أقلام فكرية

شيماء سيد على: الاستطيقا البيئية- مفهومها وأهميتها:

إن إخضرار العلوم والدراسات الإنسانية والفلسفية يقودنا إلى إخضرار وجودنا إليه على هذا الكوكب الذي نشأنا من ترابه ونعود إليه، ويعبر اخضرار العلوم عن تلون العلوم الطبيعية بالمفاهيم والأفكار المستعارة من الأيكولوجيا من جهة، واستعانة البحوث البيئية بهذه العلوم الإنسانية ليشمل تحليل الأزمة البيئية، فتنشأ العديد من الفروع المعرفية الجديدة التى تتداخل في إطارها العلوم الإنسانية والمفاهيم الإيكولوجية. ومن هنا كان علم الجمال البيئي نافذة جديدة للتقدير الجمالي للبيئة من حولنا.

نحن اليوم نعيش فى أزمة حقيقة بمعنى الكلمة ويجب أن ننتبه إليها ونضعها نصب أعيننا عليها، إذا قلنا على القرن العشرين الذى وصف بإنه القرن الازمات الكبرى الذى من أبرزها الحربان العالمیتان وما نتج عنهما من كوارث إنسانیة أودت بحیاة ما یقرب من ثمانین ملیون نسمة، فإننا الیوم بصدد أزمات جدیدة وهي أزمات ومشكلات البیئة التي تهدد لیس دولة أو مجموعة من الدول فحسب، بل تهدد الكوكب بأسره والحیاة بمفهومها الأكثر شمولا الذي یضم كل الكائنات الحیة على ظهر هذا الكوكب.

لقد كثرت امتلاك الدول المتقدمة لأدوات الحرب التكنولوجية للتدمير الشامل على البيئة، من خلال ما تمتلكه هذه الدول من مخزون الأسلحة الذرية والكيميائية والبيولوجية مثل: الغازات السامة والبكتيرية القاتلة الذى تدمر العالم بأكمله، وإلى جانب سلسلة من الأخطار البيئية المقترنة بالتلوث الناجم عن حرق الوقود الأحفوري وما ينتج عنه من انبعثات ثانى اكسيد الكربون ما يعرف باسم (الاحترار الاراضى) أو (الاحتباس الحراري)التى تمثلت فى استنفاذ طبقة الأوزون المحيطة بالأرض مما يسمح بنفاذ قدر كبير من الأشعة فوق البنفسجية الضارة علي سطح الأرض.

وأيضا لنا العظة من كم الأحداث المأساوية والكوارث البيئية الكثيرة التى عاشها العالم ومازال يعيشها الآن منها الأمراض الوبائية وآخرها فيروس كورونا (فى يناير 2020م) وأحداث تسونامى الذى نتج عنه (زلزال كبير في المملكة المغربية وفي سبتمبر2023م) وثم تابعه الحديث عن ما يسمى بالحروب الجيوفيزيائية والصناعة البشرية لزلازل عام2023التى امتلأت وسائل التواصل من مقاهى ومنازل كلها تتحدث عن مشروع (هارب الأميركي) (**) وإن كان مضمونها تمثل نوع من الاشائعات المغرضة التى تهدد أمن الناس وغيرها من الكوارث الكثيرة.

لكن ما علاقة كل هذه الموضوعات والقضايا بالأستطيقا أو علم الجمال؟

 لقد يبدو للقارئ العادى إنها بعيدة كل البعد عن مثل هذه القضايا ومشكلات البيئية؛ بل لا تمد بإي صلة منها، نظرا لاهتمامه المتزايد المبالغ فيه حول الفن ونظرياته، لكن في الثلاثين عامًا الماضية؛ نما التقدير الجمالي وهو فرع من البحث الذي يسعى إلى التنبؤ بالنتائج الجمالية للتفاعل بين الشخص والبيئة، إلى حد كبير نتيجة للمبادرات التشريعية في بريطانيا العظمى والولايات المتحدة الأمريكية. وفي الأخير؛ يعترف قانون السياسة البيئية الوطنية (NEPA) لعام 1969م بحق المواطنين في الحصول على محيط جميل. ومن هذه الزاوية لقد وجه وكالات السلطة التنفيذية لإدارة ممتلكاتهم الخاصة بالإضافة إلى وظائفهم التنظيمية باستخدام إجراءات منهجية يمكن أن تأخذ في الاعتبار العواقب الجمالية للتخطيط والبناء وقرارات الإدارة. وكما أدت هذه التشريعات إلى نمو الوعي العام المتزايد بالبيئة الجمالية التى نتج عنه مناهج أو نماذج متنوعة تستخدم لمعالجة الازمة البيئية بشكل أفضل. احتلت الاهتمامات البيئية مركز الصدارة حيث ندرك الحاجة الملحة لحماية النظم البيئية لكوكبنا. ونحن نسعى جاهدين لخلق مستقبل مستدام، ومن المهم ألا نركز فقط على الجوانب النظرية للحفاظ على البيئة بل يجب النظر إلى الممارسة العملية وتفعيل دور الجماليات في تشكيل علاقتنا مع العالم الطبيعي البيئي.

فالبعد الجمالي للبيئة المعاصرة له أهمية خاصة؛ وهو يشمل تقدير التنوع البيولوجي، وجمال النظم البيئية الكونية، والعلاقات البيئية المعقدة. علاوة على ذلك، فإن الجماليات البيئية يشجع على إقامة علاقة مؤاءمة ومرضية بين البشر والعالم الطبيعي. ومن خلال تعزيز وتقدير البيئة الطبيعية من خلال الجمع بين خصائصها الجمالية وكذلك فوائدها البيئية مثل توليد طاقة نظيفة وكيفية إعادة تدوير الاشياء الضارة بالبيئة وبهذا تستطيع أن تعزز الممارسات المستدامة.

فهى عرفت الجماليات البيئية بإنها: حالة من التفاعل العلمى الخاص المتميز بين مجالين من مجالات البحث وهما جماليات التجريبية وعلم النفس البيئي حيث يستخدم هذين المجالين البحث العلمي لمساعدة لتفسير العلاقة بين المثيرات الطبيعية والبيئية والاستجابات الانسانية.

فالنظر إلى المسألة البيئية من حيث الرؤية الجمالية للطبيعة بعامة والمحافظة عليها تعد مصدرا لجمال وطمأنينة ومتعة للإنسان، وإن أي تدمير في البيئة يؤدي إلى آثار سلبية على الإنسان ومن حيث تردي نوعية الهواء المرتبط بالخلل الذي يصيب البيئة الطبيعية إلى جانب الأمراض والكوارث الأخرى،الذى تهدف إلى هدم الجانب الجمالي للطبيعة الذي يولد متعة للإنسان، وهو في حاجة ماسة إليها ولا تقل أهمية عن المتع المتعددة التي يحصلها من المصادر الأخرى والضرورية للبقاء بشقيه المادي والمعنوي.

لذلك تسعى علم الجمال البيئي إلى ترسيخ فهم جمالي للبيئة المحيطة بنا من شأنه أن يؤدي إلى الحفاظ عليها واحتضانها بدلًا من العدوان عليها أو إساءة استخدامها، وكما تسعى لفهم العلاقة بين الإنسان وبيئته وانعكاس هذه العلاقة على تكامل ملكاته، ومنها ملكة الذوق والتفضيل الجمالي ورفع مستوى جودة الحياة كيفية حمايتها للأجيال القادمة، فتقول الفيلسوفة المعاصرة "مارسيا إيتون": " لقد طلب مني أحد المسؤلين على الدولة أن أصف مشاريعي الذى جاء بعنوان: "العالم الحقيقي وهو الإصلاح البيئي"، الذي يتضمن بتوجيه المخططين بالتركز علي "الاعتبار الواجب للقيمة الجمالية" وكان على المهندسين والمصممين في الولايات المتحدة الأمريكية محاولة تحديد ماهية هذه القيمة ومن ثم التعامل معها؛ ووفقًا لذلك لقد أدرك علماء البيئة على المستوى الدولي على نحو متزايد حول الاهتمام بالجانب الجمالي، فهى تمثل كمحفز قوي للمعالجة الازمة البيئية (وكيفية إنقاذها من التدمير).

قد أثرت الجماليات البيئية عددًا من التخصصات: مثل هندسة المناظر الطبيعية والتصميم البيئي وعلم النفس والجغرافيا والفنون الجميلة والتطبيقية. حيث تتم دراستها من أجل فهم العلاقة بين الصحة النفسية والفسيولوجية للإنسان والبيئة البصرية، وكذلك التنبؤ بالعواقب الجمالية المحتملة للتغيرات في البيئة المادية مثل أزمة تغير المناخ وغيرها. مع هذا العدد الكبير من التخصصات المعنية، تم تطوير عدد من الأساليب بشكل أفضل لفهم التفاعل بين الناس وبيئاتهم.

فمثلا لو تحدثناعن هندسة المناظر الطبيعية أي (إدارة وتخطيط المناظر الطبيعية) نجد يتتبعه الاسلوب المهنى العملى الغالب عليه من قبل مهندسي المناظر الطبيعية والمخططين ومديري الموارد، ويستند إلى الاستخدام المنهجي للمبادئ الرسمية للتصميم: مثل الشكل والخط واللون والملمس لتقييم جماليات المناظر الطبيعية. يستخدم الخبراء المدربون في التصميم والفنون الجميلة هذه المبادئ الفنية الرسمية لتقييم مناظر طبيعية معينة ويمكنهم مقارنة هذه النتائج بمناظر طبيعية مختلفة وتقييم التأثيرات الجمالية للتغييرات المقترحة.

    وكما تعكس دراسة الجماليات البيئية بإعتبارها مهمة أيضا في خلق وتعزيز الهوية الثقافية والوعي الإنساني للبيئة الذى ينتمى بها، حيث تكشف لناجانبا مهما من طبيعة الناس والأماكن من خلال المناطق الريفية والحضرية، وكذلك المناطق المتدهورة التي تشكل مشهد مرئي للمكان ينتمي إليه الأشخاص نتيجة لعملية الفعل والتفاعل بين الطبيعة والانسان. فالحديث عن المناظر الطبيعية وجمال البيئة يعني الحديث عن الهوية والمبادئ والتوجهات السياسية للمجتمع. فالاهتمام بجمال البيئة هو دليل على حضارة الإنسان ورقيه، ومظهر من مظاهر تقدم المجتمع وتطوره، فالمجتمع الذي لا يهتم بجمال بيئته، هو بدون شك مجتمع متخلف.

على أي حال لم اكتف بهذا القدر حول أهمية هذا المجال؛ نظرا لاتساع موضوعاته وتداخله فى مختلف التخصصات فأصبح مؤخرًا يحتل الصدارة في مجال الدراسات البيئية، بل أصبحت تشكل الآن الجانب الأعظم من كم الدراسات الفلسفية المعاصرة.

فالجماليات هي عامل مهم ورئيسى وواحدة من مجموعة العوامل التي توضع في الاعتبار لمعالجة آزمات البيئية التى تواجهها؛ وهذا إن دل علي شئ فإنه يدل على مدى العلاقة بين علم الجمال بقضايا الحياة المعيشية ومواجهة الصعوبات والتحديات التى نواجها وخاصة فى عصرنا الحالى وتحويل كل شئ سيئ أو مشكلة إلى شئ جميل وحلا لها للمشاركة فى صناعة عالم أفضل.

***

شيماء سيد على

باحثة دكتوراه- جامعة سوهاج- مصر.

في المثقف اليوم