أقلام حرة

دور الاخلاق في تجسيد السلوك السياسي

والسياسة طريقة واسلوب لادارة المجتمع وما فيه من منظومات معينة في اطار فن الممكنات والتي تستند على مجموعة من المرتكزات والعوامل المساعدة الهامة لدفع مسيرتها، وتحمل في طياتها كمفهوم واسع المعنى من الفكر والفلسفة والعقيدة والاهداف والشعارات والمناهج والخطط والبرامج الاستراتيجية والتكتيك في الاداء والعمل. فاننا يمكن ان نقول ان هناك علاقة جدلية عميقة ورصينة بين المفهومين اي الاخلاق والسياسة، وتختلف هذه العلاقة وما يتصل بها من كافة الاطراف من حيث ارتباطاتها وتاثيراتها المتبادلة من منطقة لاخرى او من مجتمع لاخر. وتعتمد هذه على ما يعنيه المفهومين من المعنى والتعريف والقيم والمباديء التي تتواجد مترسخة في موقع تطبيقهما واثناء الممارسة لاية عملية سياسية وما تحويه الاوضاع العامة السائدة المرتبطة بها في المجتمع المعني .

من يقارن بين الاختلافات الموجودة بين طبيعة المجتمعين الشرقي والغربي، وما تتواجد من القيم والمباديء العامة المختلفة بينهما، بينما سيتلمس الاختلافات في السلوك والاخلاقية المختلفة من الممنوعات الى المسموحات والاعتقادات والعقليات والتعاملات مع ما موجود في الحياة ومستوى التطور والفرق الشاسع بين الايمان يالمثاليات وما وراء الطبيعة بينهما ،و تظهر بائنة واضحة من بقعة لاخرى . بما ان المفاهيم وان كانت مستوردة او عند ممارسة مضامينها على ارض الواقع في مناطق غير موقع منشاها تفرز سلبيا اكثر، فلابد من تلائمها وتكيفها مع الارضية الموجودة ، وحتى ان كانت اصيلة ومن الموقع ذاته ومنبثقة من نفس الموطن فعند الممارسة والتطبيق لابد ان تؤثر وتتاثر بما موجود من الصفات والمميزات والسمات على ارض التنفيذ وو تحدث لاصلاح والتغيير ان نجحت في التطبيق .

اذن الاخلاق وما يحويه من الصفات والدلالات له التاثير الكلي المباشر على اية عملية سياسية وفي اية بقعة كانت ، وينشا جراء تلك الممارسات سلوك سياسي وتعامل ملائم ولكن يختلف في النوع والشكل والاطار واللون من منطقة لاخرى. ولذلك يجب الاخذ بنظر الاعتبار في اية عملية دبلوماسية صفات وسمات المجتمعات واخلاقياتهم وسلوكهم .

 اما في منطقتنا بالذات دون غيرها ، نلاحظ بشكل واضح ما تعكسه التربية والاخلاق وسلوك الفرد وعائلته ومجتمعه على اوضاع المكونات والتركيبات السياسية وفق المناهج التي تعتمد عليها في سياساتهم وعملهم في تحقيق اهدافهم، ومدى التزامهم بما يؤمن به المجتمع (التيارات والجهات المختلفة )سيكون معيارا في اكثر الاحيان لحجم وسعة قاعدتهم وشعبيتهم رغم اخذهم الدور الطليعي احيانا في تنفيذ برامجهم الخاصة التي يعملون من اجلها في اكثر الاحيان .

 بعد التاثيرات المتبادلة الحاصلة بين المفاهيم المختلفة اثر التطورات والمستجدات جراء ما تفرضه العولمة والنظام العالمي الجديد نرى ما نحن فيه من مرحلة متنقلة من حيث السلوك والتعامل والعلاقات السياسية بين المجموعات المختلفة وفق ما تؤمن ومقدار تكيفها وسبل تنفيذ خططها ومراعاتها للاراء المختلفة والتي فرضت نفسها ،و من الواجب قرائتها وعدم اسقاطها او محاولة الغائها وان كانت تتعارض مع السمات والصفات السائدة وما تراكمها التاريخ من الترسبات.

و بين حين واخر نتلمس التناقضات الواضحة في الاراء والمواقف تجاه ما تحدث من الجانب السياسي نتيجة المستجدات، وبعدد حين سيثبت ويفرض الاصح نفسه على الامور مهما تعارض مع الجاري والموجود والمعتمد والمعمول به منذ فترة طويلة.

لذا نلاحظ انتقالات نوعية، بعضها لا توافق مع الاخلاقيات الموجودة مما تفرز سلوكيات غريبة وغير مقبولة وان كانت مفيدة، سوى كانت متعارضة مع العادات والتقاليد الاجتماعية او عدم هضمها من قبل هذا المستوى الثقافي الموجود او النسبة المعينة من الوعي.

 هنا يمكن ان نقول ان الاخلاقيات وما تتضمن مفهوم مرن المحتوى والتطبيق وتختلف حسب المحيط ونسبي فيما تعنيه، ولذلك تختلف تاثيراتها ومقدارها على السلوك السياسي، وبها تنتج الاختلافات بين المجموعات وما يجري في المواقع والبيئات المختلفة.

فيما يخص السياسة في الشرق الاوسط بشكل عام، يُنظر اليها من منظور الالتزام بالمباديء والقيم الاخلاقية اكثر من توفرها لعوامل التقدم ومهما كانت هذه القيم لغير صالحه، وهذا عائق كبير امام تطور شعوب هذه المنطقة، فان كانت اية منظومة سياسية تؤدي ما تؤمن به التزاما بالاخلاقيات السائدة وتساير المستجدات بسلوكيات متوافقة مع ما تطرحه المجتمعات، فانها تكون موثوقة بها، بينما من جانب اخر ان كانت اخرى تؤمن بالتغيير وان كانت التطلبات تناقض او تعاكس السائد ولكن تقع ضمن اطر ما تفيد المصالح العامة والتقدم والتطور المنشود او كانت بعيدا شيئا ما من الالتزامات الفكرية العقيدية الاخلاقية السائدة، فانها لن تكون موضع تقة اكثرية المجتمع، وتكون موضع الخلاف الكبير ان كانت غريبة بعض الشيء، ولم تكن موجودة بشكل ما من قبل، الاان من يتفهمها هو من القلة القليلة ومن النخبة المؤمنة بالتطور والتنمية والتنوير والاصلاح والتغيير . وهكذا يكون للسلوك السياسي دور هام في عملية التطور، بينما يكون متاثرا بذاتها بالاخلاقيات العامة للمجتمع، ولابد للجهات من حل هذه المعادلات والخروج بنتيجة بحيث تساير السائد وتدفع بالعوامل المؤدية الى الاصلاح والتغيير للنجاح، وتكون قادرا على المحافظة على قاعدتها وشعبيتها بالشكل المطلوب

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1297 الاثنين 25/01/2010)

 

 

في المثقف اليوم