أقلام فكرية

حاتم حميد محسن: مبادئ هرمس السبعة كوسيلة لفهم الحياة والكون

سعى العديد من الناس لفهم القوانين الطبيعية التي تحكم الكون. البعض يقول ان هناك 12 قانونا، بينما آخرون مثل هرمس تريسماجستس Hermes Trismegistus (1) يقول ان هناك سبعة. يوضح هرمس في مبادئه السبعة القوانين الأساسية للواقع. سنعرض هنا هذه القوانين مع توضيح لكيفية استعمالها كمصدر للإلهام والقوة.

هذه المبادئ السبعة هي أساس الهرمسية، التي هي فرع من فلسفة روحية  تعود الى بدايات القرن الاول الميلادي. انها طُرحت من جانب المؤلف الشهير هرمس تريسماجستس الذي يُعتقد انه كتب لوح الزمرد Emerald Tablet و"كوربوس المحكم" وهما من أهم التعاليم القديمة.

استمرعمل هرمس يؤثر على كل من الثقافتين اليونانية والمصرية القديمة وحيث كلا الثقافتين تبنّيتاه كإله للحكمة. (في اليونان هو كان يسمى هرمس، وفي مصر تحوت Thoth). هو عُرف في زمانه كسيد الكون العظيم . وبمرور الزمن، انتقلت المبادئ السبعة نزولا عبر الاتصال اللفظي من معلم الى تلميذ، وبالنهاية، وفي بداية القرن العشرين جرى تجميعها في كتاب سمي كيباليون The Kybalion،(1) كُتب تحت اسم مستعار "المبتدئون الثلاثة" The Three initiates .

واليوم، لاتزال التعاليم الهرمسية مصدرا اسطوريا للحكمة، منفصلة عن أي دين واقعي لكنها بقيت مع ذلك مؤثرة. وبينما كانت المبادئ السبعة تمثل فقط طريقة واحدة لفهم الكون، لكنها ليست ضيقة لدرجة لايمكن دراستها الى جانب الفلسفات الروحية الاخرى. سنتحدث الآن عن كل واحد من هذه المبادئ تباعا:2197 مبادئ الهرمسية السبعة

1- مبدأ العقلانية:

"كل شيء هو ذهني، الكون هو عقلي" – The Kybalion.

 الفكرة هي في كل شيء – الفكرة دائما هي الاول: عندما يطبق أي شخص حواسه، هو اولا يكوّن صورة ذهنية للهدف وبعد ذلك، الصورة الفيزيقية. الفكرة هي قبل الفعل وقبل رد الفعل وقبل السلوك. والفكرة – لا يهم ان كانت صحيحة ام زائفة – هي جوهر الفرد الذي يسميه علم النفس الهوية. الكون خُلق في ذهن الله وبما اننا قادرين على التفكير بالمثل، فان الانسان هو صورة لله. الكون هوية الله وهكذا يكون الله هو الكل. لكي يوجد أي شيء، يجب ان يسبقه الفكر. من خلال هذا المبدأ ، يُعتقد ان الله هو وعي، او فكرة، والكون هو تجسيد لعقل الإله. عند استخدام هذا القانون، نحن ايضا نستطيع التحكم بقوة أذهاننا لخلق الحياة التي نريد. وفي مجال التطبيق، عندما نميز مقدار ما يتجسد من افكارنا كل يوم، سواء كان داخليا كحالة فسيلوجية او عاطفية، او خارجيا، كالاشياء التي نقوم بها او الاماكن التي نذهب اليها، سنرى اننا عندما نسيطر على ذهننا، سنتحكم بحياتنا. نحن بهذا يمكننا ان نصبح أفضل من خلال الممارسات الروحية مثل التأمل، الذي يساعدنا في تدريب الذهن.

2- مبدأ المطابقة:

"كما في فوق، كذلك تحت، وكما في تحت، كذلك فوق" – The Kybalion .

 جميعنا سمع بهذه العبارة من قبل، لكن ربما لا أحد يعرف ان هرمس هو أول من صاغها. انها متصلة بإحكام بمبدأ العقلانية الاول ويؤكد بان ما نؤمن به في افكارنا وفي اذهاننا سوف يصبح واقعا لنا. انه يوضح عدة مستويات للوجود، بما في ذلك تلك الذبذبات الاهتزازية العالية والكيفية التي تترابط بها.

هذا المبدأ يجسد الفكرة بان هناك دائما مطابقة بين مختلف قوانين مستويات الوجود والحياة. هناك تناغم واتفاق ومطابقة بين هذه المستويات، وُصفت بـ : 1- المستوى الفيزيائي العظيم 2- المستوى الذهني العظيم 3- المستوى الروحي العظيم.

3- مبدأ الإهتزاز:

"لا شيء في سكون، كل شيء يتحرك، كل شيء يهتز" – The Kybalion

وهذا المبدأ يجسد الفكرة بان الحركة تتجسد في كل شيء في الكون، اي لا شئ ساكن، كل شيء يتحرك، يهتز، ويدور. هذا المبدأ يوضح ان الاختلافات بين مختلف تجسيدات المادة، الطاقة، الذهن، الروح، هي فقط نتيجة لمختلف "الاهتزازات". كلما كان الفرد في أعلى الميزان، كلما كانت درجة الاهتزاز أعلى. هنا، قيل ان الكل هو في مستوى لا متناهي من الاهتزاز، تقريبا الى النقطة التي يكون فيها بحالة استقرار.  هناك ملايين من مختلف درجات التغيير بين أعلى مستوى، الكل، واشياء ذات أدنى اهتزاز. التحول الذهني وُصف كتطبيق عملي لهذا المبدأ. لكي نغيّر حالة المرء الذهنية يعني ان نغيّر الاهتزاز. قد يقوم المرء بهذا عبر جهد الرغبة، او بوسائل التركيز المقصود للانتباه نحو حالة مرغوبة.

سواء اعتقدنا ام  لم نعتقد، كانت فكرة "الذبذبات" موجودة حولنا منذ وقت طويل. ان مبدأ الاهتزاز يعلن ان كل الأشياء، سواء المادية او الطاقات الروحية، تحمل اهتزازا معينا. العلوم الاساسية تخبرنا ان الذرات هي في حركة مستمرة، كما هي الحركة في الكون ذاته. حتى قلوبنا عندما تدق، تصدر عنها مختلف الإهتزازات اعتمادا على حالتنا العاطفية. وعندما نكون في حالة "اهتزاز عالية" نكون قادرين على تجنّب الذبذبات ذات المستوى المنخفض التي لا تخدمنا.

تطبيق هذا يبدو مختلفا لكل فرد، ولكن لكي نطبق هذا المبدأ الثالث، نحتاج ليس فقط لعمل الاشياء وانما للتفكير بالأفكار التي تسمح لنا لنكون في حالة من الراحة، حيث أجسامنا "تهتز" في مستوى اكثر ايجابية. تطبيق المبدأين الاولين يمكن ان يساعدنا للقيام بهذا. (يمكن ملاحظة ان جميع هذه المبادئ متشابكة بعمق). وفق هذا المبدأ، نحن نثق باننا لدينا القوة للسيطرة على اهتزازنا بدلا من سيطرة اهتزازاتنا علينا.

4- مبدأ القطبية:

"كل شيء هو ثنائي، كل شيء يمتلك قطبين، كل شيء له زوج من الأضداد، يشبه و لا يشبه هما ذات الشيء، المتضادات هي متشابهة في الطبيعة لكنها مختلفة بالدرجة، النقائض تجتمع، جميع الحقائق ليست الاّ انصاف حقائق، جميع المفارقات يمكن التوفيق بينها" – The Kybalion.

كل الاشياء المتجسدة لها جانبين، مظهرين، او قطبين. كل شيء هو و ليس هو في نفس الوقت، كل الحقائق ليست الاّ نصف الحقائق وكل حقيقة هي نصف زائفة.

ان مبدأ القطبية يوضح ان ما يبدو متضادا في الاشياء هو في الحقيقة واحد وذات الشيء في درجات متفاوتة. مثال بسيط على هذا هو الحار والبارد. البارد هو فقط غياب الحر، وهما كلاهما شيء واحد: درجة الحرارة. المادة الفيزيائية والطاقات الروحية هي ذات الشيء، طاقة روحية تهتز بمستوى أعلى بكثير، كتلك التي لا يمكن تصورها بحواسنا. الحب والكره هما طريقتان لممارسة نفس الشيء، علاقة نحو شيء ما.

تطبيق مبدأ القطبية يأخذ درجة من التحمل العقلي ويستلزم تغيير الطريقة التي ننظر بها الى الاشياء، ربما  رأسا على عقب. لو اخذنا الكراهية التي نشعر بها نحو شخص ما: هل هناك أي طريقة نستطيع تحويلها الى مشاعر حب، مثلا؟ عندما تكون العاطفة الاهتزازية متدنية وتنحدر بنا نزولا،هل انت تستطيع تمييزها، تشعر بها، تنقلها الى مشاعر اكثر ايجابية؟

5- مبدأ الإيقاع:

"كل شيء يتدفق، للداخل والخارج، كل شيء في صعود وهبوط ، ارجوحة البندول تتجسد في كل شيء، قياس التأرجح الى جهة اليمين هو قياس التأرجح الى جهة اليسار" ـــ

The Kybalion.

في كل شيء هناك حركة دقيقة متجسدة، من و الى ، تدفق وارتجاع، تأرجح للامام والخلف. هناك تناغم بين كل زوج من الاضداد او الاقطاب ومرتبط بإحكام بمبدأ القطبية

المبدأ الخامس يرتبط بإحكام بمبدأ القطبية، فهو يعلن بانه يوجد هناك إيقاع متأصل بين الاقطاب المتضادة. المد يتحرك صعودا ونزولا. نحن نمارس الشهيق والزفير. كل شيء في حركة. الطبيعة لها فصولها وكذلك نحن. فهم هذا المبدأ يسمح لنا للاعتراف بالايقاع الطبيعي لحياتنا وللكون، وبهذا نحن حقا نستطيع العمل مع الحياة والكون بدلا من جعلهما يعملون ضدنا.

وعند تطبيق هذا المبدأ نحن نعرف ان لا شيء يستمر الى الابد، وان الأشياء هي في تغير مستمر. وكلما تعمقنا في العمل مع هذا القانون، سنكون قادرين على العمل مع عواطفنا لتجنب التأرجح الدراماتيكي في المشاعر. من خلال هذا سيصبح السيد في النهاية قادرا على تجاوز الثنائية، ولكن اذا كنا في البداية، علينا ان نحاول الوعي اكثر بحالتنا العاطفية واستعمال القطبية والايقاع  لنصبح اكثر راحة مع التدفقات الطبيعية لحياتنا.

6- مبدأ السبب والنتيجة:

"كل سبب له نتيجة، كل نتيجة لها سببها، كل شيء يحدث طبقا لقانون، الحظ ليس الاّ اسم لقانون غير معروف، هناك مستويات للسببية، لكن لا مهرب من القانون" ـــ The Kybalion .

لذلك لا وجود هناك للفوضى في الكون، هناك فقط نقص المعرفة.

كل شيء مرتبط من خلال مبدأ السبب والنتيجة، سبب كل شيء هو نتيجة لشيء آخر، رجوعا الى البداية الاولى. لنسأل انفسنا هل نحن سبب؟ ام نتيجة؟ هذا المبدأ هو في الاعتراف بتأثيرات افكارنا والسلوك وكيف نغيرها لتؤدي الى نتائج أعظم.

عندما لا تسير امورنا كما مخطط  لها او لا نجد أنفسنا سعداء، لنسأل انفسنا ما هو سبب ذلك؟ دائما ما نجد أنفسنا نستجيب للعالم الذي حولنا، محاصرون في ردود افعال لظروفنا نحو الامام والى الخلف بدلا من صياغة مسارنا الخاص بنا. عندما نقوم بفعل معين للحصول على النتيجة التي نريدها، سننتقل من الشعور كضحية الى شعور بالتمكين.

7- مبدأ النوع او الجنس:

"الجندر هو في كل شيء، كل شيء له مبدأ المذكر والمؤنث، الجندر يتجلى في كل المستويات" ـــ The Kybalion.

المبدأ السابع يعلن ان كل الاشياء لها صفات التذكير والتأنيث ليس فقط في الجنس وانما في الطبيعة الكامنة في كل الاشياء. نعم، الجنسين يمكن تصورهما كتجسيد فيزيقي لهذا المبدأ، لكن على المستوى الداخلي كل منا يحمل كلا الطاقتين. (فكر في الدماغ الايسر والايمن).

طاقة التذكير والتأنيث توجد ليس فقط في المساحة الفيزيقية وانما في المساحة الذهنية والروحية ايضا. وحدة هاتين الطاقتين هي ضرورية للخلق، وعندما يكون لدى المرء توازن بين الاثنين، سيكون قادرا بشكل افضل على تطبيق جميع المبادئ مجتمعة لتحقيق أعظم منفعة.

لذلك لابد ان نقبل جميع اجزاء النفس ونفهم  ان التوازن في الجميع هو مفتاح للسيادة الذاتية. بوذا سمى هذا الطريقة الوسطى، وهي تتعلق بالتوازن بين المذكر والمؤنث، السماوي والارضي، الذهن والجسم والروح. عندما نستطيع انجاز هذا التوازن ضمن أنفسنا، سنكون مؤهلين جيدا لتسخير كل هذه المبادئ واستعمالها في حياتنا للخير.

هذه المبادئ تعمل في كل جوانب الكون والحياة، ويمكنها ان تأخذ وقتا طويلا لفهمها وتجسيدها  بالكامل.   كل مرة نعود لها نفهمها بطريقة جديدة، وبمستوى أعمق. انها يمكن ان تساعدنا في سيادة الذهن والروح.

***

حاتم حميد محسن

...........................................

الهوامش

(1) Hermes Trismegistus هو الاسم اليوناني لـ إله مصر تحوت (Thoth) حيث الدمج بين العقيدتين الميثولوجيتين اليونانية والمصرية: بين إله اليونان هرمس وإله المصريين القدماء Thoth. إله اليونان هرمس كان يُعرف كرسول بين الناس والآلهة. اما إله مصر كان يعود له الفضل في اختراع الكتابة. هو كان ايضا راعيا للفنون التي كانت تعتمد على مهارات الكتابة، مثل السحر، الطب، الفلك. كان لدى شعب اليونان نظام عقيدي توفيقي. هم لم يؤمنوا بان آلهتهم متفردة، بل اعتقدوا ان الثقافات الاخرى لديها آلهة مشابهة لهم بما يكفي لإستيعاب العقائد ودمجها في عقيدة واحدة. هذا يصح خصيصا على آلهة المصريين الذين اعتُبروا مجرد نسخة اخرى من عقيدتهم. الامر الذي سمح لهم بالتالي دمج عقيدتهم والعقائد الاخرى في نظام عقائدي واحد. وفي القرن الثالث قبل الميلاد، ربط اليونانيون عقيدتهم الهرمسية مع  إله مصر.

(2) الـ Kybalion هي كتاب عن الفلسفة الهرمسية لمصر واليونان القديمة صدر من جانب ثلاثة مؤلفين لم يُعرف اسمهم الحقيقي (المبتدئون الثلاثة) وذلك في سنة 1908. يدّعي المؤلفون ان الذهن والفكر هما القوة النهائية للكون، وان الانسان يمكنه الاستفادة من تلك القوى لأجل الصحة والثروة والنفوذ. الكتاب يوضح اساس الرمزية في الانجيل والكتب المقدسة الاخرى. التعاليم الاساسية في هذا الكتاب هي المبادئ السبعة للطبيعة. هذه المبادئ تمثل قوة الحقيقة والمعرفة، وبهذا هي سوف تستمر الى الابد، بصرف النظر عن طريقة دراستها من جانب مختلف الأديان.

في المثقف اليوم