أقلام حرة

الانتخابات تحدد توجه العراق نحو المركزية او الفدرالية

مزايدة هنا وخرق ومبالغة والتشدد في التعبير هناك، صراع وتنافس هنا وطرح ونشر الاوراق وما لدى القوى من التخطيط والامكانيات هناك، تطرف وغلو وخروج عن المالوف هنا وصرف كل الجهود واستغلال كل ما يساعد على كسب صوت هناك، انها حال العراق في هذه الايام وما يعيشه وسط الترويجات الانتخابية من بيان الحالات الجيدة والمدح والثناء وابراز الايجابيات وسمات الذات وفي المقابل طرح ونشر السلبيات والسلوك والمواقف وثغرات تاريخ الاخر على الغسيل دون موآربة .

اننا نحن المراقبون من بعيد، يمكننا تميز وتقدير حجم كل كتلة  وبيانه تقريبا حاليا دون اية مبالغة او نقص لحياديتنا وفقا للعوامل الهامة لتحديد ثقل اية كتلة، سوى كانت هذه العوامل اجتماعية وما فيه خصائص المجتمع ومن الروابط لكيفية اختيارهم لمن يمثلهم في البرلمان القادم او اعتمادا على املستوى الثقافي العام للشعب ووعي المواطن وتفكيره وعقليته ونسبة التعليم والثقافة العامة لدى الشعب، وقدرات الكتل المادية والتركيبية المختلفة وما ورائهم من دواعم.

يمكن تمييز التوجهات لكل طرف بشكل عام من حيث نظرتهم ومواقفهم تجاه ما جرى سابقا في العراق او ما يهدفون اليه ويعملون من اجل الوصول اليه، وما ينوون من تثبيت النظام الملائم لهم في العراق المستقبلي وما يكون فيه الشعب ومقدار التزامهم واحترامهم للدستورو راي الشعب وعقائدهم ومبادئهم ومن ثم السياسة والمعدلات الموجودة والصراعات التي تفرض عليهم التوجه المعين من اجل المصالح الحزبية والشخصية الضيقة .  بينهم من يقرا العراق وما فيه اليوم من كافة الجوانب بواقعية وما موجود على الارض بشكل ملموس، ويخطو وفق ما يؤمن رغم التعثرات والعوائق وله مواقف واضحة من الركائز والاعمدة الاساسية التي بني عليها العراق الجديد والتي يعتمد عليها الدستور من الديموقراطية والفدرالية والحرية المضمونة بدعائم مثبتة، والواقعية في الفكر والعقيدة، وهذا لديه رصيد لا يستخف به من الشعبية، ولم يبق امامه الا التكتيك الناجح من اجل تحقيق النجاح المامول وضمان نسبة مقنعة من نوابه في المجلس القادم لتسهيل مهامه الرئيسي من تطبيق الدستور واقرار القوانين الاساسية بشكل جدي وبكل حذافيرها.

و هناك اخر يلعب في الساحة وفق المستجدات اليومية وليس لديه الثقل والرصيد الذي يضمن اقدامه على ما يؤمن ويوفق في تقدمه في تطبيق الياته لتحقيق اهدافه العامة الحقيقية، وينتظر هذه المحطة الهامة في تاريخ العراق لكي يلمس نتائج ما عمله وسخر كل جهده من جله ومن ثم يقرر ما يهدف اليه في هذا الاطار وبالاخص الفدرالية والديموقرباطية الحقيقية بعد تقوية موقعه ومكانته، وهو ما ينتظره بكل تلهف.

و طرف اخر دخل هذا المعترك السياسي بطيب خاطر وهو لا يؤمن اصلا بالفدرالية في قرارة نفسه ولم يتجرا لحد ليوم ان يصرح عما يجول في خاطره ويفصح عن ما يعتقده خوفا من العواقب التي تواجهه، وهذا ايضا ينتظر ما تتمخض من الانتخابات من النتائج لكي يبني عليها ما يريد ويطرح ما يكمنه في فكره وايمانه وعقيدته منذ تغيير النظام الدكتاتوري، وهو ينوي  اقتناص اقرب فرصة للضربة التي يتحضر لها، ويحاول بكل جهده متعاونا مع ما لم ينفعه التغيير في العراق من دول الاقليم لاعادة النظام القائم الى المركزية المفرطة والقحة،  وتهميش الاخرين ان تمكن بكل قواه، وثقله وامكانياته وتركيبته الحالية لا تساعده على الاقدام لهذه الخطوات،و ربما لم ينجح مهما طال الزمن ان قرانا المعادلات بدقة لا في المستقبل القريب ولا البعيد ايضا لما يحويه العراق من المكونات التي طالها الضيم ولم تنسى ما فعلته الدكتاتورية بها .

 وهناك من يهتم بلملمة ما يكنه من تقوية دوره وليس منصلحته في الوقت الحاضر والمستقبل التطرق لمضامين الدستور والتعليق عليها والنقاط الرئيسية فيه التي بنيت عليها النظام الفدرالي والديموقراطية الحقيقية، الا انه يفكر في الجانب الفكري العقيدي والثقافي اكثر من النظام وما فيه في هذه المرحلة على الاقل، وهو لا يعيش الا على الاحلام وملذاتها.

كل هذه الاطراف وغيرها من الذين لا يؤثرون بشكل قوي على مسيرة الاحداث وما يعملون، وهم يعملون في وسط معلوم الصفات، وفي ظل غياب كلي لدور المثقف الاصيل والنظرة الانسانية التقدمية، ويعيشون في جو ملبد وساحة تتدخل فيه اكثرية القوى الاقليمية والعالمية، والجميع يحس ويتلمس الدور الاستخباراتي المتعدد الظاهرفي الساحة والمؤثر على العملية السياسية.

اذن بظهور النتائج النهائية لانتخابات مجلس النواب العراقي القادم، سنرى مشهدا مغايرا بعض الشيء وثقلا متفاوتا لكفة وموقعا متغايرا لكل قوة، وبه نتلمس التوجه في السياسة العامة للدولة والنظام وتطبيق ما في الدستور من العناوين الرئيسية. وحسب كل التوقعات وبعد قراءة كل الظروف والاحتمالات اننا لم نلاحظ تغييرا جذريا في العديد من الجوانب التي تنتظرها النخبة، ولكن يمكن ان نعتقد بان النظام السياسي العام قد يترسخ وتثبت اعمدته الحقيقية استنادا على ما ياتي بعد الانتخابات، والمعادلات توضح الافق بشكل صريح، والواقع الاجتماعي الثقافي يدلنا على ان الفدرالية والديموقراطية الحقيقية ستثبتان على الارض وفقا لتركيبة وعقلية وفكر وايمان وعقائد المجتمع بشكل عام، ولو قرانا الاحداث واقعيا اننا نتاكد بانه لم تتمكن اية قوة مهما كان ثقلها من اعادة التغيير وفرض ما لا يريده الشعب والواقع مهما علم وطال حيلته، ولا يخيف الشعب العراقي الا التدخلات وما تحدثه من المفاجئات وما تضع من العوائق امام المسيرة وانسحاب القوى الاجنبية على الابواب، ولكن السيل الجاري يجرف امامه العوائق المصطنعة ولم يبق الا التركيب الطبيعي،و هو المقاوم لكل الشواذ وما يُفرض  من الاجندة غير الواقعية. ان ما يضمن التوجه الصحيح هو مصالح الشعب وما يوفره اي توجه فيما يلمس حياة الفرد بشكل مباشر وسريع ولم ينجح اي نظام مهما طال ظلمه وجثم على صدور الشعب ان لم يؤيده الواقع ومافيه، واليوم اللامركزية والفدرالية الصحيحة ضامن لاداء الواجبات وتحقيق الاهداف العامة وما يخص حياة الفرد، وكل المستجدات تشجع على هذا التوجه، وهذا ما يدعم ميلان كفة التوجه الصحيح نحو الفدرالية والديموقراطية وترسيخ الحرية في كافة الجوانب اكثر من غيرها.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1322 الجمعة 19/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم