أقلام حرة

التصويت لـــصالح... أم ضـــد !

أي ممارسة ديمقراطية نزيهة شفافة تضفي إلى تشكيل حكومة وطنية يشعر المواطن أنها تمثله وتجسد همومه وتطلعاته وأحلامه التي تطايرت ِشانها شان حلم جميل أجهض قبل أن يصل به صاحبه إلى النهاية .

وقد وضع العراق، في عام 2005 وبعد حوالي سنتين من سقوط نظامه السابق، قدمه لأول مرة على جادة الديمقراطية عبر قيامه بأجراء أول انتخابات برلمانية، بالرغم من أن هذه الانتخابات قد تحكمت بها، لأسباب تاريخية وطائفية وديموغرافية، هواجس دينية ودوافع قومية وتداخلت فيها أياد خارجية وقوى إقليمية ودولية حاولت فرض إرادتها على الناخب العراقي ورسم ملامح الدولة والحكومة الجديدة القادمة فيها التي تشكلت، بعد مخاض عسير أن لم أقل دام، بالتوافق المبني على أساس المحاصصة الطائفية والفئوية والحزبية.

ونتيجة لهذه الخيارات التي اتخذها الناخب، فقد شهد البرلمان العراقي دخول بعض الأشخاص من غير المؤهلين لخوض هذا المعترك السياسي ومواجهة الأزمة التي أعقبت سقوط الدولة وانهيار النظام السياسي العراقي بعد تداعي نظام البعث وانهياره المفاجئ في عام 2003، فهذه الأزمات التي عصفت بالدولة العراقية والتحديات التي واجهتها والمتمثلة بقوى الارهاب والفساد والتخلف والارث الصدامي الجسيم، تتطلب رجالات دولة أكفاء يمتازون بالنزاهة والوطنية، ولا أظن انه يمكن لأحد أن يدعي ويقول بان انتخابات عام 2005 قد أفرزت برلمانا يتصف جميع أعضائه بهذه الصفات، خصوصا بعد أن شاهد الشعب العراقي أن الكثير منهم يفتقر للعديد من المتطلبات التي ينبغي أن تكون لدى السياسي .    

وعلى نحو مشابه تقريبا، لما ذكره غوستاف لوبون في كتابه الشهير"عصر الجماهير" حينما قال أن " دخول الطبقات الشعبية إلى الحياة السياسية وتحولها التدريجي إلى طبقات حاكمة تمثل أحدى الخصائص الأكثر بروزا  في مجتمعنا، عصر التحول"،  كان دخول العديد من الطبقات الطائفية والحزبية، وهي ترادف الشعبية عند لوبون، إلى البرلمان العراقي نتيجة تصويت وقرار الناخب العراقي الذي عانى من ذوبان الشخصية الفردية وغرق معالمها وذبح قرارها الفردي وبالتالي توجيهه باتجاه واحد تنطمس فيه معالم الارادة الواعية وتتداعى فيه الرؤى العقلانية القادرة على كشف وتحليل الوقائع وكشف حقيقته.

ولهذا لم تكن الهوية الوطنية هي العامل الجوهري الحاسم المتحكم في أتجاه التصويت الجماهيري في العراق، بل تراجعت هذه الهوية الاساسية التي من المفترض ان تتشكل على اساسها الدولة الحديثة، لصالح  تصاعد ونمو هويات ثانوية طائفية واثنية انفعالية ما لبثت بعد مدة من تحكمها وتسلطها على المشهد السياسي العراقي الا ان تقيئها أصحابها وقذفوا بها بعيداً عن ساحتهم بعد أن اتضح وانكشف لهم أنهم قد أخطئوا في  قراراتهم التي اتخذوها  في التصويت لصالح تلك الهويات الثانوية .

ويظهر إن الناخب العراقي الآن على درجة جيدة من الوعي بعد أن ذاق مرارة الاستقطاب الطائفي والقومي ونتائجهما الكارثية على المشهد السياسي العراقي وعلى مؤسسات الدولة التي سيطرت على بعضها أحزاب فئوية وطائفية، وأصبح، لزاما، على السياسي العراقي الذكي أن يدرك العقلية والسيكولوجية المتحكمة بالناخب العراقي الذي سيصوت له أو لغيره في السابع من شهر آذار المقبل .

أن فهم نفسية الإنسان لابد أن تقوم، وفقا لنظرية عالم النفس الشهير اريك فروم وأتباع مدرسته، على فهم  حاجاته النابعة من ظروف وجوده . وبالنسبة للمواطن العراقي فان حاجاته تغيرت وقناعاته تبدلت وقراراته تمحورت الآن حول مسارات أخرى، فلم يعد يركز على نفس الهويات والعوامل الثانوية التي شكلت رؤيته وخياراته في انتخابات 2005 بل أصبح يرنو نحو أهداف ويتطلع باتجاه مسالك، ويسير وفقا لمحركات نفسية وسياسية تختلف عن رؤاه السابقة التي اعتبر الكثير منها الآن، بعد أن ذوت تلك الحماسة الطائفية التي غرق بها، طفولية وتفتقر إلى النضج السياسي . 

وللكيانات الحزبية، في دعايتها الانتخابية، الموجهة الى الناخب العراقي، أساليب وطرق يتم، من خلالها، استقطاب الناخب العراقي نحو هذا البرنامج الذي يتبناه هذا الكيان بطريقة التصويت لأفكار يقول بها وهو ما يمكن أن أسميه بالتصويت الايجابي، أو يحض السياسي الناخب على التصويت ضد أيديولوجيات معينة تتجسد لدى كيانات أخرى وهو التصويت الذي أطلق عليه لفظ التصويت السلبي، أو يقوم الكيان بالمزج بين هذين النوعين من التصويت مع الأخذ بنظر الاعتبار التركيز على احدهما وجعل الأخر هامشي وغير محوري .

ويغلب على الكيانات السياسية الداخلة في العملية السياسية والتي تتشكل منها الحكومة او ما يمكن أن أسميه اليمين السياسي،أن تحث الناخب على التصويت الايجابي عبر الحديث عن أفعال وبرامج الحكومة وما قدمته للشعب وهذا ما يمكن ان نراه بوضوح في ائتلاف دولة القانون الذي يترأسه السيد نوري المالكي  حيث نجد أعضاء الائتلاف يتغنون  بالوضع الأمني الذي انتقل في فترة تولي المالكي الحكم الى وضع أفضل من نظيره أبان حكم رئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري. أما الكيانات السياسية التي تتخذ موقفا معارضا من الحكومة وسياستها وطريقة تعاملها أي ما يمكن أن نسميه اليسار السياسي، فإنها  تحث الناخب وتعبئه على التصويت السلبي من خلال الحديث عن مزالق سياسات هذه الحكومة والأفكار المضادة لها وما يمكن أن يترتب عليها من نتائج في الوقت الراهن أو المستقبل.

ولكل من التصويت الايجابي والسلبي جوانب مضيئة ومظلمة، فالتصويت الايجابي يجعل من صاحبه يتناسى الجوانب السلبية لهذا الكيان السياسي الذي سيبصم له، ففي غمرة ونشوة الحديث عما يؤمن به الكيان وما قام به لا يبقى أي مجال للحديث عن اخطاء الكيان ومثالبه وما يمكن ان يشكل نقاط سوداء في أدبياته .واما التصويت السلبي فلا يخلو من أخطاء جمة ايضا، حيث يتناسى صاحب الكيان السياسي برنامجه وأفكاره ويصبح كأنما لا شخصية ولاوجود مستقل له وانما وجوده مرتبط بنقد الآخرين وتبيان وكشف الجوانب التي يعتبرها غير صحيحة من غير ان يقدم حلولا للمشكلات او يثبت للناخب انه سوف لن يرتكب مثل هذه الاخطاء التي ينتقد بسببها خصمه .

وليس في نيتنا البتة تحديد تلك الكيانات التي ينبغي للناخب العراقي أن يعيّنها كخيار

له،فالقرار قراه وهو أدرى واعلم، مهما غيب البعض عقله، بمن يستحق الانتخاب ممن لا يستحق حتى النظر في لافتاته الانتخابية .

 

مهند حبيب السماوي

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1324 الاحد 21/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم