أقلام حرة

"الدولة اليهودية" و"دولة أندورا الفلسطينية"!

السؤالان للرئيس أوباما؛ وعلى نتنياهو الإجابة عنهما عاجلاً، أي في خطابه المنتظَر.

نتنياهو سيجيب، فلا مناص له من الإجابة؛ ولسوف يجيب بما يسمح له بأن يزعم أنَّ الخلاف، أو النزاع، بين "السائل" و"المجيب" قد أصبح أثراً بعد عين، أو يوشك أن يصبح، وأنَّ الكرة الآن في الملعب الفلسطيني ـ العربي.

 

إذا أشهر نتنياهو إيمانه بأن لا حلَّ إلاَّ "حل الدولتين" فإنَّ أحداً من حلفائه وشركائه في الحكومة لن يُكفِّره، إذا لم يحذو حذوه، فهذا إيمان لا يكلِّف نفس نتنياهو إلاَّ وسعها، وهو كالإيمان الديني "المجرَّد"، أي الذي لا تُثْقِل صاحبه الفرائض المرئية والمسموعة.

 

أمَّا إذا استخذى أكثر لمشيئة سيِّد البيت الأبيض الجديد، وأعلن على رؤوس الأشهاد وقف، أو قبوله وقف، النشاط الاستيطاني وقفاً تاماً مُطْلَقاً، فعندئذٍ، لن يكفيه، حتى أوباما، شرَّ فتحه لـ "صندوق بانادورا"، فنتنياهو، وقبل ائتلافه الحاكم، سينشقُّ على نفسه، ولن يرضى عنها ولو أصبح رئيساً لحكومة جديدة، تَحِلُّ فيها ليفني محل "الخوارج" من عَبَدَة حرِّية الاستيطان اليهودي في "أرض إسرائيل".

 

نتنياهو لن يقول "لا"؛ ولكنَّه لن يقول "نعم" إلاَّ إذا كانت "مشروطة"، و"مُلكَّنة"، أي تَتْبَعها "لكن"، التي تفوق "نعم" حجماً.

 

قد يتَّخِذ ممَّا يسمُّونه المواقع الاستيطانية "غير الشرعية" موضِعاً يُظْهِر فيه ويؤكِّد تجاوبه، جزئياً، مع مطلب أوباما "وقف النشاط الاستيطاني". وقد يظل مستمسكاً بالبناء الاستيطاني الذي يُشَدِّد الحاجة إليه، على ما يزعم، "النمو الطبيعي" للمستوطنين؛ ولكنَّه يمكن أن يُظْهِر شيئاً من "الاعتدال" كأن يقول إنَّ البناء الاستيطاني الجديد سيكون عمودياً، أو لا يقترن بالاستيلاء على أراضٍ فلسطينية جديدة، وإنَّ استمرار النشاط الاستيطاني، بمعناه هذا، سيقتصر على ذلك الحيِّز الذي يضم الكُتَل والمراكز الاستيطانية المهمة، والتي لم تمانع الولايات المتحدة، في عهد إدارة الرئيس بوش، وفي "رسالة الضمانات" التي تسلَّمها منها شارون، في أن تصبح جزءاً من إقليم دولة إسرائيل، بعد التوصُّل إلى معاهدة سلام بينها وبين الفلسطينيين.

 

أمَّا "الاعتدال الأقصى" الذي يمكن أن يُظْهِره نتنياهو فهو قبوله الوقف المؤقَّت، أي إلى أجل معلوم، للنشاط الاستيطاني، مع اشتراطه لجعل هذا القبول حقيقة واقعة شروطاً يشقُّ، على ما يتوقَّع، على الفلسطينيين والعرب قبولها وتلبيتها، فتصبح لديه، بعد ذلك، وبسبب ذلك، ذريعة للتراجع عمَّا أبدى استعداداً لقبوله، مُحمِّلاً الفلسطينيين والعرب مسؤولية تفويت وإضاعة "فرصة ذهبية" للسلام.

 

ويبدو أنَّ إدارة الرئيس أوباما تَتَّجِه إلى الربط بين "الوقف المؤقَّت للنشاط الاستيطاني" و"المفاوضات السياسية الفورية والقصيرة الأمد" والتي تستهدف التوصل إلى اتِّفاق بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني على تعيين للحدود بين "الدولتين"، فالنشاط الاستيطاني يتوقَّف إلى أن يتَّفِق الطرفان على "تعيين الحدود"، فإذا اتَّفقا على أن تكون الكُتَل الاستيطانية الكبرى جزءاً من إقليم دولة إسرائيل، عملاً بمبدأي "التعديل الطفيف لحدود 1967" و"تبادل الأراضي"، يصبح من حقِّ إسرائيل، عندئذٍ، أن تنشط استيطانياً هناك كما تشاء؛ وكأنَّ الرئيس أوباما يريد أن يقول لنتنياهو: إذا أردتَ لوقف النشاط الاستيطاني ألاَّ يطول كثيراً فعليكَ ألاَّ تطيل أمد المفاوضات الرامية إلى التوصُّل إلى اتِّفاق على تعيين الحدود.

 

نتنياهو قد "يعتدل" استيطانياً هذا "الاعتدال"؛ ولكن ليس بلا ثمن، فهو أوَّلاً يريد لمعارضيه، وفي مقدَّمهم ليفني، أن ينضموا إلى الحكومة التي يرأسها هو، ويريد من إدارة الرئيس أوباما أن تُقْنِع الدول العربية، أو دولاً عربية، بأن تعطيه من "التطبيع" ما يسمح له بأن يَظْهَر أمام الإسرائيليين على أنَّه قد اشترى بهذا "الوقف المؤقَّت والمشروط للنشاط الاستيطاني" ما يعدله، إنْ لم يَفُقْه، أهمية من "التطبيع العربي".

 

"سؤال الاستيطان"، على ما رأينا، هو الأصعب إجابةً بالنسبة إلى نتنياهو؛ لأنَّه سؤال ترى إجابته وتُلْمَس؛ أمَّا "سؤال حل الدولتين" فيمكن أن يجيب عنه نتنياهو بما يرضي الرئيس أوباما من حيث المبدأ؛ ذلك لأنَّ كل ما هو مطلوب من رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يجيب بما يعني قبوله المبدئي لـ "حل الدولتين".

 

ولكنَّ نتنياهو لن يفاوِض الفلسطينيين، توصُّلاً إلى "حلِّ الدولتين"، إلاَّ بما يُظْهِر كثيراً من كوامِن قبوله المبدئي لهذا الحل، فـ "الدولتان" اللتان يريدهما نتنياهو، وسيستميت في "دفاعه التلمودي والأمني" عنهما، إنَّما هما "دولة إسرائيل اليهودية" و"دولة أندورا الفلسطينية".

 

قد يوافِق نتنياهو على مساحة لإقليم "دولة أندورا الفلسطينية" في الضفة الغربية يعدل مساحة الضفة، عملاً بمبدأي "تعديل الحدود" و"تبادل الأراضي"؛ ولكنَّه سيستميت في الدفاع عن "الحق التلمودي والأمني الإسرائيلي" في أن يكون إقليم الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية ضِمْن إقليم "دولة إسرائيل اليهودية"، فهذا الإقليم الفلسطيني لن يتَّصِل بقطاع غزة إلاَّ عبر إسرائيل؛ كما لن يتَّصِل بالأردن إلاَّ عبر أرضٍ من الضفة الغربية ضُمَّت إلى إسرائيل، فوجود "دولة أندورا الفلسطينية" في داخل، وضِمن، "دولة إسرائيل اليهودية"، هو جوهر "حل الدولتين" الذي قبله نتنياهو!

 

و"أندورا" هي إمارة صغيرة (مساحةً وسكَّاناً) تقع بين فرنسا وإسبانيا. إنَّها "دولة داخلية"، لها عاصمة، وعلم، وبرلمان، وحكومة، ودستور، مزدهرة سياحياً، ليس لديها مطارات دولية، وتتولى فرنسا وإسبانيا الدفاع عنها.

 

إذا كانت "دولة فلسطين الديمقراطية المسالمة" بالخواص الجغرافية والسيادية لإمارة أندورا، وإذا كان ثمن قيامها هو الاعتراف بإسرائيل على أنَّها دولة يهودية، أي تخصُّ "الشعب اليهودي" فحسب، فإنَّ "فلسطين تلك" هي "مطلب نتنياهو" الذي يريد للفلسطينيين قبوله.

وإذا اعترف الفلسطينيون بإسرائيل على أنَّها "دولة يهودية"، وقبلوا حلاًّ نهائياً لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتوافق، ولا يتعارض، مع اعترافهم هذا، فإنَّ "الدولة اليهودية" يمكن أن "تجازيهم"، عندئذٍ، "خير جزاء"، بأنْ تسمح للاجئين الفلسطينيين بـ "عودة غير مباشِرة" إلى إسرائيل، أي بأنْ يعودوا، أو يعود قسم منهم، إلى "دولة أندورا الفلسطينية" التي تقع ضِمن "دولة إسرائيل اليهودية"!

في المثقف اليوم