أقلام حرة

نقطة تحول لدور الاطراف المختلفة في العراق

يرتبط بها وتصارع من اجل بقائها وهي تقارع الاخر لاسقاطه من اجل سيطرتها بالكامل على الامور من كافة النواحي السياسية الاقتصادية الاجتماعية الثقافية، وتعمل بكل جهدها ومن دون هوادة على ان تجعل هذا البلد ورقة رابحة بيدها من اجل المساومات عليها في الصفقات السياسية الكبرى بينهم. ولكن في خضم هذه الصراعات المحتدمة لم يسيطر اي طرف بشكل نهائي على الساحة السياسية العراقية لحد الان، والشعب العراقي هو الوحيد الذي يدفع الثمن في هذه المعركة السياسية المعقدة التي يتخللها القتل والارهاب وسفك دماء الابرياء بين حين واخر.

لاشك ان هناك ادوارا اكثر فعالية من الاخرى لاسباب، ذاتية تخص صفات وتركيبة الشعب العراقي ومدى تلائمه،و موضوعية خاصة بالدول والجهات المتدخلة في الشؤون العراقية، ومن ابرز هذه القوى هو الدور الايراني الواضح وحلفائها وامريكا وما تفرضها مصالحها وحلفائها الاقليمية والداخلية ايضا، وهذا لا يعني ان الدول العربية واقفة ساكنة في محلها، لا بل تدخل هي ايضا وبشكل كبير وتتصرف بما لديها وتصرف كل جهودها، الا ان الظروف التي تساعد الاطراف الاخرى منذ سقوط الدكتاتورية لم تتهيا للدول العربية بشكل سهل كي تاخذ دورها الفعال وتلعب ما تريد كما هو الاخرون، لاسباب عديدة ايضا ومنها تلكؤها هي في مد يدها الشرعية والدبلوماسية الصادقة وعدم تفهمها للوضع العراقي الجديد ولم تحسن التعامل مع المستجدات ولم تقرا الواقع بعقلانية، بل اخطات كثيرا في عملها وحاولت ان تعيق ما يجري في العراق وما يحصل من التغييرات الجذرية بدلا من التعامل معها وتاخذ وتعطي كما هو حال العصرنة في العمل الدبلوماسي . وعندما وقفت مكتوفة الايدي من الارهاب والتكفيريين الذي ارعب الشعب العراقي، والفتاوى التي اصدرت من رموزها الدينية ولم تشد العزم على منع الارهابيين من عبور اراضيها للانتحار في العراق، وحتى استغلت هذه الهفوات من قبل اطراف اخرى، ولحد اليوم لم يحس المواطن العراقي بموقف واضح صريح منها مما ابعدها عن انتظار ما يمكن ان تفعله مستقبلا في العراق. اما الطرف الايراني استحسنت الامر وصارعت وتفاعلت مع الواقع الجديد وبكل الطرق والوسائل وحافظت على مصالحها وتعاونت هنا ومدت يدها هناك ولم تدع ان يُهمش دورها كما هو حال الدول العربية الاقليمية التي تعاملت بخجل واضح مع الواقع العراقي الجديد، واختلطت ايران من الجانب الاقتصادي والسياسي اكثر من اي طرف اخر وكانت هذه الامور تجري لمصالح مشتركة، ولم تقدر اية قوة اخرى ايقافها.

استقرت الحال بعض الشيء في هذه المرحلة، والوضع الاقليمي على ماهو عليه منذ السقوط ولم يجري اي تغيير يُذكر في الادوار وبشكل ملحوظ، الا ان الاطراف والجهات والكتل العراقية انقسمت على حالها وهي تجامل هذا الطرف الاقليمي او ذاك وفق قرائاتها المختلفة واستنادا على الاسس الدينية والمذهبية والمصالح الضيقة، والمحير في الامر ان بعض الدول عقدت العزم على الاتصال الدبلوماسي مع كتل او طرف او حزب سياسي دون ان تمد يد العلاقة الدبلوماسية الصحيحة بين الدولتين وبشكل واضح وصريح، وتحاول ان تؤثر على العملية السياسية من وراء الستار بعيدا عن المصالح المشتركة وما تفرضها العلاقات الندية بين الدولتين، وهذا ما يخلق ويخلف اثارا سلبية على العلاقات وتبقى لمدة طويلة دون تقدم يذكر، وبدلا من ان تدخل الى الساحة السياسية الاقليمية من ابوابها الواسعة تنعكف على الدخول من النافذة ومن خلال العمليات الاستخباراتية السرية لكي تؤثر على حال العراق.

اليوم والانتخابات على الابواب، وما نشاهد من التحركات المشبوهة ترسل رسالة الى الشعب العراقي ومفادها ان هذه الدول لم تقرر بعد التعامل مع الواقع الجديد بشكل نهائي وتحاول بشتى الوسائل ان تفرض رايا او موقفا وشكلا معينا ومعلبا محضرا من الغرف المظلمة الاستخباراتية لها لتطبقه في العراق، وهذا لم ولن يحصل مهما حاولت الاطراف ولم يزكي الواقع والوضع العام والمستجدات وما فيه الشعب العراقي، ما تنويه تلك الدول من فرضها على السياسة العراقية والنظام العراقي الجديد.

 وابسط الطرق لفرض المتطلبات والمصالح جزئيا هو التعاون المتعدد الجوانب ماديا ومعنويا من قبل تلك الدول لبعض القوى دون غيرها، وفي المقابل توجد نفوذ ايراني بشكل واضح ولها اليد الطولى ايضا وتمد يدها الى الجانب الاخر، ولكن مع ذلك انها تتعامل مع المستجدات والعراق الجديد كدولة صاحبة السيادة كيفما كان وفق الاسس الدبلوماسية، وان استغلت تركيبة الشعب العراقي وبعض من المتعاطفين في فرض بعض المواقف والاراء.

اننا نعتقد بان نتائج الانتخابات البرلمانية المقبلة والعملية السياسية مابعد الانتخابات ستكون نقطة تحول كبرى في تحديد مسار تاثيرات دول الاقليم وما تصل اليه الاوضاع والمعادلات والعلاقات وكيف تستقر الحال، وتكون المرحلة المقبلة وانسحاب القوات الامريكية بشكل نسبي في طريقها الى التنفيذ، وستعلو قوة ومستوى وادوارا معينة وستثبت ايادي في طريق ادارة البلد، وبه سيتاثر الوضع الاقليمي بشكل ملحوظ بنتائج الانتخابات العراقية والجهات التي تتسلم زمام الامور والسلطة ستقرر نوعية تلك العلاقات وطبيعتها، ونجاح هذه العملية المهة الحاسمة داخليا وخارجيا ستكون لصالح اطراف اقليمية دون اخرى وستكون لها اثارها السلبية مما تفرض علينا تجاوزها، لذلك من الواجب على الشعب العراقي والقوى المخلصة اخذ الحيطة والحذر من التدخلات والتشويهات، ولو احس اي طرف اقليمي بان النتائج ليست لمصلحته ستعمل الضجة، وكما هو الحال الان من بدا بالتحركات والافعال المشبوهة منذ مدة . ان دور امريكا معلوم وكل ما يمكنها ان تفعله في هذا الاطار انها ستضغط بكل السبل محاولة عدم تحول الوضع السياسي الى الفوضى والعودة الى المربع الاول، وتجهد بكل قواها على ايجاد كل الطرق لغرض توازن القوى كما هي، وهي تعتقد انها للمصلحة الداخلية والمصالح الاقليمية العليا ان لا تميل الكفة الى اية جهة وتبقى هي المسيطرة بعيدا عن الخسارة في ارواح ابناء شعبها.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1327 الاربعاء 24/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم