أقلام ثقافية
بنيامين يوخنا دانيال: سور الصين العظيم.. أهم معلم سياحي في البلاد

تزخر الصين بكثير من الآثار والمعالم الثقافية والتراثية المؤثرة في خارطة البلاد السياحية الواسعة (قبور مينج المقدسة، مومياوات تاريم، ضريح الإمبراطور كين شيهوانج، مباني فوجين تولو، تمثال ليشان بوذا العملاق.. الخ)، خصوصا في بكين (بيجين) وجيايوقوان ودانون وتيانجين وتشينهايقوان وينتسوان وووي وتشانغيه وداتونغ وغيرها. وقد صدر في عام 1982 قانون حماية التراث من أجل حماية وادامة وصيانة الآثار والأعمال التراثية، وتم اصدار (30) لائحة من أجل تسهيل تنفيذ هذا القانون. مع وجود أكثر من (2300) متحف تضم ملايين القطع والأعمال الاثرية المختلفة من مختلف الأزمنة، بالإضافة إلى عدة ملايين موجودة لدى هواة التحف والانتيكات، و(1،670) مليون قطعة مسروقة ومهربة إلى خارج البلاد ومعروضة في (200) متحف من (47) دولة تقريبا، وفقا لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو). وتم استعادة (20000) منها سنويا وذلك بفضل الجهود الحثيثة التي تبذلها الحكومة الصينية في هذا المجال منذ سنوات. بالإضافة إلى (1271) موقع أثري خاضع للحماية المركزية على نطاق المقاطعات ونحو (7) آلاف موقع على نطاق المحافظات. ومن أهم هذه الآثار (سور الصين العظيم) (تشانغ تشينغ) موضوع مقالتنا هذه والذي يعد أبرز وأهم معلم سياحي في جمهورية الصين الشعبية على الاطلاق. وقد أدرجته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) في عام 1987 في قائمة التراث الثقافي العالمي، وأختير بتاريخ 7 تموز 2007 كأحد عجائب الدنيا السبع إلى جانب تمثال السيد المسيح في البرازيل ومعبد تاج محل في الهند ومدينة البتراء في الأردن وآثار ماتشوبيتشو في بيرو وهرم تشتشين ايترا في المكسيك والمدرج الدائري في إيطاليا. ويعد الاستفتاء عليها وعلى غيرها من المعالم العجيبة في العالم من قبل (100) مليون شخص تقريبا على نطاق العالم ومن مختلف البلدان وعبر الشبكة العنكبوتية (الانترنيت) والهواتف بمختلف أنواعها. ويعود تاريخ المباشرة ببناء (سور الصين العظيم) (تشانغ تشينغ) إلى بدايات القرن ال (4) قبل الميلاد بحسب بعض المصادر الموثوقة، ولدوافع عسكرية بحتة وفقا لحاجة البلاد وأيضا ليكون رمزا للقوة والهيبة ولهدف اقتصادي أيضا يتمثل في تنظيم التجارة والتبادل التجاري بين الصين والجيران مع تعزيز التصدير والاستيراد على امتداد طريق الحرير وإيجاد فرص عمل كثيرة لسكان المناطق الواقع فيها. واستمر العمل فيه حتى أوائل القرن (17) الميلادي، وبمشاركة ملايين من العمال (500 الف شخص منهم قضى نحبه أثناء العمل فيه لاسباب عديدة كالمرض والحوادث)، ليمتد نحو (6400) كلم تقريبا، ومن (تشنهو انغتار) على خليج بحر (بوهاي) شرقا إلى (غاوتاي) في (غانسو) غربا. وهناك اكتشاف حديث بخصوص هذا السور أعلن عنه مؤخرا الباحث البريطاني (وليام ليندسي) وأشارت إليه صحيفة (دايلي تلغراف) البريطانية، والمتضمن عثور الباحث المذكور على جزء لهذا السور في صحراء (غوبي) عبر الأراضي المنغولية وبطول (100) كلم تقريبا، ويعود تاريخه إلى (120) سنة قبل الميلاد، وهو غير موضوع على الخرائط الجغرافية الحديثة، بعد أن أكب على دراسته منذ عام 1986. وقد نالت من هذا الصرح المعماري العظيم براثن الدهر العسوف، وأثرت فيه عواقب الزمن الظلوم وأضرت به أعمال التنقيب الكثيرة غير المشروعة المجراة في المناجم القريبة منه، وبصورة متكررة وعلى نحو عشوائي وغير مدروس وجائر إلى أبعد الحدود، وذلك خلال فترات زمنية مختلفة، وذلك بحثا عن النيكل والنحاس والحديد وغيرها من المعادن التي ازداد الطلب عليها بمرور الزمن لاكثر من سبب ولعدة أغراض، الأمر الذي أضر به كثيرا وبمستويات مختلفة وفقا للحالات المتوزعة على امتداد السور المذكور. وكانت النتيجة تضرر نحو (70 – 80) بالمائة منه على نحو واضح وبدرجات مختلفة. الأمر الذي دفع السلطات المعنية إلى تبني خطة ترميم وصيانة مستعجلة وطويلة الأمد وشاملة لهذا الصرح وبكلف عالية جدا، مع التركيز على الأجزاء المتداعية والأكثر تضررا لتدارك الخسائر والأضرار الواقعة بقدر الإمكان، وتلك الواقعة في المناطق النشطة سياحيا، أي تلك التي يرتادها السياح على نحو واسع وكثيف خلال الموسم السياحي وخارجه، ومنها جزء من (بادالينغ) (80 كلم شمال غرب بكين) من (يانتشينغ) في (باين) الذي فتح أمام الزوار والسياح اعتبارا من عام 1975، ويستقبل نحو (60000) زائر في اليوم الواحج كمعدل، ولقاء رسوم دخول رمزية (45 يوان)، وتتوفر في محيطه مرافق ومنشآت إيواء واطعام وشراب وتلفريك وغيرها كثيرة. وأيضا الجزء الواقع في حدود بكين، ويمثل (20) بالمائة تقريبا، وجزء (جيتشاتلينغ) على الحدود بين (مييون) و(خبي) بطول (10،5) كلم، والمدرج من قبل مجلس الدولة ضمن قائمة (المواقع الأثرية المحمية مركزيا) اعتبارا من عام 1988. وقد أعلنت (مصلحة بكين لتخضير البساتين والغابات) في 21 تشرين الثاني 2007 عن مخطط عام لمنطقة السور شاملة المعالم والمناظر الممتدة من (باداكينغ) على (شيسانلينغ) من أجل تنظيم والسيطرة على الحركة السياحية الكثيفة المتوجهة للمنطقة، دون الاخلال بأعمال الترميم والصيانة الجارية فيها على قدم وساق. وتشير الاحصائيات الوطنية إلى استقطاب سور الصين العظيم ل (5) ملايين زائر سنويا في عام 2001، أنفقوا (150) مليون يوان على شراء التذاكر الخاصة بدخول بعض المعالم الجاذبة والمشوقة فيه، أي ما يعادل (18) مليون دولار أمريكي، و(10) ملايين زائر في عام 2007، فكان بحق أهم معلم سياحي في البلاد التي جاءت كثالث مقصد سياحي على نطاق العالم في عام 2010، وذلك باستقبال (56) مليون سائح دولي تقريبا من أصل (935) مليون سائح على مستوى العالم، ويمثل الرقم الأخير حجم الحركة السياحية الدولية في العام المذكور. وقد استحق بذلك ليكون من أهم المواقع السياحية على خارطة السياحة الوطنية والدولية. علما كان هذا السور موضوعا حيويا للعديد من الأعمال الأدبية والفنية الصينية الخالدة منذ القدم، وقد منح عدة ألقاب اعتزازا وتفاخرا به ومنها (التنين الطائر)، كما وصفه الرحالة الإيطالي المعروف (ماركو بولو) ب (أعجوبة الشرق)، وتم الإشارة إليه بقوة في النشيد الوطني الصيني (مسيرة المتطوعين) المكتوب في عام 1935 من قبل الكاتب المسرحي (تيان هان) وتلحين الموسيقار (نيه أر) وجاء فيه (انهضوا، يا من ترفضون العبودية، لنبن بلحمنا ودمنا سورنا العظيم الجديد..).
***
بنيامين يوخنا دانيال
.........................
* عن (مقالات في السياحة) للباحث، مطبعة بيشوا، أربيل – العراق 2012.