أقلام حرة

القسوة التاريخية

أن عدد معاملات الشهداء التي تم إنجازها فعلا هي بحدود 42000 معاملة  بينما تشير مراسلات ووثائق الأمن والاستخبارات والمخابرات الصدامية الموجودة لديهم إلى أن العدد الكلي للذين تم إعدامهم يتجاوز 250000 شهيد  ولما سألتها عن السبب في هذا التباين قالت أن هناك عوائل كثيرة جدا أبيدت عن بكرة أبيها ولم يبق منها أحد لإنجاز ومتابعة المعاملات وعوائل هربت إلى خارج البلاد ولم تراجع الدوائر المختصة لحد الآن وعوائل أخرى ترفض قطعيا فكرة التعويض والاستحقاقات وتنظر إليها وكأنها فصل عشائري مع صدام وزمرته وهي ترفض فكرة الفصل وتريد أن تبقي ثأرها قائما إلى أن تقتص من المجرمين وعوائل أخرى تملك وثائق لا تكفي لتأكيد صحة ادعائها.

بيت القصيد في هذه المأساة الإنسانية الكبرى لا يقف عند هذا الحد بل يمتد إلى أعمق من ذلك وفيه فرضيات ومنطوق ومطلوب إثباته  ومحصلات ونتائج.

لو فرضنا جدلا أن حزب الدعوة الذي نسب إليه غالبية الشهداء كان ناشطا بشكل غير مسبوق في العالم كله وأنه كسب آلاف العراقيين في الحقبة التي نشط فيها وهي المدة المحصورة بين عامي 1980و1982 فهل من المعقول أن يكون عدد أعضائه بهذا الحجم الكبير الذي يزيد على 300 ألف شخص؟

وإذا كان ذلك ممكنا فلماذا لم يتمكن حزب البعث على مدى خمسة وثلاثين عاما  قضاها في السلطة مستخدما كافة الأساليب القسرية والتهريج والتطبيل والتزمير لإجبار الناس على الانضمام إليه من كسب أكثر من 20إلى 30 ألف عضو عامل؟

فهل من المعقول أن ينجح حزب الدعوة المطارد الملاحق الممنوع من العمل العلني والمضيق عليه بحيث كان عاجزا  حتى عن العمل السري إلا في حدود ضيقة في كسب 300 ألف عضو خلال مدة سنتين فقط؟؟؟؟؟؟؟

يستحيل على العقل أن يصدق ذلك لأنه من المستحيلات التي يخالف التصديق بها المنطق والعلم والرياضيات والإحصاء..

إذا عملية الاجتثاث هذه كانت مدبرة ومدروسة ولها أهداف بعيدة حتى عن الأهداف السياسية.

عملية الاجتثاث هذه لم تختلف كثيرا عن عمليات الاجتثاث الأخرى التي مورست تاريخيا ضد الشيعة تحت عناوين ومسميات غريبة عجيبة  لا أقول ابتداء من زمن الخلفاء الراشدين لكي لا اتهم بالطائفية كما أتهم بها بهاء الأعرجي وإنما أقول اعتبارا من عام  63 هجرية وحتى عام 1430 هجرية،  ففي 63 هجرية اجتث الجيش الأموي البالغ عديده تبعا لاختلاف الروايات بين 3000 و30000 ألف مقاتل الحسين وأتباعه العلويين الذين لم يكن عددهم يزيد عن 313 شخصا بما فيهم الأطفال والنساء بينما كان بإمكان هذا الجيش الجرار محاصرتهم وأسرهم وأخذهم أحياء إلى الخليفة بدل أن يأخذوا رؤوسهم مرفوعة على الرماح إليه ويتركوا جثثهم في الفلوات تأكلها عسلان الصحراء.

أما في المدة الواقعة بين التاريخين فإن عملية الاجتثاث كانت مستمرة وفاعلة وصولا إلى عام 1980 وكل هذه العمليات كانت تجرى وفقا لنفس القواعد والأهداف وتصل إلى نفس النتائج والمحصلات،  وتستخدم فيها نفس الآليات مع الفارق في التطور والتحديث والتحسين.

إن من يبحث في طرائق تقتيل الإرهابيين المعاصرين للعراقيين الأبرياء بعد التغيير في 2003 يجدها بنفس شاكلة تقتيل ما يسمى بـ (فدائيي صدام) للعراقيين بفصل الرأس عن الجسد بالسيوف، وبنفس شاكلة تقتيل الجيش الأموي للعلويين في كربلاء يوم فصل رؤوسهم وحملها على الرماح، أما غير الطبر بالسيف لفصل الرأس عن الجسد فهناك التذويب بالأحماض المركزة والثرم بمثارم اللحم العملاقة ووضع المتفجرات في جيب قميص الضحية وتفجيره بسلك عن بعد أو إلقائه من شاهق عال وغيرها كثير ممكن لمن يحمل قلبا فيه بعض الشدة متابعة بعضها على موقع (يو تيوب) بالروابط أدناه

http://www.youtube.com/watch?v=HhXOtjXGQvc&feature=related

 

http://www.youtube.com/watch?v=pE5L5yrwQl8&feature=related

 

 

يجلب انتباهك حجم التشابه الكبير جدا بين الأعمال التي تعود لعام 63 هجرية والتي تحدث في عام 1430 لدرجة أنها لا تختلف كثيرا عن بعضها وكأنها فعل موروث ومنقول بالجينات ومرسوم في خارطة الدي أن أي أو كأنها من فعل نفس الشخص!!!!

ما يمكن استنتاجه من هذا التشابه أو التطابق الكلي أن هناك في الحياة خطان متوازيان أحدهما إيماني يمثله المظلوم (الحسين وأصحاب الحسين والسائرون على نهج الحسين من المسلمين المتمسكين بالعقيدة الحقة غير المحرفة من كل المذاهب الإسلامية) والآخر شيطاني يمثله الظالم ( قتلة الحسين وقتلة العلويين وأصحاب الحسين وبعد الحسين إلى الآن والمبثوثين في كل المذاهب الإسلامية شرقيها وغربيها)

الآن  بعد التغييرات التي حصلت يجب أن يعاد النظر بهذه اللعبة السمجة ليس بتبادل الأدوار بين اللاعبين بحيث يصبح المظلوم ظالما، فالله سبحانه لا يرضى بالظلم ولا يحب الظالمين، ولكن بوضع حد نهائي لهذه الممارسات اللاأخلاقية حتى وإن أستوجب الأمر استخدام الشدة المفرطة عسى أن ننجح في تغيير نمطية الموروث ونجعل الفريقين يفكران بنفس المستوى والمنهج. وهي فرصة كبيرة للتغيير إذا لم تستغل بشكل سليم ستبقى المعادلة غير العادلة قائمة، ولن تتكرر لنا فرصة مثلها إلى يوم الظهور المرتقب

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1325 الاثنين 22/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم