أقلام حرة

الديمقراطية الاحتكارية .. سبب ونتيجة

يقوده أبطال عراقيون ليكتبوا بدمائهم للتاريخ حقيقة هي أن شعب العراق لن يموت انه شعبا لن ينام على ذل شعبا لن ينكسر مهما طال ليل الظلم ... بعد سقوط الصنم وانهيار جميع مؤسسات الأمن وضعف تشكيلها على يد المحتل مرة ثانية واختراقها من قبل مجرمي النظام السابق وتسيد الفاسدين في الكثير من مناصب الدولة لإفشال النهوض السريع للعراق وذلك لكي لا يتم محاسبة الماضي السيئ... وهذا فعلا ما حدث فبدلا من محاسبة الماضي نمى الإرهاب المدعوم من قبل دول الغباء العربية الحاقدة على الشعب العراقي وتم استهداف الشعب في وضح النهار وتم اجهاض فكرة المحاسبة لأسوء مرحلة تاريخية مر بها العراق مرحلة الدكتاتورية الصدامية البعثية الدموية وفعلا لم يحاسب ألا أعداد قليلة جدا من رجالات الظلم والاجرام لهذه المرحلة.. لا بل بالعكس تم تمهيد ظهورهم مرة ثانية للتسلق للسلطة بوجوه جديدة.. مستغلين الأرضية الإرهابية التي مهدت لما يسمى بالمصالحة القذرة . فهل هناك اختلافا بين عراقي وأخر ليقال مصالحة... وهل من العدل أن تكون هناك مصالحة بين الضحية والجلاد... أن أول طلقة أطلقت على عدالة العهد الجديد هي المصالحة القهرية القسرية التي تبنتها الحكومة ولم تحترم مشاعر الانسان العراقي.. كما انزلقت الحكومة في منزلق الفساد وبيع الذمم وانزلقت في مستنقع المساومة على حقوق المظلومين وما أكثر الذين ظلمهم النظام الدكتاتوري السابق... انحرفت الديمقراطية بوجه دكتاتوري برغماتي  لا يحترم النظام والقانون . وظهرت مافيات الحكم الجديدة  التي تسيدت كراسي السلطة وفتحت الباب لأعوانها ومنافقيها للتسلق وسرقة وتدمير مؤسسات البلد أمام عجز شعبي كبير عن أجراء تغيير حقيقي  في سلوك الحكومة وجعلها منضبطة وتحترم القانون...

فشل الانتخابات السابقة جعلت الإنسان العراقي ينظر بسلبية شديدة  للتغيير الصالح في الانتخابات القادمة ويشعر بالإحباط الشديد بان الصور ستكرر نفسها مرة اخرى بأسلوب جديد...ففي سوق السلع السياسية واعلامها المنافق لا يوجد ما يكفي من السلع السياسية لتضمن التنافس النزيه والشريف والصحيح والسليم .. كل ما معروض في أسواق المراهنة السياسية اليوم  لا يمثل الا القوائم التي ترسخت في الذهنية العراقية على انها هي من تمثل الانتماء العرقي أو الديني أو الطائفي..  ففي ظل غياب شديد لعارضي السلع السياسية فان الناخب سوف لا يبادر بايجابية لانتخاب شيء اسمه الصلاح وان ذهب سيركز على انتمائه  الضيق بعيدا عن مصلحة العامة . كما أن ضيق السوق السياسية العراقية وانحسارها على قوائم وأحزاب محددة احتكرت القوائم ولم ولن تسمح بظهور أي  بديل جديد منافس لهم في الانتخابات فان هذه النخب هي أيضا بدورها سوف لا تهتم للناخبين لان المنافسة ستكون ضيقة جدا مع أعادة ترتيب للقوائم بتسلسلات جديدة وتطعيمها بأسماء محدودة  . لذا فان التنافس الحقيقي سيكون مفقودا فان المحافظة رقم واحد سوف تعطي اغلب أصواتها للقائمة سين في حين المحافظة رقم اثنين سوف تعطي اغلب أصواتها للقائمة صاد وبذلك فان كل قائمة لا ترشح ألا لتفوز في محافظات محددة وليس فوز برنامجها أو فوزها في اغلب محافظات البلد.. وهذا هو سبب تراجع الديمقراطية وظهور الفساد والهشاشة المؤسساتية للحكومة في المرحلة الماضية ونتمنى ان لا يتكرر في المرحلة القادمة.. أن المشكلة السياسية محصورة بأعضاء النخب السياسية والأحزاب والحركات ورجالات الفساد الإدارات العامة والقوى الاقتصادية التي تتحكم بالسوق المحلية... اما  المواطنين وباقي فئات المجتمع وحتى الأكاديميون وذوي الخبرة فأنهم مقيدون وليس لهم دور في رسم معالم الخلاص العراقي واعتراضاتهم وارائهم  تعتبر تدخلا غير مرغوبا فيه من قبل مراكز صنع القرار الحكومي  .

أن كتلة الناخبين في الانتخابات العراقية ما بعد سقوط الصنم كانت عاطفية وسلبية وخائبة... وأصيب العراقي فعلا بإحباط من هول ما جرى ويجري من سوء وفساد.. أن أهم أسباب الفساد الحكومية واستمراره وتدكتر الكتل السياسية الرئيسية ونمو الفساد هو فقدان مؤسسات المجتمع المدني الحقيقية التي تعمل كوسيط بين السلطة والشعب... العراق يعاني من فقدان شديد للمؤسسات الوسيطة الحقيقية الصالحة (روابط ونقابات واتحادات وهيئات ومنظمات مجتمعية) .. أن عمل هذه المؤسسات يدخل بشكل مباشر مع حياة الإنسان ومرافق الحياة الاجتماعية والاقتصادية والإدارية في البلد... وتكون هذه المنظمات رقيب مناسب ليقوم بتصحيح مسارات العمل وتقوم بمحاربة الفساد وتحجيمه... أن عدم وجود هذه المؤسسات  بشكل فاعل ومنظم ويطمئن له المواطن جعل من الديمقراطية العراقية ما هي ألا ديمقراطية  احتكارية خرقاء عرجاء سببت الخيبة للمجتمع وتعمل  لمصلحة فئات ونخب متسلطة  قهريا  وتعمل وفق مبدأ المساومة ولا تحترم حقوق الإنسان وإنما هي تتقمص  صورة الدكتاتور الواحد بهيئة أقزام أو حزمة من الأقزام  هذه  هي الحزم الدكتاتورية  المتوفرة في سوق السياسة الان ...

كان يجب أن توضع شروط انتخابية من اجل تحجيم دور النخب المتدكترة بان يكون نصف المرشحون في كل قائمة انتخابية من نخب جديدة لم تشارك بالسلطة التنفيذية( بدرجة مدير عام فما فوق) ولم تشارك بالسلطة التشريعية في السنوات السابقة.. لكن للأسف ذلك لم يحصل لا بل الاسوء هو السماح لمزدوجي الجنسية بالترشيح  والسماح لمن عوائلهم تعيش خارج العراق بالترشيح ... نتمنى أن تعلن  المعلومات عن كل مرشح بشكل شفاف قبل الانتخابات من قبل مفوضية الانتخابات ليكون المواطن على بينة من المرشحين وتاريخهم وواقع حاضرهم وعوائلهم.... قد تكون هذه تحليلات محبطة لكن يجب التمعن فيها ويجب تلمس طرق الخلاص بنظرة تفاؤل والتفاؤل مرهون بثقافة المجتمع لذا يجب تثقيف الناس على رؤية الامور نظرة حيوية وثاقبة .. أخيرا نقول السلبية بعدم الذهاب للانتخابات القادمة هي قتل بارد للوطنية العراقية نتمنى أن يشارك الجميع بالانتخابات القادمة لانتخاب الصلاح فان القوائم مفتوحة... ودورنا كناخبين أن نبحث عن الصالحين الوطنين في قوائمنا الوطنية اغلب القوائم لا تخلوا من أناس صالحين يؤمنون بالعراق الواحد الحر الديمقراطي.  لنبحث عن هؤلاء ونصوت بنعم للعراق ... من اجل مستقبلنا ومستقبل عوائلنا وأطفالنا  لنصوت للعراق رغم كل شي نقول  السلبية هي موت بطيء والايجابية هي أمل ... أذن لنذهب ونصوت للعراق...

 

د.علي عبد داود لزكي

 [email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1301 الجمعة 29/01/2010)

 

 

في المثقف اليوم