجولات مع الخمرة ومعاشرة النساء والشعر الماجن، فهل كانت توبتهم حقيقية ام انها مجرد ديكور لتجميل ايامهم الأخيرة؟ فالظاهر ان الخوف من المجهول أي الخوف من الموت وما بعد الموت هو الدافع وراء هذه التوبة وقد وصفهم القران (بأنهم يقولون ما لا يفعلون الا الذين امنوا). سورة الشعراء،224، وهذا يعني ان القران استثنى المؤمنين من الشعراء، في صدق اقوالهم اما الباقين فانهم غير جديرين بهذه الثقة التي اولاها القران للصادقين من الشعراء.
الشعراء الثلاثة هم: عمر ابن ابي ربيعة، الحسن بن هانئ (أبو نؤاس) وعمر الخيام
عمر ابن ابي ربيعة: 23-93 هـ
كلمـا قلــــــت متـى ميعــــادنا
ضحكت هند وقالت بعد غد
ولد عمر عام 23 هـ في نفس الليلة التي توفي فيها الخليفة عمر ابن الخطاب لذلك سمي بهذا الاسم تيمناً باسم الخليفة الراحل نشأ في مكة في كنف عائلة امتازت بالثراء لذلك اصبح فتى قريش المدلل، كانت جميل الوجه بهي الطلعة نرجسي النزعة أي انه كان مغرورا بجماله وعاش معشوقا وعاشقا في نفس الوقت في صباه كان يتردد على المدينة واليمن والشام والعراق، يعتبر موسم الحج بالنسبة له موسم الحب والغزل شاعرا لا يمدح ولا يهجو فهو شاعر غزل من الطراز الأول تفوق على استاذه في شعر الغزل (امرؤ القيس) .. ولكن السنين بدأت تؤثر فيه فاشتعل رأسه شيباً وتجعد وجهه وانحنى ظهره وتكحلت عينيه بكآبة جليلة ولكنه لم يفقد مرحه وضحكاته ولكنه بدأ يخشى العقاب على ما ارتكب من أفعال واقوال فلجأ الى القوة الغيبية يتوسل اليها وفكر في ان يتوب على يديها واخذ يسكب امامها دموع الندم، تاب عمر الى الله وتاب عن قول الشعر الماجن وعاهد الله على انه لو قال شعرا فسوف يعتق عبدا عن كل بيت واستبدا حياة اللهو والغزل بحياة العبادة وزار الكعبة وطاف حولها طوافا بريئا هذه المرة،ولم يؤثر عنه انه تاب شعراً فلا يوجد في ديوانه قصيدة او بيت من الشعر ينم عن توبته لقد تاب نثرا واقسم ان لا يعود الى المجون مرة أخرى .
أبو نؤاس: 756-814 م.
حامل الهوى تعب يستخفه الطــــرب
ان بكى يحق لـــــه ليس ما به لعـــب
أبو نؤاس
ولد الحسن بن هانئ في الاهواز عام ٧٥٦م وقدم إلى البصرة وعمره ست سنوات مع والدته (جلبان) ثم غادرها إلى الكوفة ومنها إلى بغداد في عهد الرشيد وقربه الرشيد إلى بلاطه، عرف عنه انه كان شاعر الخمرة والغزل بالمذكر، تعلق بجارية تدعى (جنات) فعندما خرجت جنات الى الحج خرج وراءها لعله يحظى منها بلقاء وهناك وقف امام الكعبة فراح يبكي كأشد المؤمنين ايماناً وقد هزه منظر الحجاج وهم يطوفون حول الكعبة فانشد يقول:
الهنا ما اعدلك مليك كل من ملك
الى آخر هذه التلبية ... وبعد ذلك قال قصيدته التي اعترف فيها بكثرة ذنوبه فقال:
ولقد تلوت مع الغواة بدلوهم
وأسمت صرح اللهو حيث اساموا
*
وبلغت ما بلغ امرؤ بشبابه
فاذا عصارة كل ذاك آثام
وتعد هذه القصيدة اعترافاً منه بذنوبه ثم كتب وصيته قبل وفاته التي طلب فيها من النبي محمد الشفاعة له يوم القيامة وبعد وفاته دفن في مقبرة الصالحين
عمر الخيام 1048-1131 م.
أولى بهذا القلب ان يخفقا
وفي ضرام الحب ان يعشقا
عمر الخيام
وُلد عمر الخيّام في مدينة (نيسابور)، ومات فيها. وقد اشتهر برباعياته التي جُمعت بعد وفاته بـ(250) عاماً. وذهب النقاد في شأنه مذاهب شتى فمنهم من قال إنه كافرٌ وزنديق، وإنه كان يؤمن بتناسخ الأرواح، وأن بينه وبين أبي العلاء المعري صلة قرابة. وقال غيرهم إنه كان مؤمناً بالله واليوم الآخر، وإنه كان متصوفاً. أما المؤرخ هارولد لامب فقد وصفه بقوله (ان الخيّام كان يسكر، فيكفر، ثم يفيق، فيندم).
تُرجمت رباعياته إلى مختلف لغات العالم، فقد تُرجمت إلى الإنكليزية عام 1809م.وفي العراق، ترجمها الشاعر أحمد الصافي النجفي أما في مصر، فقد ترجمها أحمد رامي، وتُعد من أروع الترجمات. ثم تُرجمت إلى اللغة العبرية...
لم تذكر كتب التاريخ أن الخيّام قد تزوج لكنه كان يتُغزَل بفتاة تُدعى (عائشة). قضى الخيام حياته باحثاً عن أسرار الحياة. وقد تاب أخيرا كما تاب قبله أبو نواس، وقد ذهب الخيّام إلى الكعبة حاجاً. وقد قال أشعاراً في التوبة، من رباعياته:
يامن يحار الفهم في قدرتك
وتطلب النفس حمى طاعتك
*
اسكرني الاثم، ولكننـــــــي
صحوت بالآمال في رحمتك
وقال:
يا عالم الاسرار علم اليقين
وكاشف الضر عن البائسين
*
يا قابل الاعذار فئــنا الى
ظلك فاقبل توبة التائبين
***
غريب دوحي