أقلام حرة

حزب العمل وحسابات التوريث غير الشرعي في مصر

(بالضبة والمفتاح) من خلال ممارسات مفضوحة، تفتق ذهن الأجهزة السلطوية أخيرًا عن لعبة جديدة يستطيعون من خلالها إلهاء جزء كبير من الساحة السياسية والفكرية ألا وهي إعادة حزب العمل للعمل، ولكنها عودة ليست على سابق عهد الحزب المعارض، وإنما عودة (عائلية) لجعله وقفا على ورثة زعيمه الراحل المهندس إبراهيم شكري.

 

فقد تم ـ منذ أيام ـ تسريب خبر أمني نشرته صحيفة لها مصادرها الأمنية، يقول إنه جرى اختيار السيدة (أسمهان إبراهيم شكري) لرئاسة حزب العمل، وشقيقها (أحمد إبراهيم شكري) أمينا عاما وذلك خلال اجتماع في بيت العائلة حضره خمسة أفراد من أعضاء الحزب الذي كان أبوهما زعيما له!! .. وكأن الأحزاب السياسية في بلادنا أصبحت عزبا وعقارات يورثها الآباء للأبناء، في غيبة من قيادات الحزب وكوادره وقاعدته العريضة.

 

والإجراء لمن لم يقف على تفاصيله ومدلولاته يضرب عصافير كثيرة بحجر سلطوي واحد، فهو سيلهي شريحة كبيرة من المهتمين بالشأن العام عما يجهز في الخفاء لمستقبل مصر ومستقبل أبنائها، مما يجعلهم مشغولون بترتيب أوضاعهم الحزبية ومشاكلهم الداخلية، وهو بمثابة فتنة حقيقة لمزيد من تلويث الحياة السياسية في مصر، الملوثة أصلا.. فضلا عما يحمله من إعداد نفسي للمصريين لتوريث كل شيء في بلادهم، إذ يبدو لي أن الدولة التي أدمنت (التوريث) تريد أن تصبغ به الحياة من حولها، وعلى رأس أولوياتها المؤسسات السياسية والتعليمية والصحفية والأمنية إلخ. كل ذلك من أجل إعداد المصريين نفسيا لتقبل عملية توريث كرسي الحكم التي تجري على قدم وساق.

 

ربما لا يعلم الكثيرون أن الذين يقدمون الحزب الآن هدية لأبناء المهندس إبراهيم شكري، هم أنفسهم الذين تجاهلوا الرجل سنين طويلة من حياته، وأوصدوا في وجهه أبوابهم، وأفشلوا كل محاولاته من أجل حل قضية الحزب، وكان قد عبر عن ذلك في مقابلة صحفية أجريت معه، قبل وفاته تحدث فيها بحسرة، قائلا: "لن أتسولها" يشير بالتسول إلى محاولاته المتكررة لمقابلة ذوو الشأن لحل قضية الحزب، ولكن محاولاته لم تجد معهم.

 

القرار المحبوك المسبوك لم يكد يصل إلى أعضاء الحزب وكوادره حتى أشعل النار من حولهم،

فشرعوا في الاجتماعات واللقاءات والاتصالات استعدادا لما يجهز لهم.. ورغم علمي التام أن رجوع الحزب لأعضائه وكوادره لن يقدم أو يؤخر، لأن الأمور في بلادنا لن يحلها ولا ألف حزب معارض، إلا أن قضية (العمل) تبقى دليلا حيا وبصريح العبارة على الفساد السياسي والأمني في مصر، وعن مصائر البلاد والعباد التي تظل رهن القرارات حبيسة الإدراج التي لا يتم إخراجها إلا إذا صادفت مزاج وهوى ومصالح الحاكم بأمره.

 

ما يجري بحق حزب (العمل) يقدم دليلا لا لبس فيه على رؤية النظام الحالي للحياة السياسية في البلاد، وكيف ينبغي له أن يتعامل مع أهلها، حتى آلت الأوضاع إلى ما هي عليه الآن، لا حياة سياسية  ولا غير سياسية، فقط مصالح يتبادلها المنتفعون، والمنتفعون وحدهم، وأدوار يقوم بها البعض لزوم الحبكة واكتمال المشهد، ويبقى الحال على ما هو عليه.  

     

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1325 الاثنين 22/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم