أقلام حرة

جورج واشنطـن والحجـــاج

أن جلس وأبدى أسفه على قطع حديثنا طلب منا المشاركة اذا لم يكن هناك مانعاً، وقلت لا بأس  نحن نتحدث في أمور عامة وتستطيع أنت أيضاً أن تشاركنا الحديث وتبادلنا الرأي، ومع استمرار الحديث عن جورج واشنطن وكيف انه استطاع بعقله الكبير وقابليته على القيادة والاقناع وخبرته في التحاور وتحمله وصبره أن يجعل كل التيارات في الولايات  توحد كلمتها  لتوحد الولايات المتفرقة  تحت حكومة واحدة ورئيس واحد  وعلم واحد  بنظام فيدرالي قل نظيره في العالم اذا ما أخذنا بنظر الاعتبار حجم كل ولاية من ناحية المساحة والسكان.

 وهنا تدخل صاحبنا العربي وقال:

 نحن لماذا نترك رجالنا العظماء ولا نتأثر بهم وبالمقابل نتأثر بالآخرين من الشعوب الاخرى؟؟

قلت : ومن قال لك بأننا لم نتأثر بعظمائنا بل ان تأثرنا بعظمائنا  جعلنا أن نبحث عن الآخرين في التاريخ الانساني من العظماء فالتأثر والتأثير من طبيعة الانسان فكما تأثر الفلاسفة المسلمون بسقراط وافلاطون وأرسطو كذلك تأثر الفلاسفة الغربيون بابن رشد والفارابي والطوسي والآخرون  .

قال صاحبنا : ولكن أعتقد ان الاجدر بنا أن نتحدث عن تاريخنا ورجالنا .  بصراحة وجدت الرجل ساذجاً ويريد أن يتحدث عن شخصية ما في باله  بصورة توحي بعلمه وثقافته وكثرة اطلاعه .

 

 فقلت له : تفضل ياسيدي، المجال مفتوح لك للتحدث عن أي شخصية تريد وبعد ان استعدل في جلسته قال :

بما ان الحديث يجري عن جورج واشنطن الذي وحد الأمة الأمريكية فاسمحوا لي أن أتحدث عن واحداً من الرجال العظماء الذين كانوا رمزاً للوحدة العربية الاسلامية الا وهو الحجاج بن يوسف الثقفي .

بتعجب قلت : من ؟؟!!

قال : الحجاج بن يوسف الثقفي !

سكتُ على مضض وقلت في نفسي هل من المعقول ان صاحبنا يتصور بان الحجاج عظيماً هكذا وقلت لأسايره، لأرى رأيه وبعد أن يكمل حديثه سوف أناقشه في الموضوع وأخذ صاحبنا يعدد مناقب وايجابيات هذا الذي اسمه الحجاج  وفتوحاته وفضله على العرب والمسلمين والدول الاسلامية وكيف وصلت فتوحاته الى الهند والسند وما وراء البحار حتى جبال القفقاس !! الى أن انتهى من حديثه الذي كان أشبه بخطاب سياسي أمام الجماهير، بعد ذلك طلبت مناقشته حول شخصيته العظيمة الحجاج بشكل هادئ وحيادية .

قلت له : ياسيدي الرجل الذي تحدثت عنه هذا الموحد للأمة أي أمة تقصد قام بتوحيدها  الأمة العربية أم الامة الاسلامية ؟ تردد لحظات، ثم اختار بطريقة القرعة واحدة  وكانت اجابته الوحدة العربية.

قلت له : ياسيدي، الامة العربية التي تقصدها لم تكن معروفة في تلك الفترة ولم تكن هناك فكرة الوحدة العربية حيث الدين الاسلامي نادى بوحدة الأمة الاسلامية عرف الرجل انه وقع في اشكالية وصحح.

وقال : كنت أقصد بالوحدة العربية توحيد الأمة الاسلامية.

قلت : وهل كانت الأمة الاسلامية متفرقة حتى يوحدها هذا البطل الهمام الذي اسمه الحجاج ؟؟

قال: نعم

قلت : كيف ؟؟

قال : هناك من انشق على الدولة الاسلامية المركزية حيث كانت الدولة الأموية تحكم وعاصمتها في دمشق والذي انشق عليه وكون إمارة هو عبد الله بن الزبير حيث نصب نفسه أميراً على مكة.

قلت : ألم يكن هذا الرجل وحتى الآن يعتبر من القديسين الثلاثة لديكم ؟؟

انذهل الرجل من هذا السؤال...

وقال بارتباك : نعم، نعم، انه أحد القديسين الثلاثة لدينا.

قلت : وهل تؤمن بقدسيته ؟؟

قال : وكيف لاأؤمن به، إنه بالاضافة الى نسكه وزهده وعبادته فان أباه أحد أقرب المقربين الى الرسول محمد (ص) وأمه بنت الخليفة الأول.

قلت : معلوماتك عن هذا الرجل جيدة ولكن هذا الجزار البشري الذي جعلته بطلاً من أبطالك التاريخيين وموحداً للأمة الاسلامية هو الذي أحرق الكعبة بيت الله الحرام في مكة وهو الذي ضربها بالمنجنيق وهو الذي امسك بقديسك هذا وذبحه ورماه من فوق أسوار مكة وصلبه لمدة أكثر من ستة أشهر حتى جاءت أمه العجوز وكانت قد عميت  ووقفت وهي تمسك بالنخلة التي صلب عليها وقالت قولتها المشهورة في التاريخ  (أما آن لهذا الفارس أن يترجل) وهي تقصد ألا يكفي صلبه لهذه الفترة الطويلة !! فلست أدري أنت الآن مع من؟ هل مع بطلك الأسطوري، أم مع قديسك؟ هل انت مع قيمك ومبادئك الاسلامية أم مع بطلك الذي يقتل ويبطش بالناس بهذه الصورة الفضيعة؟ والذي لم يكن في قلبه أو عقله معنى  للدين أو الشرف أو القومية.

 

سكت الرجل وحاول أن يخفي ارتباكه باشعال سيكارة  ثم نظر اليّ.

قلت : لم تكن هذه أولى جرائمه التاريخية ولم تكن آخرها  تصور ان بطلك هذا كان قد وضع في أحد السجون الكبيرة أكثر من 50000 نعم أكثر من 50000 رجل وامرأة وجدوهم حفاة وعراة ، بين هياكل الموتى بطلك هذا ياسيدي في أحد الأيام  فقد أعصابه وكان يخطب على منبر الجامع وأمر جلاديه باغلاق جميع الأبواب وذبح كل الموجودين في الجامع  حتى سالت دماء الناس من عتبة الأبواب الى الخارج، بطلك هذا ياسيدي هو الذي قال عن نفسه بأنه ابن ساقطة وعاهرة معروفة واسمها (منى) . ويبدو إن كل الجلادين والقتلة والسفاحين من أولاد العاهرات والساقطات، بطلك هذا هو الذي قال عن نفسه : بانه أكثر خبثاً ومكراً من الشيطان، بل ان الشيطان عندما يلاقيه ينحرف بعيداً عنه لخوفه ورعبه منه، تصور مدى بشاعة هذا الرجل وساديته وحبه للقتل، قلت وتدعيه كان فاتحاً، فتح الكثير من البلدان  أي فتح هذا الذي يفتحه مثل هذا الشيطان ؟! اذا كان تعامله مع بني قوميته ودينه اذا كان لديه دين، بهذه البشاعة، فكيف سيتعامل مع اصحاب الديانات والقوميات الأخرى ؟

 

ارتعد صاحبي وارتجف وسألني من أين لك هذه المعلومات، إن هذه المعلومات زائفة وغير حقيقية.

قلت له : لا ياسيدي، ارجع الى تاريخك الذي أنت كتبته بيدك  وارجع الى رجال علمك الذين علموك أن تنظر بعين ناقصة فسوف تجد الحقائق أمامك ولكن أرجو أن تكون شجاعاً مع نفسك قبل الآخرين وتعترف، ذهب الرجل وكنت بين فترة وأخرى أسأله  فكان يجيب ماأزال أبحث الى أن ذهب ونقل.

 

في مجتمعاتنا ننسى الابطال الحقيقيون والرجال العظماء نتيجة للثقافة أحادية الجانب التي نحاول أن نزرعها في عقول أجيالنا نزوّر التاريخ تملقاً ورياءً للحكام والملوك  كتابة التاريخ عندنا هو تمجيد للحاكم والسلطة وايجاد التبريرات لجرائمه وخلق الاسباب لهفواته وأغلاطه المجنونة وتحويل أهدافه وغاياته المجنونة الى شعارات مثل توحيد الأمة العربية أو توحيد الأمة الاسلامية أو لحماية المكتسبات الثورية أو المحافظة على وحدة الوطن أو لضرب الأعداء المتربصين شعارات كاذبة وزائفة هدفها الضحك على عقول الناس وبالمقابل خلق التهم الباطلة وإلصاقها بالضحايا مثل الخيانة والمؤامرة  ومحاولة التفرقة والعمل لصالح الأجنبي ومحاولة نشر الأفكار المضللة، الخ. من التهم الجاهزة وهكذا نتوارث مثل هذا التاريخ ندرسه في المدارس ونسمعه من الآباء والمشايخ حتى ينطبع في عقولنا. هذا التاريخ المزيف عن العظماء الحقيقيين والمزيفين بصورة مغايرة والأكثر من هذا أن يتحول بعض المجرمين في كتب التاريخ الى أشخاص مقدسين محاطين بهالة من نور لايمكن التجاوز عليهم وكأنهم رجال معصومين من الخطأ كالأنبياء والرسل ولا يمكن أن يتجرأ أي شخص أو يتناول هؤلاء بالنقص أو يظهر أغلاطهم أو سلبياتهم.

 

وعلى سبيل المثال : عندما نتحدث عن ايجابيات صلاح الدين الأيوبي الذي حرر القدس من الصليبيين لايحق لنا أن نذكر سلبياته وليس لنا الحق أن نذكر كم قتل من الأبرياء لأسباب مذهبية وكم قتل من أهل بيته حتى يصل الى كرسي الحكم  وفي تركيا هذه الدولة الشرق أوسطية التي فيها نوع من الحرية ولكن بالرغم من ذلك لايحق لأي فرد أن ينتقد مصطفى كمال أتاتورك ولا أن يظهر سلبياته وفي مصر والدول العربية مايزال الكثيرون لا يقبلون التحدث عن جمال عبد الناصر بسوء لأنه رائد القومية العربية هذه الريادة كانت بداية النهاية للأمة العربية لغاية القائد القومي صدام حسين.

 

ويبدوان الدين الإسلامي لم يستطع أن يغير نفسية العربي وحنينه الأبدي الى الصنمية والوثنية في العصر ما قبل الاسلام  ولو كان الأمر عكس ذلك لما وجدنا الآن في عالمنا العربي والاسلامي عشرات الاصنام الكبار ومئات بل الآلاف من الاصنام الصغار  واذا كان الاسلام قد غير نفسية الفرد لما كان الحكم في مركز الاسلام ملكياً وراثياً عائلياً الى قيام الساعة، عكس منطق الاسلام ومفهومه الحضاري في السياسة والحكم  ولتبرير ذلك قد خلق هذا النظام ومع استلامه السلطة مذهباً خاص بنظام الحكم  بعد أن هيأه قبل فترة، يجيز له ما لا يجيز لغيره وينشر له الفتاوي ويفسر القرآن على هواه ويضع أحاديث منسوبة للرسول محمد(ص) على مزاجه ويجيز للعائلة المالكة التفرد بالحكم  بهذه الصورة البشعة وهذا النظام كما هو معروف لا يحمل في قاموسه كلمات مثل الحرية والديمقراطية والمعارضة والرأي الآخر طبعاً كل ذلك بإسم الحفاظ على الدين الاسلامي ومن تحت عباءة شيوخ هذا المذهب التكفيري الوهابي وبمباركة شيوخ الحكم والسلطة التي انتجت أسامة بن لادن والظواهري والزرقاوي  تخرج فتاوي القتل والاجرام والابادة  وتدمير كل شيء حضاري  وفي أي مكان من العالم.

 

لست أدري وهذه الكلمتان أصبحت أكررها عدة مرات أقول مرة أخرى لست أدري كيف ان مخططي السياسة في الولايات المتحدة الأمريكية غير منتبهين الى هذا الأمر  ألم يأخذوا درساً من أسامة بن لادن وبالمناسبة فهناك الكثير من الناس يقولون بأن أسامة بن لادن من صنيعة أمريكا  وبأن الولايات المتحدة هي التي ولدت ورعت ودعمت هذا الرجل حتى تحول الى بعبع يخيف العالم الآمن بل والأكثر من ذلك فهناك الكثير ممن يتوقعون بأن السيد بن لادن لديه ما يريد من جزر صغيرة وعمارات وشقق حتى داخل الولايات المتحدة الأمريكية وإلا فمن غير المعقول لاتستطيع أمريكا بكل مخابراتها واستخباراتها وأجهزتها التنصتية من ايجاده والقضاء عليه حقيقة القول  إنه أمر محير !! واعتقاد الناس بهذه الصورة بدون شك له مبرراته.

 

قلت، وأكرر القول بأن غايتي ليست التشكيك ولكن البحث عن الصورة الحقيقية ونقل الصورة كما أشاهدها والصراحة بالرغم من تقبلها من البعض فانها أحسن وسيلة  للنصيحة وعندما أذكر هنا اعتقاد الناس أو تصوراتهم حتى يسأل الآخرون أنفسهم وبالذات أصحاب القرار لماذا ؟؟ لابد وهناك أسباب  ودوافع لغرض تصحيح الخطط السياسية للمحافظة على سمعة شعب وأمة ودولة.

 

لنعد الى الموضوع إذ قد يتصور القارئ بأننا خرجنا منه وقد يتصور القارئ العربي بصورة خاصة بأنني تجاوزت على شخصياته العظيمة في التاريخ أبداً فالشخصيات العظيمة في التاريخ العربي والاسلامي أسماء لامعة في تاريخ الانسانية في الكتابة والطب والفلسفة والقيادة العسكرية والعلوم المختلفة الذين  أناروا للانسانية طريقها الى التقدم والتطور وكانوا كالشموع التي تضحي وتحرق نفسها لتضيء الدرب، درب الحرية والتقدم والعلم لكل الانسانية والتاريخ الانساني ما يزال يذكر ان هذه الشخصيات في صفحات المجد والخلود الذي لايمكن أن ينالها التزوير والتحريف ومن هذه الأسماء أذكر بضعة منها مثل علي وعمر وأباذر وخديجة وفاطمة وأسماء وعمر بن عبد العزيز والصادق والخوارزمي وابن خلدون وابن بطوطة وابن المقفع وابن العميد والرازي وابن سينا وآخرون كثيرون ممن عرفتهم الثقافة الأوربية والغربية أكثر منا وهنا المصيبة حيث تدرس كتبهم وآرائهم الفلسفية أو العلمية  أو الاجتماعية  وهم لدينا في طي النسيان في نفس الوقت الذي نعظم فيه جزاري التاريخ ومجرمي العصور ونلهث خلف أقاويلهم الكاذبة حتى وهم في القبور التي ترفضهم وترفض أعمالهم  وسيرتهم.

 

إنها عقدة بل مشكلة بل معاناة، نعاني منها نحن الشعوب المقهورة تحت سلطة الحاكم الظالم والارهاب الذي يهددنا في كل لحظة بأشكال مختلفة.

 

نحن شعوب مظلومة، مقهورة لارأي لها سوى في الاستفتاء الاجباري وليس لها دور إلا في الخروج الاجباري لمظاهرات وهتافات تمجد السفاح والقاتل نحن شعوب ليس لها دور إلا في اندفاعها العاطفي نحو محرقة الحروب والقتال تحت يافطة الدفاع عن الوطن والقومية والدين وبعد الاندحار وبعد الخسائر في الأرواح والممتلكات وتدمير المدن والقرى سوف نلوم على لسان حكامنا القوى الاستعمارية والصهيونية قبل أن نلوم أنفسنا على أخطائنا الفاحشة وسياستنا الخاطئة ومبادئنا العظيمة حتى  نبدأ من جديد  وبنفس الطريقة لإلهاء شعوبنا المغرر بها.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1310 الاحد 07/02/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم