أقلام حرة

جناية المطلك والعاني على البعثيين

على الوظيفة وخاصة في التعليم حيث أغلق على المنتمين لحزب البعث،  أو من أجل مواصلة الدراسة الجامعية، أو الدخول في الجيش والشرطة، أو الخوف من الملاحقة والبطش، اضافة الى الانتهازية والمصلحية عند البعض في الارتقاء في سلم الوظائف أو الحصول على مغانم أخرى، ومنهم بعض الكتاب وذلك لنشر نتاجاتهم والعمل في الصحافة والانتساب الى وزارة الاعلام والحصول على جوائز وامتيازات وشقق وسيارات. وقد تكون هذه الفئة الاخيرة أخطر الفئات لأنها تتعامل مع الثقافة والفكر والعقل وبناء روح الانسان، ولديها سلاح القلم والكلمة وبذا لديهم  قدرة التحريف والتزوير والنفاق والكذب والمدح وتضخيم ما كان يسمى بالمنجزات ومنها الحروب العبثية الكارثية التي دمرت البنية العراقية المادية والنفسية، وكانت السبب فيما يعانيه العراق  والعراقيون اليوم من دمار مادي واقتصادي واجتماعي ونفسي. وبالمقابل هناك القلة من البعثيين العقائديين الذين انتموا عن قناعة وايمان.

 

كان الغالبية من البعثيين اللابعثيين متذمرين من اوضاعهم يتمنون داخل نفوسهم أن تزال عنهم وطأة ما هم فيه من ضغوط نفسية واداء واجبات غير مقتنعين بها من اجتماعات حزبية وخفارات وجيش شعبي ومراقبة الناس والخروج القسري في التظاهرات والاحتفالات والمشاركة في الفعاليات الحزبية، اضافة الى تحمل نظرات الكراهية والغضب التي كانوا يرونها في عيون الناس الآخرين. لذا كنت تراهم في مجالسهم الخاصة أو مع الذين يثقون بهم يصرحون بتذمرهم وينتقدون السلطة وحزبها، وكان البعض منهم يصل به التذمر الى حدّ الشتم والسب واللعنة على الحزب وقياداته. وكانوا يتوقعون أن غضبة الشعب قادمة لتنصب على رؤوسهم حمماً قد تودي بحياتهم. لذا كان الخوف والرعب الدائم رفيقهم اليومي لا يفارقهم، فكان الكثير منهم يتقرب من الناس ويبدي تعاطفه مع المظلومين ويصرح بمعارضته لما يجري وإن خفية ليضمن يوماً قادماً عسى أن ينفعه ذلك.

 

وقد شاهدنا كيف تصرف هؤلاء بعد الاحتلال بهلع وخوف ورعب، وكيف خلع العسكريون ملابسهم وفروا عراة وبعضهم  رمى نفسه في حوض دجلة هرباً من البطش والموت. ثم حدثت الهجرة الكثيفة وسط البعثيين أيضاً فراراً مما توقعوا أنه ينتظرهم من انتقام جماهيري قبل سلطة قادمة. وكل هذا دليل على عدم الايمان والقناعة بالانتماء، وعدم الاستعداد للتضحية بالنفس في سبيل ما لايؤمنون به.

 

وبالتأكيد فرح غالبيتهم بالسقوط وتخلصهم مما كانوا يعانونه من ألم الذات والخوف. وخاصة بعد نداء آية الله السيد علي السيستاني بالحفاظ على حياة البعثيين والابتعاد عن الانتقام. وهنا تأكيداً على ما أقول أذكر أنه في الايام الأولى للاحتلال عرضت احدى القنوات العربية  تقريراً لمرسلها من مدينة تكريت وهي عاصمة المحافظة التي ولد فيها صدام حسين وقادة بعثيون آخرون التقى فيه مع بعض الناس في المدينة، ولا أزال أذكر ذالك الشاب الذي اجاب عن سؤال المراسل حول رأيه في السقوط وهو فرح مسرور منطلق: (خلصنا من الحزب والاجتماعات والخفارات والجيش الشعبي). وقوله خير مثال على ما ذكرنا وعلى موقف بعثيين من سقوط  نظام صدام حسين، ومن مدينة كان يتوقع المراسل أن يسمع فيها غير ما سمع ورأى من مظاهر البهجة والفرح غير ما كان يتوقع. كما أن دخول الامريكان الى تكريت دون مقاومة  او معارك واوضاعها الهادئة بالمقارنة الى مناطق العراق الأخرى ما بعد الاحتلال حتى اليوم تأكيد على ما ذهبنا اليه .

 

بعد تشكيل القوات المسلحة الجديدة من جيش وشرطة اعيد الكثيرون من منتسبيها القدماء في زمن النظام السابق؟

. وتسلم الكثير منهم مواقع متقدمة فيها. وقد قدم العشرات منهم حياتهم في الدفاع عن النظام الجديد من خلال محاربة الارهاب والتنظيمات المسلحة المعادية، والعديد منها من بقايا أنصار النظام السابق. كما أعيد الموظفون البعثيون الى وظائفهم واستمروا في تأدية واجباتهم. وهنا يبقى الفيصل في الحكم عليهم هو أداؤهم واجبهم باخلاص وتجرد وعدم الالتفات الى الماضي، وكذلك عدم محاولتهم  الافساد والتخريب. واستمروا في حياتهم العادية، رغم المعاداة الرسمية والشعبية الطاغية للبعث ورموزه بسبب ما قامت به أجهزة النظام السابق من بطش وظلم وقتل لكل من عاداهم أو انتابهم مجرد شكّ في معاداته، أو مَنْ لم يسر وفق ما يريدون. 

 

إن ما بدر من صالح المطلك وظافر العاني من تمجيد بالبعث ونظامه ورجالاته، وتصريحات المطلك بدخول البعثيين في البرلمان القادم مع تحركاتهما المشبوهة والاتصالات بالبعثيين الذين تلطخت أيديهم بدماء الشعب العراقي، اضافة الى تصريحاتهما الدائمة بعدم الايمان بالعملية السياسية الجارية  وأنهم جاؤوا ليغيروا ويعيدوا البعثيين الى مناصبهم، الى جانب تخوينهما أطرافها السياسية الأخرى ووصمهم بأنهم عملاء وخونة، وأنهم جاؤوا على ظهور الدبابات الأجنبية، اضافة الى الاصطفاف السياسي المثير للريبة والشك بين رموز سياسية ينظر اليها العراقيون بمختلف أطيافهم على أنهم الوجه الثاني للبعث، فجّر كلّ ذلك مكامن الغضب عند الملايين من ضحايا النظام السابق وعند القوى السياسية الحاكمة في العراق، إذ تذكروا كل الجرائم التي ارتكبت بحقهم وبحق الآلاف من أبنائهم الذين غيبوا في المقابر الجماعية مما أيقظ مشاعر الخوف والتوجس من عودة البعثيين الى حكم العراق. وهو ما دفعهم الى التحرك الجماهيري في الشارع في مظاهرات منددة رافضة لعودة البعثيين، وحملهم على تفعيل قانون هيئة المساءلة والعدالة لمنع هؤلاء من الانتخابات ودخول البرلمان الجديد، وما أعقب ذلك من قرارات من حكومات محلية في بعض المحافظات العراقية، وعلى رأسها محافظة بغداد بطرد كافة البعثيين من وظائفهم الرسمية. وهو ما ينذر بتداعيات خطيرة على الوضع العراقي المأزوم أصلاً. وكذلك للتأثير السيء الذي تحدثه هذه القرارات على حياة مئات الألوف من المواطنين الأبرياء وعوائلهم في تجريدهم من مصادر ارزاقهم من خلال رميهم في الشارع. وهي قرارات انفعالية متسرعة غير مدروسة تبث البلبلة والخوف بين هؤلاء المواطنين وغيرهم. كما أنه يوفر أرضية خصبة لقوى الارهاب والمعادين للنظام للاستفادة من هؤلاء في تشكيل خطر جديد سيدفع الشعب العراقي ثمنه باهضاً. كما أن ذلك لن يحلّ مشكلة بل سيفاقمها.

 

إنّ صالح المطلك وظافر العاني وغيرهما ممن يسلك سلوكهما يتحمل ذنب ما حصل وسيحصل للبعثيين اللابعثيين المساكين من فقدان مصادر ارزاقهم. وتدل تصرفاتهما وتحركاتهما على قلة وعيهما السياسي وعدم ادراكهما لمراكز القوة المتحركة على الأرض والممسكة بالزمام، وعدم وعيهما بالتكتيكات في التحرك السياسي وفق ما هو سائد في الشارع وبين الرأي العام، وكيف أن السياسي الناجح الماهر يعرف متى يقول ما يريده ومتى يسكت عنه وفق مقولة (لكل مقام مقال)، ومتى يتحرك ومتى يقف عند حده.

 

أما الاعتماد على التذمر الجماهيري الآن من السياسات الفاشلة وانتشار الفساد والنهب فأظن أنه لا علاقة لذلك بالتصور أن الناس تتمنى عودة النظام السابق والبعث الى السلطة، وانما تذمر من الأداء الحكومي ومن سوء الخدمات والسياسات.

 

كما أن تصورهما وغيرهما ممن على سياستهما أنهم يعتمدون على ظهير قوي مفترض وهو العمق العربي ومساندة الأنظمة الحاكمة فهو وهم وسرابٌ شرب منه الفلسطينيون، وهم اليوم يدفعون ثمناً باهضاً في ذلك. لأنه حين تكون هناك أمريكا يصمت الجميع. كما أن مصالح هذه الأنظمة السياسية والأقتصادية والحفاظ على الكرسي أيضاً تحرك بندولها في الاتجاه الذي يؤمن هذه المصالح. وهو ما ينطبق أيضاً على دول العالم وخاصة الغربية.

 

وأعتقد ان السلطة الحالية والقوى الحاكمة في العراق لديها أوراق قوية في وجه العرب والولايات المتحدة وأوروبا إذا أرادت أن تضغط في الاتجاه المرفوض منها، ليس أقلها التهديد بعلاقة استراتيجية متينة أبعد مما هي عليه الآن مع القوى الراديكالية في المنطقة وعلى رأسها ايران، وخاصة أن لديها زخماً جماهيرياً طاغياً تستطيع تحريكه بالملايين وعن طريق اثارة المشاعر الدينية والمذهبية.     

 

 

عبد الستار نورعلي

السبت 13 فبراير 2009

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1317 الاحد 14/02/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم