أقلام حرة

لماذا التلكؤ في حل القضية الكوردية باسم تعقيدات المسالة في تركيا؟

الحكومة والحزب الحاكم لبيان النوايا الصادقة وازالة الشكوك، علاوة على الاخذ بنظر الاعتبار عامل الوقت وتاثيراته وسرعة الاجراءات المطلوبة من كافة الجوانب المرتبطة مع بعضها في هذا الاتجاه .

مها كانت تعقيدات القضية وما تراكمت من الترسبات والشوائب طيل العقود الماضية التي جرت فيها ماجرى من القتال والخراب والويلات، الا ان هذا لا يدعنا ان نعتقد بان الاطالة باسم الهدوء والتروي الزائد عن حده قد يفيد القضية، وهذا ما يمكن ان يجبر المهتمين بان يزرعوا الشكوك في انفسهم من النوايا الحقيقية للسلطة والحزب الحاكم في تركيا بشكل عام . الاصرار والعمل الجدي على التقارب والتفاوض وطرح المواضيع على المعنيين من كافة الجهات يكون من العوامل الحاسمة في تصفية الاجواء والاقتراب من الحل النهائي للقضية بشكل يرضي الجميع.

 الوضع القائم في كوردستان تركيا بعد الظروف الماساوية التي مرت بها طيل عقود خلطت الامور مع بعضها وخاصة بعد الاجراءات التعسفية بحق هذا الشعب المسالم من التشدد والقمع وسلب ابسط الحقوق من ابنائها خلال مراحل الانقلابات المتكررة في تركيا وسيطرة العسكر على زمام الامور.

تعقيدات الحياة العامة للمجتمع والسلطات اخذت ابعادا مختلفة والضغوط اثرت على المجتمع الكوردستاني بشكل خاص وغيرت من معالم عديدة في تركيبته على الرغم من المقاومة البارعة التي منعت سير العملية التدميرية بشكل منتظم، لكون العامل والنوايا الشوفينية المتعجرفة وما طالت اياديهم اليه شملت كافة الجوانب الحياتية من السياسة والاقتصاد والوضع الاجتماعي والتربية الى الثقافة والفنون.

 من الناحية السياسية، كانت السلطة واقفة بالمرصاد دائما واستغلت وضعها الاستراتيجي من الصراعات العالمية واصرت على مواقفها في التنكر للحقوق العامة لهذا الشعب، بل رفضت اي حديث عنه مما ادى الى ما الت الاوضاع اليه والخسارة الكبيرة التي عادت على الاطراف كافة بضررها، التملص من الواقع الموجود ومتطلباته الطبيعية ومحاولة فرض الاراء والمواقف الاحادية الانفرادية من جانب واحد دون طرحه على الراي العامو انكار وجود شعب مليوني،او اعلام الناس والمعنيين بما يعملون، هذا ما فرض حالات الطواريء والعنف المستمرة واجبرت الكورد على المبادرة في اعلان الثورات المتعددة للدفاع عن انفسهم والحيلولة دون انقراضهم جراء تلك السياسات المفروضة على منطقتهم، واخرها ثورة الدفاع عن حقوقهم وانبثاق الحركة التحررية الجديدة .  اي البعد السياسي الذي اخذ منحى اخر، واستمرت في عدم السماع للصوت النابع من واقع الشعب العريق الموجود على ارضه منذ الاف السنين والغدر به ورفض الاعتراف بهويته الخاصة دون ان يرف لهذه السلطات المتتالية الجفن مما دعا الى التوجه نحو الشدة في العنف والتعامل مع الاخر بكل السبل وبنفس الطرق التي استخدمتها هي من اجل افاقتها من الوضع الذي فيه، الى ان نجحت الثورة في هذا الهدف وتعلمت السلطة التركية الدرس ولو متاخرا، ولكن التلكؤ الذي يلاحظ في هذا الجانب قد يضر بالجانبين ويتمنى الجميع ان لا يعود الوضع الى ما كان عليه من سفك الدماء.

من الناحية الاقتصادية، على الرغم من تبجح السلطة التركية من هذا الجانب واعلانها بشكل دائم بانها اتجهت الى الاستثمار ومحاولتها تحسين الاوضاع، الا انها لم تظهر ما تثبت قولها فعلا وان ما تعمله الحكومة فهو لاغراض متعددة ومنها انتخابية بدلا من ان يكون وفق خطة واسعة مترامية الاطراف لانعاش المنطقة التي طالتها الحيف والقهر من الجانب الاقتصادي، ومن يزورها يحس بمدى التخلف فيها والفرق الشاسع بينها وبين المناطق الغربية في هذه الجمهورية التي تدعي بالعلمانية وهي عسكرية قومية بشيء من الديموقراطية،اي جمهورية ذات نظام خاص بها. ان التباطؤ وعدم الاصرار في العمل على هذه الاجندة وايجاد الحلول لها،فان الضرر يتضاعف في هذا الجانب وسيبعد ترسيخ ارضية التقارب العملي بين الجهات والمطلوب ان يكون بشكل اسرع على ارض الواقع.

اما الجانب الثقافي، فان الشعب الكوردي شغوف بالثقافة وبما لديه من هذا الجانب لاظهاره وتطويره، وبما يخص هذا الجانب يتميزبطبعه وامكانياته الثقافة العالية،و رغم الكبت والقهر وانكار ما يتيميز به وما يتسم من الثقافة والعلم والمعرفة والتغطية على سماته من قبل السلطة ومحالوة عدم ابرازه لاسباب سياسية عامة، الا انه مقاوم  ومعارض بارز وقوي ضد طمس هويته الثقافية العامة والخاصة به، والمقاومة الحقيقية ساندت الشعب في كثير من الاحوال في الحفاظ على سماته وله الوجه المشرق في الادب والفن وما تعبر عنه اللغة الكوردية الاصيلة الغنية بمقومات اللغة في الجانب الثقافي، ولم يحس ما كان من المنتظر ان يتم من هذا الجانب كما وعدت السلطة، وكل ما نرى هو حرية التكلم والتعبير بلغة الام ليس الا دون اية خطوة ولو قصيرة لاعادة الحقوق الثقافية العامة التي سلبت منه الشيء الكثير طيل عقود من جمهورية اتاتورك العلمانية، والجميع على علم بان العلمانية منها براء.

اما التربية والتعليم لازال كما كان ولم تخطو السلطة والحكومة اية خطوة في هذا الجانب ولم نر ولو روضة للاطفال او مدرسة ابتدائية تتعلم فيها ابناء هذه القومية بلغة الام على الرغم من الوعود والعهود المقطوعة نظريا ولاسباب معلومة، ورغم ضغوطات الاتحاد الاوربي وليس من استرضاء الذات وبارادة السلطة نفسها كما نعلم، ولكن دون ان يُنفذ شيء في هذه المنطقة المنكوبة.

هذا اضافة الى عدم ملاحظة اي تقدم يُذكر في الجوانب الحياتية الاخرى على الرغم من استجابة المقاومة والحركة التحررية الكوردستانية لما تتطلبه الظروف الدولية العامة، ومن اجل التقارب لايجاد الحل الجذري للقضية الكوردية الشائكة، وقدمت عمليا ما يثبت النية الحقيقية الصافية للحل واحقاق الحق مهما كلف الامر.

 وهذا ما يدع اي مراقب ان يشكك في نوايا السلطة التركية ولو انها تعيش في الصراعات الداخلية مع الجهات المانعة، ولكنها لم تفعل هي ايضا ما يطمئن به الشعب الكوردي ليكون لها سندا حقيقيا على ارض الواقع وفي صراعاتها المتعددة، لا بل جل ما تهتم به هو كيفية ازدياد وسعة شعبيتها في هذه المناطق على حساب الاخرين، من اجل فوزها في الانتخابات باسم حل القضية الكوردية، والاعذار غير مقنعة مهما كانت تعقيدات المسالة والاطالة والتملص والتلكؤ لم ينفعها في اي شيء.

 العصر الجديد وما يفرضه العالم وتمليه العولمة والمتطلبات الجديدة للعصرنة والحداثة والتمدن ل تدع ان تموت قضية حقيقية صادقة باي اسم كان، ولم يبق امر اسمه شان داخلي، فالعالم يدقق في كافة الشؤون التي تهم الانسان، والخطوات الجريئة المطلوبة في هذا الوقت ومن هذا الجانب هي التي تقصر المسافة بين تركيا والاتحاد الاوربي، وان كانت النوايا صادقة ونابعة من القناعة وايمان المعنيين بحل هذه القضية السياسية الانسانية المتعددة الجوانب، فان الحلول تكون بينة ويمكن التوصل اليها مهما بلغ الامر من التعقيد، هذه العملية التي تحوي في طياتها العديد من الامور ستعود عند نجاحها بالخير لكلا الجانبين، ولا يفيد التلكؤ اي طرف وخاصة السلطة التركية بالذات.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1329 الجمعة 26/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم