أقلام حرة

شبح الأصولية الإسلامية

فلم تعد الأصولية المسيحية، تفعل فعلها الرجعي بالمجتمعات الغربية، قدر ما أصبحت الأصولية الإسلامية، تفرض أجندتها على واقع الحياة السياسية والاجتماعية لكل أرجاء الشرق.

وإذا ما وجدت الأصولية المسيحية في الغرب، فإن مجالها الأخير لا يتعدى حدود اللعب في الحياة السياسية، أي تأثيرها غير المباشر على صناعة القرار السياسي والاستراتيجي لقادة الدول الغربية، لكون تأثيرها الاجتماعي، انتفى وجوده بشكل شبه نهائي، بعدما أقفلت الكنيسة أبوابها أمام المؤمنين، وألغيت الامتيازات الواسعة لرجال الدين، كل ذلك جرى كنتيجة مباشرة لحركة الإصلاح الديني، التي أعادت رسم حدود المسيحية على خريطة جديدة، حددت بمقتضاها دور الكنيسة ورجالها، والتي ترافقت أيضاً مع انبلاج فجر الثورة على الإقطاعين السياسي والديني في فرنسا وعموم الغرب .

فهل من الممكن أن نفسر الصراع بشقيه السياسي والثقافي بين الشرق والغرب، وفقاً لرغبات الأصوليين المشبعة بروح التطرف والتشدد والتعصب في فهم الدين وممارسته ؟.

في الواقع، قد لا يكون للأصولية، إذا ما تحدثنا عن الأصولية الإسلامية، لكونها أقوى الأصوليات الموجودة على ساحة الصراع وأشدها تأثيراً، قد لا يكون لها الكلمة الأخيرة في إشعال فتيل الصراع والصدام بين نصفي الكرة الأرضية، وبين مجموعة القيم والمبادئ المتمثلة داخل كل حضارة إنسانية بعينها، لأن الكلمة في هكذا صراع، من نصيب القادة السياسيين، فعندما أمر الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش بالحرب على أفغانستان، رداً على هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، أمر بصفته السياسية كرئيس لبلد اعتدي عليه، لا بصفته رئيساً أصولياً، كما لم يأمر حينها بالنيابة عن أحد القساوسة الأميركيين، ولم يفوضه بقرار الحرب بتلك، أحد أولئك القساوسة .

أما عوامل ذلك الصراع ومقوماته، هي ما يجيبنا عن السؤال السابق، لأنها موجودة لدى الأصوليين عامة، والمسلمين منهم خاصة، وأبرزها على الإطلاق، رفض القيم الغربية بحجة انطوائها على مخاطر أخلاقية، كمقدمة أولى لرفض مجمل السياسات الغربية في مرحلة لاحقة .

إن رفض القيم الغربية بذريعة أنها تدعو إلى الانحلال الخلقي والروحي، هو الأساس الذي أدى إلى تصليب عود الأصولية الإسلامية وتقوية نزعتها الصدامية مع محيطها الداخلي والخارجي على حد سواء .

والسؤال الآن، مَن هو المسئول عن رفض تلك القيم رفضاً مطلقاً ؟ ولطالما أن الإجابة عن هذا السؤال، تشترط منا الإجابة عن سؤال مماثل للسؤال السابق، مَن هو المسئول عن تقوية الأصولية وتصليب عودها ؟.

يمكن تلخيص الإجابة عن السؤالين السابقين، بجواب واحد، هو عامل الإحباط، فالإحباط النفسي والسياسي والاجتماعي الذي تعيشه شعوب الشرق الإسلامي، هو النواة الأولى لتكوين شبح الأصولية، لأنه لم يكن خطر الأصولية الإسلامية موجوداً في أي وقت، كما هو موجود الآن، وخطورتها أنها تتوهم في صدامها مع الآخر، أنه يملك نفس نزعتها الأصولية وإن بوجه آخر، بمعنى أنه عندما تصطدم بالغرب، فإنها تبرر صدامها معه، كونه لا يقل أصولية مسيحية عنها .

إلا أن الواقع يقول، إن مقومات الأصولية المسيحية تختلف في ظروف نشأتها وتكوينها، أشد الاختلاف عن الأصولية الإسلامية، فلم تنشأ الأصولية المسيحية من باطن الإحباط، كما لدى الإسلامية .

إن الأصولية المسيحية ظهرت كردة فعل على إقفال الكنيسة وطي صفحة الكتاب المقدس، فهي نشأت في ظروف ملؤها التسلط، الذي ساهمت فيه الكنيسة وطبقة ملاك الأراضي إلى حد كبير، ونستطيع القول، إن ظهورها العملي سابق على ظهور الأصولية الإسلامية حديثة الولادة، وذلك بحكم الفارق الزمني بينهما، وتطورات الأوضاع بين الشرق والغرب .

إلا أن الأصوليتان الإسلامية والمسيحية، تلتقيان حول نقطة التقسيم، فكما تنقسم الأصولية المسيحية، وفقاً للتقسيم المذهبي الذي يطبع المسيحية بعدة مذاهب، كذلك الحال بالنسبة للأصولية الإسلامية، التي تنقسم بدورها بين مذهبين رئيسيين، هما الشيعة والسنة .

فبالنسبة لهذين المذهبين، تظهر الأصولية، تبعاً لعدة عوامل، منها ما يرتبط أشد الارتباط بالبيئة التي يتربى فيها المسلم، سواء كانت هذه البيئة ماضوية لا تخرج عن حفرة ماضيها الأليم، الذي تحاول أن تعيده بغرض الثأر التاريخي المزعوم، وبأي ثمن، كما هو الحال لدى معظم الشيعة في العراق وإيران، أو كانت هذه البيئة محافظة تدعي الطهر والنقاء والخلاص، الذي يبرر انغلاقها على ذاتها، ومثالها

"السلفية" في الجزيرة العربية، وانكبابها المبالغ في ممارساتها الطقوسية، ومثالها

"الصوفية" في مصر.

وإذا ما نظرنا إلى الصدام الذي تمثله إيران الخمينية - نسبة إلى مرشد ثورتها الإسلامية علي الخميني - بهويتها الشيعية مع الغرب، سنجد أنه ذات الصدام الذي تمثله " القاعدة " بهويتها السنية، لكون خصمهما واحد، ولأنهما تنحدران من أصولية إسلامية واحدة، وإن اختلفت أدوات الصدام، بين اللجوء إلى استخدام منهج القوة الخشنة " القاعدة " أو استخدام القوة الناعمة " إيران الخمينية "، والقاسم المشترك بينهما، التفسير التلفيقي لا الحرفي لنصوص القرآن، بما يبرر ركوبهما موجة الأصولية، لاعتقادهما الدائم بأنهما يواجهان خصماً أصولياً واحداً .

إن التفسير التلفيقي لنصوص القران، يبيح للفرد المسلم، أن يختار من النصوص ما يشاء، وأن يزاوج بينها وبين نصوص قرآنية أخرى، نزلت ونسخت في ظروف زمنية بعيدة كل البعد في معناها ومبناها الدلالي عن ظروف عصرنا الراهن، وكذلك عن ظروف النصوص الأخرى .

أخيراً، إذا ما كان التفسير الحرفي "الأرثوذكسي" لنصوص الكتاب المقدس، هو العمود الفقري للأصولية المسيحية، فإن التفسير التلفيقي لنصوص القرآن هو حجر الزاوية للأصولية الإسلامية .

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1317 الاحد 14/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم