أقلام حرة

كم فقدنا من أشياء بسبب السياسة؟؟

بل تبين خلال السنوات الست الماضية أن حتى السرقة سواء كانت سرقة مصارف وقتل حراسها أو جرائم فساد إداري كلها مرتبطة بالسياسة.

نعم قد تكون لهذه الرابطة فوائد على المديات المنظورة وغير المنظورة ضمن حسابات خاصة وفي حالات أخص، لكن مساوئها بالتأكيد أكبر كثيرا من محاسنها وحسناتها، فهي إضافة لتدليلها على شمولية ودكتاتوريته الحاكم  هي التي تدفعه للتدخل بكل مفردات الحياة بهذا الشك الغريب، تدل أيضا على مدى تأثير الجانب السياسي على الحياة المجتمعية العامة نزولا لأدق الشعيرات.

وقد تكون هذه الرابطة  وبهذا الشكل المتميز سببا في مطالبة بعض العراقيين اليوم للتفريق بين البعث العفلقي والبعث الصدامي على اعتبار أن لكل منهما مناهجه ورؤاه غير مدركين أن البعث هو الذي جاء بصدام إلى السلطة وليس العكس أي أنه لا توجد صور مختلفة للبعث بل هي صورة واحدة لخلفيتها عدة ألوان، وهذه الألوان هي التي تخدع الناظر فيعتقد وجود صور مختلفة.

على المستوى الحياتي تركت هذه الرابطة أثرها البالغ على مجمل مفاصل حياتنا يوم كانت تتضمن مستوى معقولا من النزاهة والوطنية، لكنها يوم تخلت عن هذين المبدأين خلال السنوات السبع والأربعين الماضية (1963-2010) تحولنا بموجبها من بلد يسعى بجد لتجاوز حياة بلدان العالم الثالث ودخول حياة ترف العالم المتحضر من خلال النجاحات التي يحققها على كافة الصعد والنشاطات، إلى صورة باهتة لبلد لا يشبه باقي البلدان حيث عشعش التخلف في مفاصله،  وتحولت مسيرة التقدم إلى مسيرة رجوع للخلف بتعجيل رهيب، فتأخرت حركة العلم والثقافة والأدب والصناعة والزراعة والتجارة وأهم ما تأخر كانت حركة الدين الذي تحول من آصرة ربط وتوحيد وجمع إلى قوة طرد دفعت المذاهب لتتباعد عن بعضها، والقواعد لتتباعد عن قيادتها الدينية، والدينيين ليتباعدوا عن العقيدة بعد سلسلة الانتكاسات المحبطة التي رافقت مسيرة نصف قرن من عمر البلد.

إن من يبغي إحصاء مجالات التأخر ودرجته يحتاج إلى مجلد كبير لأنها كما قلنا شملت كافة نواحي الحياة ومفاصلها ابتداء من الشأن البسيط التافه وصولا إلى الأشياء المعمرة المهمة، وألا هل من المعقول أن يفقد العراق اسمه في سوق التمور  وتضيع منه تسمية " البلد المنتج الأول في التصنيف الدولي" بعد أن كان يملك أكثر من 32 مليون نخلة لأن جهالة وطيش السياسيين العراقيين أسهمت في تدمير هذه الثروة لينزل عدد النخيل إلى10 ملايين حسب إحصاء منظمة الأغذية الدولية (FAO ) عام 2008 وليتدنى الإنتاج من (300 ــ 400) ألف طن  مقدار ما يصدر للأسواق العالمية زائدا وفرة تسد الاستهلاك المحلي بالكامل إلى ما لا يكفي للاستهلاك المحلي؟؟

ولمن يستغرب من علاقة السياسة بموت أشجار النخيل المعمرة أقول: إن تراجع أنتاج التمور في العراق يعود لخمسة أو ستة أسباب كلها سياسية أو مرتبطة بالسياسة ارتباطا وثيقا ومنها

•الحرب مع إيران التي شغلت الفلاحين عن متابعة وخدمة الأشجار، والقصف المتبادل الذي احرق الأشجار ولاسيما في البصرة أكبر محافظة منتجة للتمر، والشريط الحدودي من بدرة المشهورة بجودة وندرة تمورها صعودا إلى مدن محافظة ديالى المشهورة بإنتاج التمور النادرة

•القصف الأمريكي المتكرر منذ عام 1991 وإلى ما بعد 2003 الذي أدى إلى حرق أعدادا كبيرة من أشجار النخيل وتأثير مواده وإشعاعاته على القسم الآخر.

•شحة المياه وندرة الأمطار وارتفاع نسبة ملوحة الأرض

•انتشار الآفات الزراعية من دون المبادرة لإجراء عمليات المكافحة المطلوبة

•ارتفاع أسعار المنتجات النفطية وانقطاع التيار الكهربائي الذي حال دون تشغيل مضخات السقي

 

وبالتالي نجد أن السياسة التي قدمت للعالم خدمات جليلة وقادته في مسيرة التطور والبناء والتحرر هي التي تسببت بكل مشاكلنا وأحدثت كل مآسينا، ليس لعيب فيها وإنما لعيب فينا وذلك لأننا نجهل فن السياسة العلمية النظيفة. 

ولذا نأمل من كل قلوبنا أن تؤدي الانتخابات النيابية القادمة إلى تغيير صورة السياسي العراقي ليتحول من داع للتفرقة والتخريب وراع وداعم للإرهاب إلى رجل بناء وإعمار وتقدم وتوحيد.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1327 الاربعاء 24/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم