أقلام حرة

من يدير دفة الحكم بعد الانتخابات البرلمانية في العراق؟

 الرئيسية للشعب العراقي تتمحلق في الوجوه التي طفت الى السطح وتتمنى ما تنتجه ايديهم، وحدثت انقسامات واستقطابات وابتعدت التركيبات عن بعضها استنادا على ما أُثير من ما يخفيه  التاريخ وما يتسم من الصفات والاخلاقية التي تميزه، وكل ما نعتقد اننا نتوصل اليه كان بعيد المنال في الواقع ونسجت خيالنا العديد من الامنيات المتحققة وضمنت مستقبل اجيالنا في التنظير والتمنيات. وهذا يعني اننا نعيش سبع سنوات بشكل وطعم ولون ورائحة واحدة في الواقع ومصيرنا بايدي جهات محددة مستحوذة على الوضع بكل قدرتها، ونحن مضطرون في اكثر الاحيان الى اتباع نفس الطريق ومشاهدة او التركيز على الافق نفسه وانتظار المستقبل على انه مغير الاحوال وكأنه قدرنا الذي فرض علينا الانتظار وليس بيدنا حيلة او امكانية في الاصلاح والتغيير. كيفية انبثاق الحكومة او سيطرة الجهات على زمام الامور معلومة للجميع، والكل على دراية كاملة بان القدرة والكفاءة والاخلاص والخبرة والامكانية لم تكن يوما مقياسا وهمٌا لاختيار اي كان لشغل اي موقع،بل المواصفات الاخرى من تزكية الحزب والمحسوبية والمنسوبية والمحاباة والتملق والحيل الشرعية من الاولويات التي فرضت من وصول كل من هب ودب الى المكان الذي نوى، واستندت عليه كافة الجهات المستحوذة على السلطة دون استثناء، وبهذه الطريقة والاسلوب تمكنت لشخصيات والقوى من استغلال المناصب في ادارة الصراعات المتعددة المختلفة بعيدا عن المهامات الموكلة الى من يشغلها ولاسبابها المعلومة للقاصي والداني، اي المواقع الحكومية التي ادارت الصراع الحزبي وليس خدمة الشعب فكانت في طليعة المواضيع التي تنافست عليها الاحزاب والكتل.

 وربما يمكننا ان نعذر ما الت اليه الاوضاع في كثير من جوانبها، اواذا اعدنا الى الاذهان الدكتاتورية وسلوكها وصفاتها وتعاملها مع الشعب العراقي وتاثيراتها وترسباتها ومخلفاتها المتبقية لحد اليوم، ولكن ما جاء بعد السقوط والفوضى التي استنزفت كل طاقات المخلصين بين المكونات كافة لم تدع ان تسير الامور على ما يرام، والسلب والنهب والتهريب وسيطرة بعض العادات والتقاليد البالية والخلافات العديدة بين المكونات لم تدع ايضا حتى فرصة للتفكير الصحيح ولو للحظات من اجل تقييم الواقع وما فيه من قبل الخيرين، من اجل تشخيص الامراض المنتشرة القديمة والحديثة وايجاد العلاج اللازم باليات والوسائل المتوفرة، والتي من الواجب اتباعها لاجتناب المضاعفات الجانبية واستغلال الوقت وما بقيت من الايجابيات لتصحيح المسار وما يتطلبه الخروج من المحنة والمشاكل العويصة والازمات المتكررة التي نمر بها لحد اليوم .

اليوم ونحن على ابواب الانتخابات النيابية وما يشهده العراق بعد هذه المحطة الهامة من التغيير النسبي، يدعنا ان نعتقد ان الاحوال ستتغير من جوانب عديدة بنسب معينة، ومنها تخفيف نسبة التطرف والتشدد، وتدني مستوى الاستحواذ احادي الجانب والانفراد على السلطة والاستمرار في السير على طريق مرسوم باجندات متعددة، بل المعادلات والخارطة لسياسية في اتجاه التغيير الملحوظ وسنقترب شيئاما من الافق ويمكن اتباع التوجه المختلف في العملية السياسية ولو بشكل نسبي.

النواب الذي ننتظر فوزهم سيكونوا من القوائم التي تملا الشوارع صورهم هذه الايام، وطبيعة وتركيب وبرامج وتوجهات هذه القوائم واضحة للمواطن بشكل نظري بعيدا عن التفكير في مقارنة ما يُدعى وما نراه بعد حين على ارض الواقع، اي ستهتز الايدي التي تحمل قارورة السلطة الحساسة وربما تتدخل في حملها العديدون وتتعرض لمواقف محرجة وترتج بعض منها، اي اننا يمكن ان نرى وجوه متعددة ولكن من يكون المسيطر على زمام الامور سيبقى الى  المرحلة القادمة وبتغيير نسبي هنا وهناك، اي التغيير الجذري لن يحصل في عقلية ادارة الحكم وستبقى ثابتة نسبيا في المرحلة القادمة حسب اعتقادي وقرائاتي، ولم يبق الا الاعتماد على  الحركة الشعبية والراي العام والضغوطات السلمية المدنية المتنوعة في دفع العملية السياسية نحو الحراك المطلوب وما يفرضه الواقع الذي من الواجب العمل على تغييره قبل الجهات والتكتلات والاحزاب المسيطرة التي تلعب وفق مصالحها.

ان الكتل الكبرى التي تحوي في ثنايا قوائمهاعلى مختلف التوجهات والتكتلات والتجمعات والافكار، والتي لا يمكن ان نشابهها بما كانت قبل الانتخابات السابقة، ونلمس تغييرا في نبرة خطاباتها والميل نحو اشراك بعض من يمكنهم الخدمة الحقيقية للشعب قبل الحزب والتكتل سوى كانوا مضطرين او من جراء ما فرضته عليهم المستجدات على الساحة، هم ما نستبشر بهم ولو قليلا لضمان نسبة معينة من الاصلاح والتغيير المستقبلي . اننا نعتقد ان الكتل الكبيرة سوف تفرط بعض من عقدها وتتفكك بعد الانتخابات وحتى قبل تشكيل الحكومة المقبلة، وهذا ما يصعب رصد الكتل والتجمعات المتوافقة مع بعضها مستقبلا.

الاستقطابات ستكون على اسس اخرى غير ما هي عليه الان، وهي مشكلة من اجل الدخول في الانتخابات، ومن المحتمل ان يكون الفكر والايديولوجيا والفلسفة والمنهج الذي يسير عليه المشتركون من القواسم المشتركة في تقارب المكونات والاتفاقات والتوافقات التي يمكن ان نمر بها، وهي ستمر بمخاض عسير وتكون هشة ايضا وقابلة للانهيار في كل لحظة . لذا المرحلة المتنقلة تكون المرحلة البرلمانية القادمة، ولا يمكن التعويل على الدورة المقبلة من البرلمان في انبثاق حكومة قوية ساندة من الشعب، بل تكون حكومة الكتل ايضا باختلاف نسبي عما موجودة فيه الان . اي الاستحواذ على السلطة سيبقى على حاله وان تغيرت الوجوه والتوجهات والنظرات الى العراق ونظامه الجديد.

 وان التجات الكتل في هذه الانتخابات الى من يمكن ان يجمع اكثر نسبة من الاصوات حسب الطبيعة والسمات والعلاقات الاجتماعية المسيطرة اكثر من الكفاءة والتجربة والقدرة والاخلاص،بل الاهم هو الاقرب والموالي والاكثر ايمانا بما تعتقد الكتلة او الحزب، وهذا الذي يصعب تحليل الوضع المستقبلي اكثر والظروف التي تكون فيها الحكومة والسلطة، وما نتاكد منه هو السير ببطأ والتغيير نسبي والاستحواذ سيبقى من قبل المجموعات او كتل، والبارز في الامر على ما نعتقد، هو انبثاق المعارضة الجدية الحقيقية المطلوبة في الحياة الديموقراطية، ويبقى التوافق الجزئي وليس الكامل هو حال الوضع وسيكون هو سيد الموقف، ويكون بين كتل معينة وليس جميع المكونات. اذن الانتخابات البرلمانية عملية فاصلة لتحديد من يبقى على حاله، والصندوق هو الذي يصفي الحسابات المعقدة لبقاء القوة المستحوذة والحاكمة، ويهمش الاخر الى ضفاف نهر الحكم الجاري الجارف والمغربل للقوى الاصيلة عن الهامشية، وستاخذ كل قوة مكانتها الحقيقية وثقلها على الارض.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1325 الاثنين 22/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم