أقلام حرة

الوضع النفسي العام للفرد العراقي وتداعياته في المرحلة الراهنة

الفرد من الردود الفعل وما يحمله من السلوك ومن معطيات وابعاد الحالات المختلفة التي يتمتع بها الفرد خلال المراحل المختلفة من تاريخه وتاريخ العراق وبالاخص في الوقت الراهن، وما نشاهده من الاصلاحات والتغييرات العديدة وعلاقاتها بنفسية الفرد، وما تدفعه هذه الحالة  او تعيقه من التقدم والنجاح . هناك علاقات جدلية واضحة المعالم بين الحالة النفسية للفرد مع تفكيره وتصرفاته وتعامله مع الاحداث ونظرته الى الظروف والمواضيع العامة والنظام السياسي القائم وما يؤمن به وما يعتقد او يحمله من البديل المناسب لديه لكل حالة او ظرف او مفهوم يخصه او ما يرتبط بالمجتمع.

هناك معادلة معقدة تحتوي على الارتباطات الوثيقة بين المفاهيم المتاثرة ببعضها وتخرج منها المحصلة النهائية للسلوك الفردي، وبحاصل جمعه نخرج بنوع وجوهر الاخلاق كصفة ذاتية ومن ثم الصفات العامة للمجتمع بشكل عام.

لو دخلنا من باب علم النفس الذي يهتم بالفرد وصفاته وسماته وهو ما يصب في الطريق التي تسلكه الليبرالية، فاننا نجد مجموعة من المحطات والتي تعتبر من الركائز الهامة المرتبطة ببعضها للوصول الى النتيجة، ومنها العلاقة الوطيدة بين الحالة النفسية للفرد ووضعه الاجتماعي وظروفه الاقتصادية مجتمعة مع مستوى ثقافته ووعيه لما يجري وعقليته واسلوبه وكيفية تعامله مع الاحداث وتفكيره بما موجود حوله متاثرا بالتربية العامة والصفات التي اكتسبها منذ ولادته لحين البلوغ وبكافة الطرق والاشكال من البيت والشارع والمدرسة والمجتمع بشكل عام، وما تراكمت وتتراكم عليه من الافرازات السياسية العامة التي تخرج من نظرة النظام والدولة وتاريخ المنطقة الحاوي على ما يميزها عن الاخرى . اما الباب الثاني هو علم السوسيولوجيا الذي يهتم بالمجتمع كمجموعة من الافراد مجتمعة والذي يهم اليسارية  والنظام الاشتراكي بشكل خاص وهذا لا يعني اهمال ما يخص الفرد، اضافة الى ما اثرت من العوامل التي ذكرت سابقاعلى الفرد، وكذلك مؤثرات اخرى كتاريخ الشعب المعني وما فيه، وتركيبة المجتمع والمميزات والسمات المختلفة التي يتمتع بها مع ما هو السائد من المفاهيم اضافة الى العادات والتقاليد الاجتماعية ونوعية وشكل وخصائص النظام السياسي العام.

و ان كانت العلاقة بين علم النفس والسياسة كعملية حيوية منتجة ومبنية على السلوك الانساني وذاتيته، فان هذه العلاقة والعملية تعتمد كليا على العقل والوعي او الاحساس والعاطفة مجتمعة ومنتجة للاخلاق العام للمجتمع باطاره الكبير ومساحته الواسعة، وان كان علم النفس يختص ويهتم بجوهر ولب الفرد وصفاته وما يتميز به ويعمل على تحديد الجانب السلبي والايجابي في شخصيته وكيانه، فان السياسة المعتمدة على الركائز العلمية بالاضافة الى ادائها لوظيفة علم النفس فمن واجبها فهم ما سبق بشكل كامل وايجاد الحلول والعلاج المناسب لاي خلل او نقص فيه، ومن الممكن ان يضر بالمجتمع ومصيره ومستقبله اكثر من افرازات الحالات النفسية غير الصحيحة والطبيعية.

عند قراءة الظروف النفسية للفرد العراقي استنادا على ما سبق من التحليل النفسي المتواضع، فاننا نتلمس ما فيه من العجائب والغرائب التي يشيب لها راس الباحث لو دخل التفاصيل وما يراه من الفوضى النفسي للفرد والمجتمع، والتي تسببته العقود المشؤومة لحكم الدكتاتورية البغيضة والنقص العام من الاحتياجات النفسية والجسمية والاقتصادية والثقافية العامة والتي اودى بحياة هذا الشعب المسكين وانزله الى الحضيض .

 وهنا يجب الا نستعجب من بعض السلوك الشاذ التي تصدر هنا وهناك بين حين واخر والتي يستغرب من يدقق في تفاصيلها، الا انه يثبت على تلك الحالات المثل القائل لو عُرف السبب بُطل العجب، ويمكن ان نتعامل معها بشكل صحي من اجل ايجاد الحلول المناسبة والتقليل من افرازاتها السلبية. اي التغييرات السلبية طبيعية في مثل هكذا ظروف واوضاع، وهذا ما يحتاج لبحوث ودراسات وتشخيص وعلاجات للعودة بها الى الحالة الطبيعية، والسبب كامن في ما شاهده الشعب العراقي من الحروب والكبت والحرمان والنقص الحاد في كافة الاحتياجات الانسانية الضرورية في العقود الماضية.

و ان كانت الحال كما نرى، وما حدث من التغيير المفاجيء بعد السقوط من كافة الجوانب، وعدم التدرج في الانتقالات والاصلاحات والغييرات، فانه من الطبيعي ان يحدث ما لم يكن في الحسبان من الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي من الستجدات والمتغيرات العامة. وهذا ما يدعنا ان نتمعن بدقة ونفكر بعمق وتأني لما نحن فيه، ونحدد المؤثرات الصادرة منه ومدى تاثيراته على العملية السياسية وما فيها من المباديء العصرية الحديثة وفي مقدمتها الديموقراطية النسبية المنتظرة تطبيقها والحرية ونشر الوعي العام،  وبيان موضع الخلل والعوائق التي وجدت امام ترسيخ الارضية المناسبة لتطبيق هذه المفاهيم الحديثة لانبثاق، وبداية مرحلة التنوير في العراق والمنطقة ومحاولة نشر الثقافات الملائمة وفي مقدمتها السلام والامان وعدم الغاء الاخر واحترام الاراء المختلفة والاختلافات، من اجل تقديم نموذج للمنطقة والعالم الثالث، وهذا ما يحتاج الى العمل الجاد الدؤوب في البحث للاوضاع النفسية العامة وكيفية تصحيح المسار العام لها، ومن اجل علاج ما شابتها من الامراض والخلل والنقص وتحويلها الى عامل ايجابي داعم لنجاح العملية السياسية في العراق الجديد، وهذا ممكن التطبيق على الارض وبمراحل  متتالية مهما تخللته الصعوبة في الطريق، ولسنا بخياليين، بل الاصلاح والتغيير ممكن، ولكن يحتاج الى وقت وارادة واصرار ان بحثنا في جميع جوانبه وان استحضرنا مستلزماته كاملة وبدقة دون نقص يُذكر.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1306 الاربعاء 03/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم