أقلام حرة

ماذا جرى ويجري للعراقيين؟

وذلك بقتل رب الاسرة بمسدس كاتم للصوت وذبح البعض وشنق اثنين من افراد العائلة اضافة الى الاغتصاب. وهذا ما أعلنه مدير ناحية الوحدة عقيل ابراهيم خليل يوم الثلاثاء:

http://ar.aswataliraq.info/?p=204713

وقد أعلن أنّ الجريمة لم تكن بدافع سياسي أو طائفي وانما ارتكبت من عصابة من المراهقين وبدافع السرقة. وقد تم القبض عليهم وعرضوا على شاشات الفضائيات العراقية، وقيل قد اعترفوا بأنهم قد تأثروا في طريقة ارتكاب الجريمة البشعة بالمسلسل التركي (وادي الذئاب). 

 

كما أعلن في الوقت نفسه عن مذبحة أخرى في حي الحرية بشمال بغداد راح ضحيتها أم وبناتها الثلاثة داخل منزلهم. وربما هناك جرائم أخرى لم يُعلن عنها.

 

وهذه الجرائم الوحشية تذكّرنا بما حدث من جرائم ذبح وقتل واغتصاب وقطع للرؤوس ودفن جماعي لأبرياء رجالاً ونساءاً، شباباً وشيوخاً وأطفالاً، وبدوافع سياسية وطائفية ودينية وعرقية بعد الاحتلال الامريكي للعراق.

 

وقد أتهم حينها ولا يزال العرب والمسلمون الذين دخلوا العراق من أجل محاربة الامريكان والجهاد ضد الصليبيين والكفار على حد زعمهم وقناعاتهم واجندات دول لم تبق خافية على المتابع والناس عموماً. أتهموا بارتكاب هذه الجرائم البشعة بحق العراقيين. لكن الاحداث والوقائع وحتى اليوم، والجريمتان المعنيتان بكلامنا خير دليل، أثبتت أن بعض العراقيين ليسوا ببعيدين مطلقاً عن هذه الوسائل الهمجية في ارتكاب الجرائم المتوحشة والسادية، وأن هناك وحوشاً بشرية ضارية مريضة تعيش بين ظهراني العراقيين. وخير شاهد آخر على ما نقول هو  الشريط الأخير الذي عرضته المحكمة الجنائية لمحاكمة مجرمي النظام الساقط وفي قضية تصفية الاحزاب الدينية والذي ظهر فيها كيف قامت شلة من مجرمي قوات فدائيي صدام بذبح مجموعة من الشباب العراقي المظلوم وبطريقة لا تمت للانسان بصلة، وكيف رفعوا رؤوس الضحايا على نصال سيوفهم وهم يطلقون الاهازيج مستبشرين راقصين وكأنهم قد حرّروا القدس او الجولان أو الضفة الغربية أو الأراضي العراقية الممنوحة هبات مجانية لبعض دول الجوار أيام الحكم الدكتاتوري الفاشي الراحل.

 

وقد تربى الكثير من العراقيين المنتمين الى القوى الامنية والمخابرات اثناء حكم النتظام السابق على هذه الوسائل في محاربة المعارضين السياسيين وتصفيتهم، وكذا الحال مع منتسبي الجيش ابان حرب الثماني سنوات مع ايران وحرب احتلال الكويت والذين اعتادوا على النهب والسلب والقتل والذبح وتفجير وسحق الجثث وعرضها على شاشات التلفزة العراقية في برنامج (صور من المعركة). وهو ما ربّى جيلاً على أن يألف هذه المناظر ويتعود عليها ويستعملها حتى في معاملة خصومه، وقد عايشنا الكثير من جرائم السرقة المصحوبة بالقتل والذبح أيام الثمانينات من القرن المنصرم، وهو ما لم يكن مألوفاً قبلها. وقد حاول الكثيرون القاء هذه الظاهرة في القتل المصاحب للسرقة على أنه من تأثيرات وجود ملايين المصريين في العراق لما عُرف من ذلك في المجتمع المصري، دون الاعتراف بالسبب الحقيقي.

 

إن هذه الصور التي نراها رؤي العين أو نسمع بها هذه الأيام تصيبنا بالصدمة وعميق الحزن والأسى على ما نرى من ضحايا بريئة تُزهَق أرواحها بطريقة وحشية تنمّ عن نفسية حيوانية ضارية لضباع على هيئة بشر يعيشون وسط  العراقيين دون أن يحسوا بهم، أو يحسون بهم لكنهم يغفلون ويتغافلون.

 

جريمة يذهب ضحيتها ثمانية شهداء ابرياء، ويقال أنها بدافع السرقة. وما أعلن عن المسروقات أمر مذهل، مئة وخمسون ألف دينار، ومصوغات فقيرة تدل على ضعف الحال. وصور لشباب وشابات العائلة بعمر الزهور في عيونهم ألق وأمل بالمستقبل.

 

إنّ هذه الجرائم البشعة، سواءاً أكانت بدافع السرقة أم غيرها، واعتقادي راسخ انها لن تتوقف، تبعث على التأمل والتفكير الجدي من قبل المسؤولين الذين يدعون ليل نهار الحرص على بناء عراق جديد وخدمة الشعب وتأمين حياته ومصالحه والعمل على استتباب الأمن. وكذلك يتطلب من الباحثين وكل القوى السياسية والتربوية والمدنية والقانونية وعلماء النفس والكُتّاب البحث في أسبابها ومسبباتها ووضع الحلول لعلاجها وتخطيها لما تمثله من تهديد جدي لروح البنية الانسانية في العراق وتداعياتها الخطيرة على مستقبل الانسان العراقي ودولة اسمها العراق.

 

أما التعكز الدائم وكما في كل مشكلة تعترض العراق على أنّها من ارهاصات ونتائج الحكم البعثي الصدامي فلم يعد مقبولاً بعد سبعة أعوام من سقوطه. فالنظر الى القائمين بجريمة ناحية الوحدة وغيرها من الجرائم والذين اعمارهم في سنّ المراهقة يُظهر أنّ هؤلاء كانوا في سن الطفولة عند سقوط النظام  البعثي، ولم يلحقوا أن يتأثروا كثيراً به وبأساليبه وتوجهاته. فما الذي دفعهم اذن الى هذه التربية الاجرامية والتشبع بالروح اللا انسانية وطبع بها نفوسهم الغضة؟

وماذا فعلت الدولة وحكومتها وأجهزتها بعد سبعة أعوام من السقوط؟

اين هي مدارس التربية والتعليم؟ بماذا غذّتْ نفوس النشء الجديد؟

ماذا علّمتهم؟ ماذا قالت لهم؟ كيف وجّهتهم؟

وأين دور المنظمات المدنية والانسانية والحقوقية؟

وأين دَور بيوت العبادة ورجال الدين الذين يصدّعون رؤوسنا بالدعوة الى التمسك بالقيم السماوية وبسيرة أهل البيت الأطهار؟

 

وهل يكفي أن نتحدّث عن الدين والإسلام والأئمة الأتقياء الأنقياء طوال النهار وندعو الناس الى مسيرات مليونية للتوجه نحو المراقد المقدسة؟

 

وهل نتصّور أنه بهذه الطريقة ستنقى النفوس وتتطهر القلوب ونقضي على الجريمة المتفشية وينقى البلد وتزدهر حياة الناس؟  

هل يكفي انْ نلقي وزر كل ظاهرة وحالة مرضية سلبية وبشعة على شماعة النظام الصدامي البائد؟

 

ماذا فعلتم أنتم؟ وماذا قدمتم لمعالجة هذه الظواهر؟ وما هي برامجكم القادمة لمعالجتها وأنتم تتصارعون بضراوة على أبواب انتخابات جديدة؟

 

ماهي برامجكم لخدمة الشعب وتربيته تربية حضارية مدنية روحية انسانية بعيداً عن الحقد والبغضاء والكراهية وروح الانتقام وتصفية الآخرين؟

 

لماذا لا تفكرون بالسؤال الجوهري الخطير:

ماذا حدّث للشعب العراقي وجيله المستقبلي الذي يتربى الآن تحت أجنحتكم وتوجهاتكم وبرامجكم وسياساتكم ونظامكم؟

أهذا هو الجيل العراقي الصاعد؟!

 

عبد الستار نورعلي

الأربعاء 24 فبراير 2010

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1327 الاربعاء 24/02/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم