أقلام فكرية

حاتم حميد محسن: التاريخ الفلسفي لما بعد الانسانية

طوال التاريخ ظل الانسان يحاول تحويل نفسه بهدف التغلب على محدوديته وحتى على موته. هناك ميل لدى الانسان للبحث عن طرق لتجاوز العقبات والقيود ليجعل حياته أفضل واكثر سعادة في هذا العالم. هذا يكشف شوق الانسان ليصبح أفضل مما نحن عليه الان – أفضل من الانسان: للانتقال من مجرد انسان عاقل الى انسان متفوق. ما بعد الانسانية هي حركة تدعو لهذا التحول في ظروف الانسان من خلال تطبيق العقل، خاصة عبر التكنلوجيات المتطورة. ما بعد الانسانية ذاتها تطورت تدريجيا عبر العقدين الأخيرين. الآن هي تعزز البحث في مجالات مثل مشاريع تمديد الحياة، تجميد الميت، تكنلوجيا النانو الجزيئية، خطط تعزيز الانسان مثل بايونك(دراسة الانظمة الحية لكي يمكن تطبيق المعرفة المكتسبة على تصميم انظمة فيزيقية)، الذكاء الاصطناعي، تحميل الوعي البشري في الكومبيوتر، تصميم الاطفال، الى جانب اشياء اخرى. نحن نستطيع القول ان الهدف النهائي لما بعد الانسانية هو تمكيننا لنعيش الى الأبد.

المعلقون يميلون للقول ان ما بعد الانسانية هي اما تجرّد الانسان من انسانيته او تجعله انسانا خارقا. الرؤية بان ما بعد الانسانية تجرّد الانسان من انسانيته يؤمن بها المحافظون الحيويون bioconservatives الذين يريدون المحافظة على الانسانية كما هي، ومن هؤلاء فرنسيس فوكاياما وريتشارد جون. فوكاياما عبّر عن نقده في كتابه (مستقبل ما بعد انساننا: نتائج ثورة التكنلوجيا الحيوية،2003). هو يعتقد ان خطط ما بعد الانسانية سوف تنتهك حقوق الانسان الاساسية وسوف تزيل الخط الفاصل بين الطبيعي والصناعي، وهو ما سيثير في الحقيقة معضلات أخلاقية. في النهاية، الخوف هو ان البشر المتحولون سوف يقضون على الانسانية الأصلية. ما بعد الانسانية كمفهوم لتفوق الانسان هو رؤية  يشترك بها كل المتفائلين بالتكنلوجيا، مثل جوليان هكسلي و ماكس مور و نك بوستروم. هم يعتقدون ان مشاريع ما بعد الانسانية سوف تجلب أقصى الفوائد للانسانية، وان محدوديات الانسان كالموت والمرض والشيخوخة يمكن التغلب عليها تكنلوجيا. هذه الرؤى المختلفة حول هذه الحركة تدعونا للتساؤل ما هي بالضبط ما بعد الانسانية. لذا قبل التحقيق في أخلاق ما بعد الانسانية، لننظر عميقا بماهيتها.

ماهي ما بعد الانسانية؟

مختلف المفكرين ومختلف الداعين الى ما بعد الانسانية، لديهم طرق مختلفة لفهم الحركة. مصطلح "مابعد الانسانية" صاغه جوليان هكسلي عام 1957. هكسلي (1887-1975) كان بايولوجيا بريطانيا وفيلسوف وتعليمي ومؤلف الكتاب الشهير (قناني جديدة لخمر جديد). هو اعتُبر أب ما بعد الانسانية. كان ايضا أول مدير عام لمنظمة اليونسكو بالاضافة لكونه حفيد البايولوجي T.H.Huxley. هو تأثر كثيرا بالتطورات الجديدة في علم الأجنة والمنهجيات، ودراسات السلوك، والتطور. بالنسبة لهكسلي، ما بعد الانسانية هي اختزال "للانسانية التطورية". الانسانية التطورية هي فلسفة تمركزت حول تطور الانسان. الانسانيون التطوريون لا ينظرون الى الكائن البشري كـ "ذروة الخلق"، وانما كنتاج غير مقصود للاختيار الطبيعي. الانسانيون التطوريون يؤمنون بان حياة الانسان تطورت من كائن حي منفرد ولا تزال تتطور. لذا فان طبيعة الانسان ليست ثابتة وانما نحن نتطور من حالة الى اخرى. في ظل الانسانية التطورية، تبذل الانسانية جهدا مقصودا "لتحوّل نفسها – ليس فقط بشكل متقطع وغير منتظم – وانما في مجملها كإنسانية" (قناني جديدة لخمر جديد، 1957). هذا المفهوم اُدخل في المجال الاكاديمي من جانب هكسلي.

ماكس مور، هو فيلسوف بريطاني ومستقبلي. في عام 1995، وفي جامعة جنوب كاليفورنيا، أنهى مور اطروحة الدكتوراه (الهوية، الاستمرارية، والتحول) التي تفحص عدة قضايا تهم الما بعد الانسانيين. ومنذ ذلك الحين، هو كتب عدة مقالات تتبنّى ما بعد الانسانية، خاصة فلسفة الـتفاؤلية العلمية Extropianim والتي هي عبارة عن اطار متطور من القيم والمعايير لتحسين مستمر في ظروف الانسان.

أدخل مور مصطلح "ما بعد الانسانية" بمعناه الحديث المرتكز على التكنلوجيا. هو يعرّف ما بعد الانسانية كـ "صنف من فلسفة الحياة تبحث عن الاستمرارية وتعجيل تطور الحياة الذكية الى ما وراء شكلها الانساني الحالي وما فيه من محدوديات وذلك عبر وسائل العلم والتكنلوجيا، مسترشدة بمبادئ وقيم تعزيز الحياة" (ثورة الروبوت القادمة،2009).

اما المستقبلي نك بوستروم، من جامعة اكسفورد قال مؤخرا ان ما بعد الانسانية هي "نتاج للانسانية العلمانية والتنوير. انها تؤمن بان طبيعة الانسان الحالية هي قابلة للتحسين من خلال استعمال العلم التطبيقي وطرق عقلانية اخرى، تجعل بالامكان زيادة أمد حياة الانسان، وتمديد طاقاتنا الفكرية والفيزيقية، ومنحنا السيطرة التامة على حالاتنا الذهنية وأمزجتنا" (من مقال لبوستروم: ما بعد الانسانوية ونقادها، 2010،ص55).

ومهما كانت دقة التعريف، فان الفكرة الأساسية لما بعد الانسانية هي التعزيز العلمي للكائن البشري. ولكن رغم ان أدب ما بعد الانسانية يدمج العلم والتكنلوجيا، فهو يقوم بهذا وفقا لمختلف الأهداف المتميزة. وبالتالي، نحن لا نستطيع اعتبار ما بعد الانسانية كحركة منفردة وانما هي عدة حركات ذات أهداف متميزة. اكثر الحركات التي جرى نقاشها هي : 1- ما بعد الانسانية الديمقراطية 2- ما بعد الانسانية التحررية 3- التفاؤلية العلمية Extropianism 4- التفرد singularitarianism. سنتطرق باختصار لكل واحدة من هذه الحركات:

1- ما بعد الانسانية الديمقراطية Democratic Transhumanism

ما بعد الانسانية الديمقراطية انتشرت اساسا بواسطة جيمس هيوز James Hughes (1961)، البوذي الامريكي والسوسيولوجي والأخلاقي في علم الأحياء ورئيس مؤسسة الاخلاق والتكنلوجيات الناشئة التي تنشر مقالات حول ما بعد الانسانية ومجالات اخرى في أخلاقيات علم الاحياء. عمله الشهير (المواطن الآلي: لماذا المجتمعات الديمقراطية يجب ان تستجيب الى انسان المستقبل بتصميم جديد،2004).

ما بعد الانسانية الديمقراطية تشجع الحكومة لإحتضان المشاريع الما بعد انسانية وتقترح بان التعزيز الذاتي العلمي والتكنلوجي يجب ان يكون متاحا لكل شخص وليس فقط للنخب الثرية. المؤيدون لهذا الاتجاه ينتقدون الطريقة التي توزع بها السلطة بشكل غير متكافيء بالارتكاز على نوع الجنس او العرق او الطبقة او الدين او الصنوف الاخرى. هم يصرّون على ان الناس يجب ان يمتلكوا فرص متساوية في الوصول الى المشاريع ما بعد الانسانية،بغض النظر عن هذه العوامل. هيوز Hughes يؤكد ايضا على أهمية امتلاك ضمانات لهذه الاشياء: "التقدميون التكنلوجيون مثل الديمقراطيين الاجتماعيين، يؤمنون ان الديمقراطية تتطلب ضمانات قوية للحريات المدنية وحقوق الاقلية،وتوزيع منصف للثروة والسلطة ومسؤولية قوية للدولة وشفافية تجاه مواطنيها، وعملية للتشاور وصنع القرار مفتوحة لكل الافراد الكفوئين" (جيمس هيوز في حول ما بعد الانسانية الديمقراطية، مقابلة مع مارس روكس،2009).

2- ما بعد الانسانية التحررية Libertarian Transhumanism

زولتان استفان Zoltan Istvan المرشح للرئاسة الامريكية عام 2016 كان من أبرز الما بعد الانسانيين المؤثرين في العالم، والذي سعى لتعزيز ما بعد انسانية تحررية. هذه هي ايديولوجية سياسية اخرى تقترح مركبا من التحررية والما بعد الانسانية. يعتقد انصار هذه الحركة بان جميع المشاريع الما بعد انسانية يجب ان تهدف الى حياة افضل للانسان تتميز بالرفاهية، ولكن ايضا تكون مبادئ الملكية الخاصة والسوق الحر هي الضامنة لحق التعزيز (رفع قوة ونوعية او كمية الشيء). بالاضافة الى ذلك، هم يؤكدون وبقوة بان أي محاولة للحد من حق متابعة المشاريع الما بعد انسانية هي انتهاك للحقوق المدنية والحريات المدنية. هم ايضا يرفضون بعض السياسات العامة والقوانين التي دعا اليها الديمقراطيون الما بعد انسانيون لأنهم يخافون بان الدولة ستوجّه او تحدد خيارات الافراد. يجادل الما بعد انسانويون التحرريون بان الما بعد الانسانية التحررية سوف تنتج ازدهارا كبيرا وتنمية وأفضل مخرجات للمجتمع.

3- التفاؤلية العلمية Extropianism

الإكستروبية تتعلق باطار من القيم والمعايير لتحسين ظروف الانسان. مصطلح اكستروبية  لم يتم تعريفه بدقة، بل ان اكستروبية تُستعمل مجازيا كمضاد لحالة العشوائية والإضطراب entropy لتعني ان الاشياء عموما تصبح اكثر تنظيما وتعقيدا بدلا من الفوضى والاضطراب. ديان دوان Diane Duane كان أول من استخدم هذا المصطلح ليشير الى اننا بالإمكان ان نبقى متفائلين حول المستقبل من خلال التدخلات التكنلوجية المعززة. ماكس مور من أبرز المؤيدين لهذا الاتجاه، فهو ذاته يصف كل من التقدم الدائم والتحول الذاتي والتفاؤل العملي، والتكنلوجيا الذكية والمجتمع المنفتح و التوجيه الذاتي والتفكير العقلاني كمبادئ لـ الاكستروبية.

العقيدة الرئيسية لأنصار هذه الحركة هي ان التقدم في العلوم والتكنلوجيا سوف يسمح يوم ما للناس ليعيشوا الى الابد. هم عادة يعززون هذه العقيدة بعمل بحوث وتطوير او باختبارات طوعية لتكنلوجيا جديدة حول أجسامهم الخاصة.

Extropism هي اشتقاق حديث من اكستروبية. صدر بيان للحركة يجسد الاكستروبية بالعبارات الخمس التالية:

تمدّد بلا نهاية، وتحويل القيود، والتغلب على الممتلكات، الذكاء، والمكائن الذكية.(تاريخ الأفكار الخطيرة، ديفد لفنكستون، ص2015).

4- التفرد singularitarianism:

وهي حركة ترتكز على الايمان بان التفرد التكنلوجي وخلق الذكاء الخارق سيحدث في المستقبل القريب. التفرد التكنلوجي هو النقطة التي فيها القوة الكومبيوترية تساوي او تتجاوز قوة دماغ الانسان. لذا فان التفرد يفترض ان تطور الذكاء الصناعي فوق ذكاء الانسان، مما يولّد ذكاء صناعي خارق. الذكاء الخارق هو مصطلح يشير الى ذكاء افتراضي اصطناعي يتجاوز الانسان في جميع المجالات الفكرية. في كتابه (التفرد قريب: عندما يحوّل الانسان البايولوجيا،2005)، يتنبأ راي كورزويل(1948)، بان التفرد والذكاء الخارق سيحدث في عام 2045. حركة التفرد تفترض ان فعلا متعمدا يجب اتخاذه لضمان ان التفرد وما وراءه سيفيد الكائن البشري.

رسم الاختلافات بين هذه الحركات يجعل من الواضح ان الإجماع  بشأن ما بعد الانسانية ليس سهلا. مع ذلك، الخيط المشترك الذي يجمع بين جميع هذه الحركات هو تعزيز الانسانية بمساعدة التكنلوجيا والعلم. وهكذا نحن نستطيع صياغة تعريف عملي لما بعد الانسانية كـ "حركة فكرية، اجتماعية، ثقافية، وفلسفية تؤكد على امكانية تحسين ظروف الانسان من خلال التقدم في العلوم الملائمة مثل علم الاعصاب وعلم الجينيوم وعلم الروبوتات وتكنلوجيا النانو وعلوم الكومبيوتر والعلوم والذكاء الاصطناعي".

ما بعد الانسانية و ما وراء الانسانية post humanism

كلا المصطلحين مترابطان في هذا البحث. قبل مناقشة الفرق بين الاثنين، نحن يجب ان نلاحظ ان مصطلح "مابعد الانسان" transhuman هو ذاته متميز عن ما بعد الانسانية   transhumanism. ما بعد الانسانية هي حركة، بينما "ما بعد الانسان" يشير الى كائن حي: انه شكل وسيط في مكان ما بين الانسان وما بعد الانسان. بمعنى، ان البشر المتحولون هم بشر يمرون بمرحلة انتقالية يسعون جاهدين ليصبحوا ما بعد البشر posthuman. مقابل هذه الخلفية، ما وراء الانسانية posthumanity يمكن فهمها كمجموعة من ناس "المستقبل" حوّلوا أنفسهم راديكاليا من بشر بمساعدة التكنلوجيا المتقدمة. وبهذا، فان ما بعد البشر هم كائنات وصلوا الى ما وراء الخصائص والتعاريف التقليدية للبشر المعاصرين.

تاريخ مختصر لما بعد الانسانية

يمكن للمرء القول بمعنى ما ان تاريخ ما بعد الانسانية هو تاريخ الانسانية. بعض المعلقين يجادلون ايضا ان ما بعد الانسانية لها جذورها في دانتي ورسالة القديس بولص. غير انها كحركة، ما بعد الانسانية لها جذورها في الانسانية العقلانية التي وُلدت في التنوير. التنوير احيانا يقال بدأ بنشر فرنسيس باكون لكتابه الشهير (الوسيلة الجديدة) عام 1620. في هذا الكتاب يؤكد باكون على أهمية المنهجية العلمية: للتعرف على العالم من خلال التحقيقات التجريبية بدلا من التفكير القبلي. باكون ايضا يؤيد ان "التأثير على كل شيء ممكن"والذي يعني به، استعمال العلم لتحقيق السيادة على الطبيعة من أجل تحسين ظروف الانسان. في سنة 1784، في مقال له بعنوان "ما هو التنوير؟" يلخص عمانوئيل كانط التنوير كالتالي:

"التنوير هو خروج الانسان من حالة اللانضج المفروض ذاتيا. اللانضج هو عدم مقدرة المرء على استعمال فهمه الخاص بدون إرشاد الآخرين. هذا الشكل من الطفولة هو مفروض ذاتيا اذا كان سببه يكمن ليس في نقص الفهم وانما في اللاقرار ونقص الشجاعة لإستعمال ذهن المرء الخاص بدون ارشاد الآخرين. لذا فان "الشجاعة في استعمال فهم المرء الخاص" هو شعار التنوير. هذا الميراث من التفكير النقدي للتنوير، مترافقا مع تأثير اسحق نيوتن وتوماس هوبز وكانط و ماركيز كوندورسيه وآخرين، يشكل الأساس للانسانية العقلانية. الانسانية العقلانية تؤكد على العلوم التجريبية والتفكير النقدي بدلا من سلطة الدين او التقاليد الاجتماعية. وهكذا فان الانسانية العقلانية تشكل أساسا فكريا لما بعد الانسانية.

الإلهام الرئيسي الثاني للفكر الما بعد انساني هو فردريك نيتشة (1844-1900). في كتابه الشهير (هكذا تكلم زرادشت،1883)، يشرح نيتشه عقيدته الشهيرة في "السوبرمان":

"انا اعلّمك الانسان الخارق. الانسان هو شيء ما سيتم التغلب عليه. ماذا عملت للتغلب عليه؟ كل الكائنات حتى الان خلقت شيئا ما وراء ذاتها، فهل تريد ان تكون انحسارا لهذا الطوفان او العودة الى حالة الوحوش بدلا من التغلب على الانسان؟ ما هو القرد بالنسبة للانسان؟ سخافة ام خجل مؤذي. سيكون الانسان كذلك بالنسبة للرجل الأعلى: سخافة او خجل مؤلم" (هكذا تكلم زرادشت، هولنكديل،ص 41-42).

ورغم ان نيتشة لم يشر مباشرة للتحول التكنلوجي، لكن هناك تشابه بين الرؤية النيتشوية ورؤية ما بعد الانسان. في عام 1940 وما تلاه حصل تطوير اول كومبيوتر عملي متحفزا بحاجات الحرب لفك الشفرات. السبرانية وعلوم الكومبيوتر بدأت تُناقش على نطاق واسع، وفي الستينات من القرن الماضي، جرى توضيح سيناريوهات متفائلة جديدة حول الانسانية والذكاء الاصطناعي من جانب كتاب الخيال العلمي مثل اسحق اسيموف و ارثر كلارك. ايضا في الستينات، تحفزت مختلف المنظمات بلا شك بالخيال العلمي،بدأت بالدعوة لتمديد الحياة، وتجميد الاطفال، واستيطان الفضاء، والتقدم في التكنلوجيا الحيوية وعلوم الاعصاب وتكنلوجيا الاعصاب – جميعها مشاريع هامة لما بعد الانسانية.

في التسعينات من القرن الماضي، كما ذكرنا انفا، أدخل مور ما بعد الانسانية للمجال الاكاديمي،صاغها من خلال مبادئ  المستقبليات او الأكستروبيا. يرى مور ان حالتنا الانسانية كـ "مرحلة انتقالية بين مرحلتنا الحيوانية ومستقبلنا لما بعد الانسان". هذه المراحل الما بعد انسانية سيتم الوصول اليها، طبقا لمور"من خلال الهندسة الوراثية، بايولوجيا تمديد الحياة، مكثقات الذكاء، اتصالات أذكى لكومبيوترات ذكية، تكامل حاسوبي عصبي، شبكة بيانات عالمية، واقع افتراضي، وكالات ذكية، اتصالات الكترونية سريعة، ذكاء اصطناعي، علوم الاعصاب،حياة اصطناعية، هجرة من الكوكب و تكنلوجيا النانو الجزيئية" (Extropian principles 3.0).

في عام 1998،أسّس كل من نك بوستروم و ديفد بيرس مؤسسة العالم الما بعد انساني WTA. وفي نفس السنة، اصدرت مجموعة من ما بعد الانسانيين من بينهم بوستروم و بيرس الإعلان الما بعد انساني، معبّرين عن مختلف المواقف الاخلاقية التي يمكن اتخاذها من جانب الما بعد انسانيين خاصة عندما تبرز المعضلات الاخلاقية بفعل التقدم التكنلوجي. وفي حديث في اليوتيوب لخص بوستروم الاسباب التي دفعته لتأسيس WTA في ثلاث نقاط:

1- لدعم النقاشات حول الفكر الما بعد انساني وخلق وعي عام في التقدم التكنلوجي".

2- لإقتراح حلول للتهديدات المحتملة الناتجة عن التكنلوجيات الناشئة.

3- لخلق منصة جديدة للفكر الما بعد انساني في حقل العلم الاكاديمي.

كل من معهد اكستروبي و معهد الاستشراف ومعهد الخلود ومعهد الاخلاق والتكنلوجيا الناشئة و معهد التفرد للذكاء الصناعي هي منظمات معاصرة اخرى تلعب دورا حيويا في تعزيز ما بعد الانسانية.

في عام 2004 أسّس بوستروم و هيوز معهد الاخلاق والتكنلوجيا الناشئة. وفي نفس السنة، قام فرنسيس فوكاياما وبعد رؤيته للمخاطر المحتملة للمشاريع الما بعد انسانية بتسمية ما بعد الانسانية بـ "افكار العالم الأعظم خطورة". في عام 2005،أسس بوستروم وبالتعاون مع اندرس ساندبرج و ايريك دريسلر معهد مستقبل الانسانية لدعم وتعزيز ما بعد الانسانية. في عام 2008 قامت مؤسسة WTA بتغيير اسمها الى انسانية زائد. اما جامعة التفرد كانت ايضا تأسست عام 2008 في امريكا بواسطة بيتر دايموند و راي كورزويل، بتمويل من جوجل ونوكيا و ايبلانت كابتل و ناسا و مؤسسة اكس برايز و شركات اخرى. وفي عام 2014، كتب إيلون ماسك في تويتر بان الذكاء الصناعي سيشكل تهديدا للانسانية، ثم التحق بـمؤسسة  WTA لدعم تطور تكنلوجي مسؤول. في عام 2015، تبرع ماسك بعشرة ملايين دولار لمعهد مستقبل الحياة لأجل خلق ذكاء صناعي آمن. وفي عام 2016، قاد استيفون حملة لإنتخابات الرئاسة الامريكية مروجاً لبرامج تعزيز ما بعد الانسانية.

من خلال هذه القراءة لتاريخ ما بعد الانسانية، اصبح من الواضح انها ليست مجرد رؤية طوباوية للمتفائلين التكنلوجيين، وانما تلقّت تمويلا هاما من مختلف المنظمات الثرية.

مساءلة ما بعد الانسانية

  على الرغم من ان ما بعد الانسانية تتنبأ بتفاؤل لا مثيل له، لكننا لا يمكننا تجاهل الأسئلة التالية: ماذا نعني بـ "الانسان"؟ هل الكائن البشري فقط مسألة فيزيقية؟ هل طبيعة الانسان ثابتة ام مرنة؟ هل ان فكرة ما بعد الانسانية خطيرة؟ ام ان ايديولوجية المحافظة الحيوية المعارضة لما بعد الانسانية هي الخطيرة؟ وكيف؟ من هذه الأسئلة يبدو واضحا ان ما بعد الانسانية تخلق اسئلة معقدة أخلاقيا وانثروبولوجيا، وهي تتطلب وبشكل ملح تحقيقات بما تفترضه وتدعو اليه.

***

حاتم حميد محسن

في المثقف اليوم