أقلام حرة

في عيد الحب

يكتظ على رأس قلمي وأتذكر سعدي يوسف  “ البداية صعبة والنهايات مفتوحة  “ . تركتُ  القلم وهرعتُ الى رسائله لأقرأ اجمل ما قاله في الحب الشريف، الصادق واخاله بين حروفها يغازلني في غربتي في برد وثلوج القطب …

 

“ تحية حب ووفاء للإنسانة التي لم تفعل الغربة إلا زادتني حباً وإخلاصاً لها. للحبيبة التي أصبحت هي والوطن والحياة والناس شيء واحد، بل يتركز ومنها يشع كل حبي لكل الأشياء الجميلة في هذا العالم . لقد أصبحتِ يا بلقيس انتِ والعراق وجهان لميدالية واحدة هي حبي للإنسان والحياة والحرية … هذا الحب الذي من اجله ضحيت واضحي دوماً.

 

إن إغترابي هذا الذي لم ارده ابداً ولم اسع اليه بل فرضته الظروف والشر، أضاء لي اشياء كثيرة كانت خافية عليً بفعل رتابة الحياة هناك، كانت أجزاء من صورة لم ألحظها وقتذاك . إن هذا الأغتراب اكمل لي هذه الصورة، فكانت ايما صورة للحب، اروع حب وانقى حب … حبي لكِ ايتها البطلة . .. إن جذوة هذا الحب لازالت وستبقى تتوهج في قلبي وفي ضميري، ولن تستطيع المسافات مهما بعدت ولا الزمن مهما إمتد أن يفرق بيننا، فأنتِ قد اصبحتِ تاريخي بل اجمل ما فيه، رمزاً لكل شيء اعشقه واعتز به ، صورتكِ تتوسط كل ما يحيطني وطيفكِ الباسم الثغر ابداً كملاك يحرسني في ليلي والنهار، يمازحني حيناً ويرمقني بنظرات حانية حيناً آخر، يُشرق وجهه لفرحي ويغتم لحزني كما كنتِ وتكونين دوماً حبيبة نقية، عذبة ووفية ….

 

تعود بي الذكرى الى الوراء فتبهرني مسيرة سبعة عشر عاماً قضيناها اوفياء لما تعاهدنا عليه من إخلاص لحب خالد تتأجج شعلته يوماً عن يوم، لقد إستطعتِ بنكرانكِ لذاتكِ وإخلاصكِ لحبنا أن تعلميني دون أن تدرين، ولكن أنا ادري، الصبر وفن الحياة . لم تبخلي عليً وقدمتي لي كل شيء . فلإخلاصكِ ووفائكِ ولحبكِ ولصبركِ … احني رأسي وعهداً مقدساً بأني سأبقى كما كنتُ وفياً لكِ ولحبنا ماحييتُ ….

 

إن الرائع والأصيل في حبنا، يا حبيبتي، هو أننا إستطعنا نحنُ الأثنين، انتِ وانا، أن نحافظ، في زمن الفراق أو زمن اللقاء، على معادلة حياتنا، بين ما هو خاص بشخصينا، حبنا، وبين ما هو عام بمبادئنا السامية التي نؤمن بها ونناضل في سبيلها … فأن أكون حبيباً وزوجاً وأباً، وفي نفس الوقت عضواً في حزب شيوعي يناضل في اصعب الظروف، وأن أؤدي مهماتي بكفاءة وبنجاح في كلا المجالين … فذلك ليس بالأمر السهل في هذا الزمان الرديء، فهو يتطلب قدراً كبيراً، بل رسوخاً في القناعة والصدق والإخلاص والوفاء والتضحية . وإذا كنتُ أعترف بذلك، فإني اعترف ايضاً بأن القسط الأكبر في ذلك يعود لكِ، لشخصيتكِ … فأنا احسد نفسي على إني إلتقيتكِ وأحببتكِ وتزوجتكِ وأنجبتُ منكِ، وبأني سأعيش معكِ لألف الف عام قادم ….. ”

 

وانا اقرأ اتصفح  الرسائل، تذكرتُ موقفاً  حصل لي مع احد الأنصار . عام 1982، كنتُ وطفلي في ضيافة قريبتي وزوجها في بلغاريا، وصادف ان زارهم صديقهم القادم لتو من كردستان . وبعد أن تعرفتُ عليه وعرفتُ أنه كان مع ابو ظفر في نفس المفرزة، طلبتُ منه أن يحدثني عن اخبار ابو ظفر، ومثلما تقول اغنية ام كلثوم “ لما اشوف حد يحبك يعجبني اجيب سيرتك وياه … “ . حدًثني كثيراً عنه، وكنتُ فضولية في أسئلتي عنه وكان معجباً به أشد الإعجاب .قال انه إنسان رائع، متواضع، متفاني لخدمة رفاقه … وأنه … وانه وأشياء لطيفة اخرى أدخلت السرور الى قلبي . بعدها إقترب مني وقال : ” هل ابو ظفر  هكذا من البداية، ام عندما جاء الى كردستان؟ “ وقلتُ  “ من اي ناحية تقصد ؟ “ وقال : ” اقصد بالحب . إنه إنسان شريف وصادق ونزيه ويعشقكِ بجنون ويدخل اسمك في كل حديث بشعور او بدون شعورحتى يعجب البعض منه . ” واجبته : ” ابو ظفر عرف الحب الشريف والعفيف قبل أن يكون شيوعياً وبعد أن إنتمى الى حزب الكادحين إمتزج حبه مع الحب الصادق والنقي للشعب والوطن . ”  ورحت اتلو عليه مقطعاً  حفظته عن ظهر قلب من رسالة بعثها لي بعد أنا غادر العراق يقول فيها:

 

“ يقولون لي هذه نساء صوفيا الجميلات امامك، فما بالك لا تتخذ منهن واحدة صديقة أو عشيقة . ضحكتُ منهم … ولا اشعر بأني صرختُ بهم كأن شيئاً ينتفض في داخلي … كيف .. كيف .. انكم لا تعرفون إني تركتُ إمرأة في بلدي لا يمكن لنساء الأرض قاطبة وإن إجتمعن أن يملأن فراغاُ تركته أو يستملنً قلباً عشقها وما عرف غيرها …. قالوا عجباً أهي جميلة لهذا الحد؟ … قلتُ جمالها كجمال الله لايُرى ولكنه سرُ فيه . وهل هي رقيقة لهذا الحد؟ … قلتُ رقتها كنسائم نيسان الطرية وهي تداعب الخدود . قالوا .. قالوا … قلتُ لا تسألوني ما اسمه حبيبي  . سألوني عنكِ … سألوني عن التي أنا منها وهي مني …. ”

 

وعدتُ اواصل قراءتي لرسائله حتى غفوتُ لأغرق في حلم جميل ….

 

السويد 13 فبراير 2010

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1317 الاحد 14/02/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم