أقلام حرة

موقف المثقف من الاحداث ومدى تفاعله مع الواقع وما فيه

والواقع والتفاعلات وما تفرضها العلاقات الجدلية بين الماضي اي المرحلة السابقة والحاضر او الاصلاح والتغييرات المستمرة. لو اختزلنا ما نريد قوله على العراق والتغييرات السلبية التي احدثتها الشمولية ودكتاتورية النظام السابق في عقلية وعمل المثقف دون ارادة اكثريتهم، بحيث لم يكن بالامكان تمييز ما ينتجه المثقف لوحده بعيدا عما فرضه النظام وما اصر عليه وحقق نسبة كبيرة منه وهو خلط مهام السياسي والمثقف رغما عنهما، وما كانوا يحلمون به من  الحرية، والذين كانوا مقيدين لابعد الحدود، وما كانوا عليه من تحديد نطاق عملهم وما نتج منه، اي من فرض المواقف والاراء الايديولوجية الحزبية على المثقف وما سلخ منه الاستقلالية الفكرية وفرض عليه بكافة السبل النهج السياسي باسترضاء او من دونه او دون ارادته. هذا ما خلط عليه اوراقه مع الخطابات السياسية والشعارات والاهداف والمهامات الحزبية، وتطابقها كليا مع المناهج التي اعتمده الحزب الاوحد، وكان هذا حقا سلب للعقلية الثقافية ودمجها بالايديولوجيا وما تتطلبه السياسة والتحزب. وبرزت اجيال لم تفرٌق بين صفات وسمات ومهامات المثقف الخاصة وبين التحزب والصراعات السياسية، وما تريده الثورة في المراحل المختلفة واية ثورة كانت، والذي عمل من اجله البعث في العراق ابان الدكتاتورية البغيضة، ومع الاسف ان كان بقصد او من غفلة البعض لم يدركوا مدى وقوعهم في الفخ وما فرضه الصراع السياسي وفق ما كان الواقعة السياسي الثقافي في تلك المرحلة. فلم نسمع يوما مثقفا محايدا صاحب الراي والموقف المعلوم ومحايد وبرزه النظام او الوسائل المحتكرة من قبله منذ نجاحه في اعتلاء سدة الحكم، ولم يتمكن مثقف مستقل فكرا وانتمائا وعقيدة وعقلية وايمانا، من التقدم ولو خطوة واحدة دون الاتكاء على النظام، ولم يجرؤ مثقف من اي اختصاص كان ان ينتقد بملأ فمه، لا بل حتى بشكل غير مباشر وهو يعتقدو يطمئن بانه سينام ليلته قرير العين مستريح النفس، ولم يقض مضجعه القلق والارق والخوف من ردة فعل النظام، لذا ان المثقفين الذين نشئوا في تلك الفترة بالذات نرى العديد منهم يحنون اليوم الى الماضي القريب ويترحمون على تلك المرحلة، اما من فرً وهرب من الواقع المرير ولم يتحمل، فاستقرت به الحياة بعيدا مغتربا وقدره بعيد عن الارض التي حُرق عليها الاخضر واليابس، ولم يقدر من كان في الداخل ان ينبس ببنت شفة، ولم يعد من المهاجرين الا القليل وتعرضوا الى المضايقة وما صعب حياتهم شظف العيش والتهميش.

و بعد التغيير وسقوط النظام وفناء المؤسسات الثقافية كافة دون اعادة التنظيم والتاسيس،صعق المثقفون من هول الحادث معنويا، وهذا ما يدعنا ان نعتقد باننا نحتاج لسنين وجهود جبارة من اجل فرز المثقف الحقيقي الاصيل عن السياسي المحترف، وهذا لا يعني ان لا يمكن ان نعتبر السياسي مثقفا او بالعكس، بل النظام العصري التقدمي يتطلب ثقافة عالية من السياسي الى جانب عيون مراقبة ساهرة محايدة في تقييم وتقويم الحياة العامة الجديدة التي يتمناه ويضحي من اجله العديد من الخيرين ومن المثقفين والمناضلين الثوريين المبدئيين.

ربما، او يمكن ان نعتقد بعد تحليل متعدد الجوانب، ان المثقف وما يتميز به وما يملكها من الصفات تجعله متاثرا بما هو في تماس مباشر مع الشؤون العامة ويقتحم نفسه فيها مهما كانت النتائج، فيتاثر بالنظام والسلطة بالدرجة الاولى ومن ثم الاحزاب ومتطلباتها، وما تفرضه ظروفه الخاصة ومصالحه  من جهة اخرى، ويكون المثقف محصورا بين مطرقة ظروفه الخاصة ومدى تحمله للصعاب وما يعانيه وما يمتلكها من الانتهازية وبنسب مختلفة وربما تكون متاصلة فيه او يكتسبها من مسار عمله وبين سندان من يعتمدون على الايديولوجيا والعقائد والمهتمين بشؤون السياسة، ويستغلون حتى الثقافة في ذلك السبيل، ويخلطون على المثقف الفكر والفلسفة والثقافة مع السياسة والايديولوجيا والعقيدة، ويجب الا نبعد عن البعض ايمانه وتمسكه بالحياة والملذات ومافيها وما يكسبها  جراء ذلك من المصلحية والجبن المستدام، ويجب ان لا نبعد المثقفين الثوريين والمنخرطين في النضال المسلح وما تفرضه صعوبات الاستناد على مقارعة النظام الدكتاتوري بالوسائل المختلفة، من الصفات الايجابية والجراة والشجاعة.

اما ما نلمسه اليوم في العراق بعد التغيير، وهو ما يؤسف له، نفور المثقف الاصيل الذي له بصمته ووقعه الجميل في الحياة العامة من النظام والاحزاب والتيارات السياسية، ولم نرى الا القليلين منهم وهم يخوضون في غمار العمل الشاق الاكثر ضرورة ومطلوبا  من اجل تصحيح المسار في كافة المجالات ومنها الثقافة والسياسة والاقتصاد وغيرها، ولاسباب موضوعية وذاتية وفي مقدمتها فقدان الثقة بالاحزاب على الساحة وببرامجها ومناهجها واهدافها ومصداقيتها وادعائاتها، او وقوفهم هم عن بعد من العملية وتعاملهم مع المستجدات بحذر ومن موقع المتفرج وغير مهتمين بما تتطلبه المرحلة منهم ومن خبراتهم، وهذا نابع لما يمكن ان يتصف به المثقف من الخصائص السلبية الانتهازية والمصلحية التي تمنعه من اقتحام ذاته في العمل والمشاركة في البناء بالشكل الصحيح ووضع الاسس المطلوبة لما يصب في تقدم البلد ولسعادة وخير الشعب ورفاهه.

 ومن اهم الاسباب والظروف الموضوعية التي تعتبر عائقا كبيرا امام دفع المثقف واثارته وتفاعله مع المستجدات،هو خلط الاوضاع السياسية وسيطرة الاحزاب والتيارات والجهات التي تضع جل ثقلها وامكانياتها في الصراع السياسي ومحاولاتها للسيطرة على الوضع وانفرادها ونجاحها في استعلاء سدة الحكم مهملة العلم والمعرفة والثقافةو تاركة اياها  للقدر، وربما المرحلة وما فيها ومتطلباتها تفرض ما تداب عليه هذه الجهات في السير على الاتجاه السياسي فقط دون المام يذكر بالثقافة العامة، هذا ناهيك عن النقص في الخدمات العامة للمواطن التي هي من الاولويات الاكثر ضرورية وتفرض نفسها اكثر مما تتطلبه الثقافة العامة وما يمكن ان تفرض نفسها على الجهات السياسية.

 ويجب ان لا ننسى ما تحتويه كافة الاتجاهات السياسية من النخب المثقفة المؤمنة بالحياة الحرة وبالعصر والتقدم والتطور المنشود، والتي لها الدور البارز وان كان مخفيا في هذا الجانب، واننا نعتقد عند الانتقال الى المرحلة المقبلة وعند ترسيخ وتجسيد السلم والامان والاستقرار سيفرض الواقع نفسه وما يحتاج اليه من الثقافة العامة والمثقفين والابداعات في كافة الميادين، وسيتضاعق دور المثقف ويكون اكثر ضرورة من السياسي للشعب في حينه .

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1300 الخميس 28/01/2010)

 

 

في المثقف اليوم