أقلام حرة

نوري المالكي: لو كنا نملك عشرا

الممكن الدنيوي تتعارض مع السياسة العقائدية الموجودة في الفكر الإسلامي. لكن مع هذا أجدني وقد انجرفت مع تيار كتاب السياسية وأدليت بدلوي فيها، ربما لسخونة هذا الخط المبني على رؤى فكرية متعارضة تعمل كل منها على تسقيط رؤى الآخرين وتضخيم رؤاها، عسى أن أكون سبيلا وسطا بين الاثنين ما دمت لا املك ناقة ولا جملا في معتركها.

وفي تحولي هذا لم أمشي مع تيار السائرين واتجه أينما اتجهوا ولم امشي عكسهم وإنما رسمت لنفسي نهجا مستقلا متحررا من قيود التبعية لأي خط آخر، لأني أؤمن أن الإنسان بحاجة لاكتشاف الآخر داخل أنفسه أولا لكي يكتشف الآخر كما هو لا كما يبدو عليه.ومع أن  الأنماط المعرفية، بحد ذاتها، مقيدة بألف قيد لأنها لا تتناول المزيد من الظواهر الحضارية والاقتصادية والسياسية والعقائدية التي يؤمن بها الآخر إلا أنها إذا ما تم اكتشافها داخل النفس أولا ستنجح في تجاوز هذه القيود والتأسيس لفهم واقعي قريب من الواقع ومتماهي معه.

وهذا ليس بفعل المؤثر الخارجي  وإنما لأنها طبيعتنا الإنسانية التي تغرينا باكتشاف العالم الكلي الذي تنطوي عليه ذواتنا  والذات الأخرى التي نجهلها،وذلك سيقودنا بالتأكيد لاكتشاف الواقع بكليته، ومتى أكتشف الإنسان واقعه يصبح قادرا على  تصوره كما يشاء لا كما يشاء الآخرون، ويمكنه بالتالي أن يرسم له خططا ومشاريع تختلف عن خطط ومشاريع الآخرين.

وفق هذه المنهجية التي أراها منصفة وعادلة تحركت لأكتب هذا الموضوع وأنا مشحون بدوافع استقيتها من الواقع  ونضجتها من خلال سماع الآخرين والاستماع لأطروحتهم وتصوراتهم ورؤاهم.

فمنذ  دخول القوات الأمريكية واحتلالها للعراق عام 2003  وما تلاه برزت على سطح الساحة السياسية والفكرية العراقية عشرات بل مئات المشاريع البراقة الخادعة والمخادعة، كانت في غالبها تدعو للفئوية والتكتل الطائفي والاثني والمذهبي والحزبي، وانشغلت في هذا الحراك الساخن بدل أن تنشغل بسد حاجات العراقيين المؤجلة ومطالبهم المستعجلة وظلاماتهم الراسخة بل أن بعضها وتحت ذات الدوافع التي تشكلت بسببها وبأسلوب ذرائعي تافه أنكرت أن يكون الحكم  الصدامي الشمولي قد غيب كليا واحدة من أكبر الشرائح في المجتمع، أو ارتكب جرائم المقابر الجماعية التي دفن العراقيين فيها أحياء، أو تبذير مليارات الدولارات لإشباع نزوات رعناء طائشة وارتجالية تدل على الجهل العلمي قبل الجهل السياسي.

وقد أدى هذا التحشيد الصراعي الجاهلي إلى تكتل الشعب فئات ومجاميع وأحزاب وكتل وقوائم وتيارات وولاءات حتى بدا أن محاولة إصلاح هذا الوضع البائس والعودة فيه إلى ما كان عليه، أو إيقاف تدهوره السريع في الأقل من المستحيلات التي لا ينجح معها حتى السحر. وقد أوصلتنا هذه القناعة إلى مرحلة متقدمة من اليأس  الذي فقدنا معه الأمل بغد فيه ولو بصيص ضوء وليس شمسا مشرقة.

لكن من لطف الله تعالى أن هيأت الديمقراطية التي كنا ولا زلنا نلعنها جهلا بحقيقتها قيادة نأت بنفسها عن المهاترات وابتعدت عن الولاءات ونذرت نفسها للعراق أولا فقربت المخلص النزيه المؤمن بعراقيته وأبعدت من لا يرضى السير في هذا الطريق وكان من أعمالها أن بدأت بالمخدوعين من أبناء جلدتها فأعادتهم إلى جادة الصواب وبعدها انتقلت إلى باقي العراقيين المخدوعين من أهلها وأبناء عمومتها فكسبت أعدادا غفيرة منهم وفضحت حقيقة من رفض السير وفق أسس دولة القانون.

وفي لقاءه  مع برنامج "مقابلة خاصة" الذي قدمته قناة العربية الفضائية يوم أمس وضع السيد نوري المالكي النقاط على حروف كثيرة كنا لا نفهم رمزيتها، وكشف الغطاء بأدب وتعقل عن كثير من الأسرار التي كنا نجهل كنهها، وأبان حقائق بعض ما كان يتداول في مجالس العراقيين دون أن يفهموا حقيقته، فبدا واثقا من نفسه ومن عراقيته، ومراهنا على هذه العقيدة بإصرار كبير.

وأقول لو ساعدتنا الظروف وحصلنا خلال السنوات الأربع المنصرمة على عشرة نسخ من نوري المالكي تربعت كل نسخة منها على رأس لجنة في مجلس النواب أو وزارة أو دائرة مهمة، هل كنا سنمر بالتجارب المرة القاسية التي مررنا بها؟

 

صالح الطائي

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1317 الاحد 14/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم