أقلام حرة

الحزب الدستوري العراقي يبحث براغماتيا مفهوم العدالة

 او الخلاص من الفوضى الديمقراطية التي مورست بأفكار دكتاتورية دون ان تعي ذلك.

 

قبل ان نحدد الادوات التي من خلالها نصل الى تطبيق العدالة لابد ان نعطي تعريف لمفهوم العدالة، هل هي مجموعة ممارسات ديمقراطية تبدأ بموعد اجراء الانتخابات وتنتهي عند اختيار الحاكم، وهذا النوع من الحكم لايؤدي الا للفوضى عندما تطبق هذه الممارسة بشكل مفاجئ، اذ سيتبع كل فرد اللون الذي يرغب فيه، وتؤدي الى تفكك المجتمع الواحد وتتجذر العداوات والصراع بين مجتمع الموالين الى السلطة المنتخبة والمعارضين لها. ام ان العدالة هي مبدأ ليبرالي يمنع تمركز الحكم ويساعد على تحقيق المشاركةوتوزيع المنافع على كافة مكونات الشعب .

قبل الدخول في البحث لابد ان نعرف هل ان الشعب العراقي تحرر من الاوتوقراطية المقيتة، وان كان فعلا قد تخلص منها فلم هذا الصراع الدموي حول السلطة ؟؟؟ ولماذا لم تترك الديمقراطية الجديدة نتاجاتها الايجابية على شريحة الفقراء والعاطلين عن العمل؟؟؟

 

نوع الصراع تحدده ثقافة المجتمع الذي مورست فيه التجربة الديمقراطية، فاذا كان هذا المجتمع( قبلي) او (بدوي) تكون لغة السلاح هي المعارضة الديمقراطية في منظور هؤلاء.وان كان هذا المجتمع متمدن حضاري تكون لغة القلم والمنطق هي المعارضة التي يمارسها ذلك المجتمع.

 

سؤال البحث كيف يمكن ان تتحقق الديمقراطية والعدالة في المجتمع العراقي؟؟؟

وهل ان الديمقراطية تعني العدالة ام ان الديمقراطية هي ممارسة والعدالة تطبيق لهذه الممارسة؟؟؟

 

غاية البحث هوالوصول الى نظام اقتصادي مستقر ينقذ شريحة الفقراء و ينسجم مع مكونات الشعب العراقي .

 

لكي نعطي تعريف لمعنى العدالة لابد ان نعرف الادوات التي نصنع منها العدالة لكي نتخلص من الديماغوجية السياسية التي تخدع الشعب للوصول الى السلطة لخدمة مصالحهم . وهذه الادوات هي(الديمقراطية، النظام الاقتصادي، آلية النظام الاقتصادي) الديمقراطية هي نقطة الانطلاق لتحقيق العدالة وعندما تنفصل عنها تصبح فوضى بل اشد وطأة من فترة الدكتاتورية، وخير دليل عللى ذلك الوضع المزري الذي يعيشه الشعب العراقي بوجود الديمقراطية المنفصلة عن تطبيق العدالة.

الديمقراطية تصبح بلاء عندما تفرز قادة لديهم وعي سياسي لكنهم قاصرين عن تحقيق العدالة، ليس بالضرورة ان يكونوا هؤلاء القادة طغاة لعدم تمكنهم من تحقيق العدالة بل نتيجة انفصال حلقة مهمة تؤدي الى تحقيق الاستقرار وهي العدالة وهذه الاخيرة تحتاج الى نظام اقتصادي يصبح هو البديل عن الحاكم.

 

لكي تبنى الديمقراطية الحديثة بصورة صحيحة عليها ان تؤسس لثوابت رصينة تستند عليها هذه الديمقراطية ومن اهم هذه الثوابت هو تحقيق العدالة الاجتماعية.

 

كيف تتحقق العدالة ؟

 

تتحقق العدالة من خلال النظام الاقتصادي الذي يصبح بديل للحاكم الافرد او الحزب الافرد. ويتكون هذاالنظام الاقتصادي من ثلا ث أنظمة انطلاقا من مكون الاسرى..

 

اولا : نظام رعاية الطفل

ثانيا: نظام رعاية المرأة

ثالثا: نظام رعاية الرجل

 

هذه الأنظمة الثلاث تعتبر ثوابت للنظام الديمقراطي ومن غير هذه الثوابت تصبح الديمقراطية فوضى.فعندما تؤسس هذه الانظمة الاقتصادية مع تفرعاتها وتكون مثبته في دستور الدولة عندها تكون ممارسةالانتخابات لغرض انتخاب اشخاص مهمتهم حماية هذه الانظمة أو تطويرها نحو الأفضل ويكون المقياس لدى الناخب .

هذه الانظمة الثلاث والتي تعتمد على ثروات البلاد من جهة ومن الضرائب المستقطعة من جهة اخرى في رعايتها( للطفل والمرأة والرجل) تستطيع ان تحقق العدالة والاستقرار لان الطفل العراقي في زاخو وفي مدينة الفاو يحصل على نفس الرعاية والمرأة العاطلة عن العمل والرجل كذلك.

 

لابد ان يكون هناك مقياس يستند عليه الشعب في اختياره للحزب اثناء عملية الانتخابات، فهذه المشاريع الثلاث او النظم الثلاث ستكون الاساس الذي يستند عليه الشعب في اختياره للحزب، فالحزب الذي استطاع ان يطور هذه النظم ويزيد من الدخل للنظم الثلاث، سينال اصوات اكثر، ولكن لايستطيع اي حزب من الاحزاب ان يقلل من الدخل او يلغي هذه الانظمة لانها من ثوابت الدستور والعملية الديمقراطية.

 

هذا النظام الاقتصادي الديمقراطي يجعل شهوة المال لدى الحاكم تضعف لان الاموال موزعة من خزينة الدولة سلفا على عموم الشعب، السبب الاخر ان الطبقة الحاكمة المنتخبة تفكر كيف ستحسن من دخل هذه الانظمة الثلاث لا تفكر بتقليلها لان ذلك سينعكس عليها في الانتخابات المقبلة. في كل الاحوال ان الهدف قد تحقق وهو ان تكون العائلة العراقية في مأمن من اطماع الحكام.

 

في بلد مثل العراق احادي الاقتصاد وهي(الثروة النفطية) لابد ان يعتمد هذه الانظمة الثلاث لان العراق يعيش حالة استثنائية، فلاوجود لاستثمار اجنبي ولا مصانع تعمل ولازراعة منتجة، مما خلف ذلك بطالة مستشرية في البلاد، لذلك عدم تطبيق هذه النظم الثلاث والشعب يعيش حالة حرمان يؤدي الى حالة عدم استقرار كون ان الانسان العراقي الفقير يرى ويسمع حالة الرخاء التي تعيشها الطبقة الحاكمة وهو محروم من ابسط متطلبات الحياة، من الطبيعي ان يؤدي ذلك الى غضب الشارع العراقي ولكن هذه المرة ليست ضد الدكتاتورية بل ضد الديمقراطية الناقصة.

 

لقد قسم الفيلسوف سقراط الدولة الى ثلاث طبقات(طبقة الحكام، طبقة الجيش، طبقة الصناع والعمال) لكن لم يذكر سقراط اهم طبقة في المجتمع وهي الطبقة الفقيرة والعاطلة عن العمل وانا اثبت اعتراضي عليه، ان هذه الطبقة الرابعة تعتبر من اهم طبقات المجتمع ويجب ان تراعى بعناية كبيرة لانها حالة مرضية غير طبيعية في جسم المجتمع لابد ان تشفى، بل هي حالة خطيرة تفرز اجيال غاضبة ضد الطبقات الاخرى في المجتمع.

 

الية هذا النظام الديمقراطي الاقتصادي تعتمد على المصارف الحكومية والاهلية، اي بمعنى ان الاموال المخصصة لهذه الانظمة الثلاث تذهب من خزينة الدولة والى المصارف الحكومية والاهلية كي توزع على المشمولين ضمن هذا النظام.

بناء الدولة الديمقراطية يعتمد في الاساس على انتقال الثروة من السلطة الحاكمة الى الشعب، وعندما تكون العملية عكسية اي تقتصر الثروة على الطبقة الحاكمة والطبقة التي تحمي الحاكم او النظام ستكون هذه الدولة محكومة بنظام دكتاتوري، حتى وان كان خطاب الطبقة الحاكمة خطاب ديمقراطي فانه سيكون خطاب مستهلك.

 

يقترح الفيلسوف سقراط طريقة لصناعة القادة الحكماء، ان تربيهم الدولة منذ الصغر على الفضيلة والعلم وان يجتازوا امتحانات كثيرة حتى يبلغوا سن الخامسة والثلاثين، فيخرجوا لمخالطة الناس في المجتمع وكل الطبقات ويرون كل الحيل والدهاء الذي عند بعض الناس، بحيث يصبح كتاب الحياة مفتوح امامهم. ويصرف هؤلاء نظرهم عن كل شئ اخر سوى شؤون الحكم، فيكون منهم مشرعين وقضاة وتنفيذيين. وخوفا من وقوعهم في تيار حب المال والسلطان، فان الدولة توفر لهم المسكن والملبس والحماية وممنوع ان يكون في بيوتهم ذهب ولا فضة.

واذا كنا في ضروف لم نحصل على مثل هؤلاء، فعلى الاقل نفحص ماضي هذا المرشح للحكم،

كم عنده من نزاهة، كم عنده من مبادئ، كيف امضى حياته قبل استلام الحكم.

 

اما انا فاقترح لكي نصنع قادة حكماء نزيهين لابد ان نتبع خطوات، اولى هذه الخطوات هو تحرير الثروة من سلطة الحاكم والى الشعب وليس بالضرورة ان يكون هذا الحاكم هو رئيس الحكومة او رئيس الجمهورية بل تخليص ثروة الشعب من كل الطبقات الحاكمة ومن ضمنها الطبقة البيروقراطية التي تعتبر هي ايضا متسلطة ومتحكمة في ثروات الشعب، ولكي نخلص هذه الثروة من سطوة هذه الطبقات وايصالها الى الشعب على الثروة ان تمر بمرحلتين فقط، لان تعدد المراحل يعطي للطبقة البيروقراطية الحرية في ايجاد منافذ للاستحواذ على المال العام.

الخطوة الثانية هي تقييد ممتلكات الحاكم قبل استلامه للحكم وبعد الانتهاء .

اماالخطوة الثالثة فهي تعريف الشعب بالأموال المخصصة له واقصد( العملة النقدية) ويكون ذلك من خلال القوانين المثبته في الدستور.

 

كيف يمكن ان نحد من الفساد المالي ؟؟

 

في كل دول من دول العالم يوجد فساد مالي لكن على درجات فمنها مايصل الى ذروته كما في دول (اسيا وافريقيا) ومنها مايصل الى اقل مايمكن كما في (الدول الاسكندنافية ).

ومايهمنا في هذا البحث هو العراق وكيفية معالجة الفساد المستشري، ان من اهم الاسباب التي تشجع على الفساد هو تعدد مراحل انتقال المال واقصد تعدد سلطة القرار واعطائهم الحرية المطلقة في توزيع الاموال بحسب ادراكهم يجعل المال سائبا دون ان يستثمر في المكان الصحيح او دون ان يصل الى مستحقيه.

 

ميزانية الدولة العراقية تمر الان بمراحل عديدة تبدأ من المنافع الاجتماعية لهيئات الرئاسة مرورابرواتب البرلمانيين ومجالس المحافظات وانتهاءا بجيوب المقاولين. هذه المراحل المتعددة تؤدي الى احتكارالاموال من قبل الطبقة الحاكمة والطبقة البيروقراطية وكذلك المقاولين من الدرجة الاولى والمقاولين الثانويين ويكون الاحتكار بطريقة قانونية لايمكن للجهات الرقابية ان تضع يدها عليه.

للتخلص من هذه السطوة لابد من تعطيل هذه المراحل، كما ان هذه النسب المؤوية المخصصة من ميزانية الدولة الى الاقاليم والمحافظات ماهي الا استنزاف لميزانية الشعب . من اشد الكوارث الاقتصادية ان يؤطر المال بنظم الديمقراطية التي تعطي الحرية المطلقة والمتعددة في سياقها العام، بل ان الديمقراطية الاقتصادية هو نظام اقتصادي مثبت في دستور الدولة يقوم على تحرير المال من السلطات المتعددة ليصل الى الجهة المستفيدة .

فعندما يكون هذا النظام الاقتصادي مثبت في دستور الدولة ويكون مركزيا وشاملا لكل فئات الشعب عندها نكون قد وصلنا الى نظام ديمقراطي اقتصادي طالما ان المال يصل الى الفرد العراقي دون ان يطرق ابواب متعددة من الطبقة الحاكمة بل يطرق باب واحد وهو (المصرف الحكومي او الاهلي) .

 

ماهي رؤوس الاموال التي تؤسس لهذا النظام الاقتصادي الديمقراطي ؟؟؟

 

يجب ان نعرف ان مفهوم النظام الاقتصادي الديمقراطي هو نظام اسلامي قبل ان يكون نظام ليبرالي او علماني ولم يكتشف هذا النظام حديثا من قبل الانظمة الغربية. بل ان هذا النظام كان ساريا منذ نشوء الدولة الاسلامية بقيادة الرسول محمد (ص). والاساس الذي اعتمده هذا النظام هو (التكافل الاجتماعي) فمن خلال هذا النظام تتكفل الدولة برعاية الفقراء من خلال بيت المال الذي يعتمد على ثروات البلاد وكذلك من خلال الضرائب التي تجبى من اصحاب الاموال او الاغنياء، وتكون نسبة الضرائب التي تستقطع من اصحاب الاموال او العمل هي 30% وهذه النسبة تتعامل بها أغلب النظم الاقتصادية في الدول الديمقراطية الحالية.

فلو فرضنا ان لدينا اربعة ملايين شخص يعملون لدى قطاع الدولة يتقاضون راتبا شهريا بمعدل (700) الف دينارتكون نسبة ال30%كضريبة تستقطع من هذا المبلغ هو (210 الف) هذا يعني ان الاربعة مليون عامل في قطاع الدولة يعطي لكل شخص عاطل عن العمل(210)الف دينار، يصبح المبلغ الكلي المستقطع من الاربعة مليون عامل في قطاع الدولة 480 الف مليون دينار تدخل في صندوق العاطلين عن العمل، حينها نكون قد وفرنا لاربعة مليون عاطل عن العمل مبلغ قدره(210) الف شهريا بالاضافة الى الضرائب التي تستقطع من المصادر الاخرى كالعاملين في القطاع الخاص وكذلك الدعم من خزينة الدولة، فكل هذه المصادر المختلفة في التمويل ستصب في تأسيس نظام يتكفل بمعالجة الفقر والبطالة في البلاد.

 

لازال النظام الاقتصادي الساري في العراق يعاني من سطوة الفكر الشمولي، طالما ان عملية التغيير او العملية الديمقراطية لم تترك اثرها خلال الاعوام التي مضت على شريحة الفقراء الذين توارثوا الفقر منذ عقود طويلة، من اهم مقومات الديمقراطية هو العيش الكريم ومعالجة البطالة، فان تنصلت الحكومة عن معالجة هذه الامراض يعني ان هذه الحكومة لازالت تطبق النظم الدكتاتورية دون ان تدرك ذلك.

فالنظام الاقتصادي الرأسمالي الذي تنتهجه الدولة العراقية والذي يعطي الحرية الكاملة للسوق بان يحدد الاسعار دون تدخل الدولة ويسمح بالملكية الفردية والادخار دون ضوابط، هذه الفلسفة الرأسمالية والتي اثبتت فشلها والتي جعلت فجوة كبيرة بين الفقراء والاغنياء لابد ان تتداركها الدولة وتتبنى نظام اقتصادي ينسجم مع واقع الشعب العراقي يعتمد على المساواة ومراعاة الشريحة الاكبر من المجتمع العراقي وهم الفقراء، فمقابل كل موظف او عامل لدى قطاع الدولة يجب ان يكون هناك عاطل عن العمل يتقاضى بقدر الراتب الشهري الذي يتقاضاه الموظف لدى الدولة أو أقل بقليل والفصل بين الاثنين بأن تعطى امتيازات خاصة للموظف في قطاع الدولة كأن تكون قروض مصرفية أوتسهيلات اخرى .

 

حسن مدنف

[email protected]

 اوسلو

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1296 الاحد 24/01/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم