أقلام حرة

نصيحة صغيرة لأياد جمال الدين

وينتقد دكتاتورية رجل الدين الذي يجمع بيده أمور الدنيا والآخرة للناس بسلطة (ولاية الفقيه) بحجة أنه معصوم من الخطأ..وما اختلف "الفقيه" في ذلك عن اي دكتاتور يرى في نفسه الرأي نفسه. وتعجب بالرجل أن له فكرا حضاريا متنورا .. وأظنه يحترم رأي حتى من كان ملحدا ويحرّم هدر دمه فيما أحلّه آخرون.

لا أعرف الرجل (وعسى أن يكون مخبره جميلا كمظهره)، لكنه فاجأ العراقيين والعرب والايرانيين والغربيين ليس فقط بجرأته وشجاعته بل وبرؤيته المستقبلية لعراق حضاري متطور ..منفتح على العالم ..في برنامج صيغ بدقة وواقعية، مع أنه درس في " قم " والنجف.

وما يفرحنا أن السياسيين العراقيين على اختلاف احزابهم وكتلهم اجتهدوا هذه المرّة وأبدعوا في صياغة برامج طموحة وذكية ..لو أن أكفأهم وأصدقأهم وفق للفوز في البرلمان المقبل لرسموا وجها جديدا مشرقا للوطن وأهله، ولبدأوا بصنع مستقبل يجعل من العراق جنة الله في الأرض لكونه الوحيد الذي يمتلك بامتياز ثلاث ثروات كبرى : تحت الأرض وفوقها وفي العقول.

ولأنني سيكولوجست ..أدّعي لنفسي أنني أفهم في (سيكولوجيا الاعلان) فانني تابعت الدعايات الانتخابية في التلفزيون فوجدت أن الكثير منها لا يحقق الهدف الرئيس لها المتمثل بـ(الاقناع)، ولم ينتبه صانعوها الى أن الفئة المستهدفة هي الجماهير البسيطة غير المسيسة وأن الرهان سيكون عليها في تحديد الفائزين.

سأبدأ نصيحتي الصغيرة الخاصة بالدعاية الانتخابية للسيد جمال الدين . فبرغم أن فريق حملته الانتخابية يتألف من مائتي استشاري بينهم احد خبراء الدعاية الانتخابية للرئيس الامريكي أوباما، وآخرون من بريطانيا وألمانيا وأستراليا!.وبرغم أنهم أجادوا في صياغة عبارات لغوية فيها ثقافة اعلان، الا أنها ما كانت موفقة في مخاطبة الناخب العراقي بالعبارتين الآتيتين:

* يجب أن تختار

* اما الفساد والمحاصصة او الحياة الجديدة مع أحرار.

ذلك لأن الذين صاغوها ليسوا على دراية كافية بسيكولوجية الشخصية العراقية . فالعراقي ينفر من الصيغة الأمرية ..وهذا ما حملته مفردة ( يجب)، وأظن أن مستشاريه كانوا استخدموا مفردة(Must) ودلالتها باللغة الانجليزية تختلف عن (يجب العراقية)...فالعراقي يفسرها بأن قائلها "يأمرني"..ويولّد منها تفسيرات أخرى، مثل : (من هو حتى يأمرني ..وقابل آني أخوه الزغير ..لو آني ما افتهم).

 

والخطأ الثاني تضمنته العبارة التي وضعت الناخب العراقي بين خيارين : (اما الفساد والمحاصصة او الحياة الجديدة وأحرار)..وسيفسرها العراقي بأن اياد جمال الدين يقول لي : انك اذا لم تكن مع أحرار فأنت مع الفساد والمحاصصة ..وبالتالي فأنا فاسد..وخلف الله عليه.

ونصيحتي أن يرفع العبارتين ويستبدلهما بالآتي:

(عليك أخي المواطن أن تختار التغيير والحياة الجديدة مع أحرار

..والا سيبقى الفساد ويستمر سوء الحال).

فبهما يلغي الأمرية ..ويساوي بينه والمواطن بكلمة (أخي) ..ويحمّله المسؤولية ضمنا ان أضاع الفرصة وبقي يتفرج على ما يجري.

هل يستطيع تدارك دعايته ومعالجتها فنيا، وهي الأفضل صياغة حتى الآن؟ .اعتقد: نعم، فقد دفع لقناة العربية وحدها ثلاثة ملايين دولار!.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1327 الاربعاء 24/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم