أقلام حرة

البرلمان القادم يثبُت الشرعية ام يكرس الحزبية؟

وكم شاهدنا ماحدثت من الازمات وتدخلت الاطراف الداخلية والخارجية في الكثير منها، وبالاخص الحساسة التي كانت تمس السياسة العامة للبلد وظروف المجتمع ومستقبله ونظامه بشكل عام. ورغم انقضاء هذه الدورة المليئة بالتشنجات والتجاذبات والتلاسنات والمماحكات الزائدة عن حدها الا انها لم تمرر ما كانت مؤملا من القوانين المنتظرة والتي تعتمد عليها الناس وهي ما فرضتها البنود الرئيسية في الدستور، والذي يكلف البرلمان في طياته ان يصيغ ويقر هذه القوانين وتكون نافذة المفعول حال الموافقة عليها.

الصراعات السياسية بين الكتل احالت دون امرار اي قانون بشكل سهل وسلس، ولم تثبت الشرعية بشكلها الكامل والنهائي، للتناقضات التي برزت والتي حدثت اثناء عمل الكتل  تعاملهم مع الاحداث وفق ما ترتضيهم من دون اي اعتبار للقانون والشرعية المطلوبة الاستناد عليها، وكانت هناك اسباب ثانوية اخرى ايضا تمنع ما كان يجب ان يعمل به النائب في البرلمان، ويطرح ارائه بصراحة ومنها تبعيته ومدى ايمانه وحزبه بالدستور وما جاء فيه، والمطالبة من قبل اكثر من طرف لتعديل الدستور، ورفضه بالكامل من قبل الاخرين، وانتقاء البعض بمواد دون اخرى لتعديها، والاصرار وتكثيف الجهود بشكل مستميت من قبل الجهات لتغيير الدستور قبل اقرار القوانين، وكان هذا نابع عن الدوافع السياسية واغراض مصلحية فكرية عقيدية ايديولوجية بحتة.

هناك من القوانين الحياتية التي تعتبر من اهم الركائز الاساسية التي يجب ان يستند عليها   النظام الجديد في العراق، واهم دعم واسناد لترسيخ الديموقراطية، والديموقراطية تصبح عرجاء من دون امرارها، ولكنها لم تقرر خلال هذه المدة الطويلة من عمر البرلمان، ومن ضمنها قانون الاحزاب والصحافة والاحوال الشخصية التقدمية وغيرها، ومن الضروري ان تمرر هذه القوانين في الدورة المقبلة وعلى الجهات العمل على عدم تاجيلها مهما كانت الاسباب الذاتية المحضة لديهم . وبعيدا عن تلك القوانين الاساسية التي لا تقل اهميتها عن الدستور بحد ذاته لا يمكن الاطمئنان على النظام الديموقراطي ومستقبل الشعب العراقي وتجسيد الحريات العامة وتثبيت الشرعية وسمو القانون وسيادة البلاد.

 ان الشعب بكل مكوناته وفئاته يتوسم خيرا من البرلمان القادم وبشكل نسبي ايضا، وينتظر ان ينعكفوا على اداء واجباتهم الرئيسية ضمن اطار البرلمان وان يتجاوزا الخلافات الحزبية والسياسية والفكرية والتعصب والصفا ت الشاذة عن الشعب، ويودعوها خارج قبة البرلمان كي ينجحوا في مهامهم وعملهم، وعندئذ يمكن ان ننتقل بالنظام العام الى مرحلة متقدمة ومستوى يمكن تحقيق الاهداف العامة للشعب ومن باب اقرار القوانين الضرورية والتي هي من الاولويات العمل، وهي المرشدة للجميع في سبيل ضمان ترسيخ الشرعية وابعاد اية فرصة للاجتهادات الفردية والمزاجات الشخصية والمصالح الحزبية الضيقة، ولكي يكون القانون هو الفيصل في تمييز القضايا والنظام السياسي العام .

 عند مقارنة ما كنا فيه من الوضع السياسي العام وما فيه الكتل السياسية المسيطرة على زمام الامور وبيان ثقل كل منها في البرلمان المنتهي مدته، وتابعنا الية عملهم ودور المناصب الحساسة والمتنفذة وعلاقة السلطات الثلاث التنفيذية التشريعية القضائية ودور كل منها في ادارة سياسة البلاد وتطبيق النظام،و التغييرات التي حصلت والانسحابات التي حدثت بين مكونات الكتل والمواقف والاراء التي طرحت، نتاكد بان الشرعية كانت بعيدة المنال وكل ما كان مسيطرا وفاصلا في العمليات السياسية هو المصالح الحزبية، والمقاييس اختلفت من موضوع لاخر ومن التعامل مع قانون ومشروع واخر. التوافق كان سيد المواقف في اكثر الاحيان مما فرض المساومات وتعقدت التفاصيل ومنحت فرص التدخلات لكل من هب ودب اقليميا وعالميا .

 الواضح في الامر ان الاحزاب جميعا قد تاثرت بما جرى خلال هذه المدة على الساحة السياسية ومدى تاثرها بانت من تغيير ثقل كل منها بين فترة واخرى، ولم نجد حزب الا واستاثر بمنصب وموقع حكومة لغرض بقائه ونموه واتساع مساحته الجغرافية في التنظيم والتاثير. سيطرت الحزبية على المواقع التي كانت من المفروض عدم خوض الحزبية في تلك المسارات، لا بل شاهدنا وزراء اسسوا احزابا استنادا على مواقعهم الحكومية واخرى ثبتوا نفوسهم ونفوذهم بالحصول على مواقع وحسب المحاصصة التي اعتمدت بعيدا عن الكفاءة والاخلاص والخبرة . وحتى القوانين التي كانت من المؤمل اقرارها توقفت على مدى استفادة كل حزب وكتلة منها، واوجدت الحجج الواهية لعدم امرار ما لم يكن لصالح تلك الاحزاب وخاصة الكبيرة منها مها كانت مصيرية او لصالح الشعب . اي التوجهات والتحزب والتقارب والتحالف تركز على اسس خاصة ومصالح مشتركة ضيقة، وكانت هذه المصالح هي المقياس الوحيد في التوافق على امرار اي قانون، وكانت هذه الصورة واضحة وبشكل جلي في عمل البرلمان خلال هذه الدورة المنتهية.

 اليوم وما نشاهد من التحالفات والقوائم التي من المحتمل ان تسيطر على البرلمان، وهي التي يمكن ان تستغل القبة وحسب نواياها واهدافها واصالتها، وهم ليسوا الا احزابا واطرافا كانوا لحد الامس متحالفين وبعدما تغيرت الموازين واختلطت الامور فتشكلت اخرى وكل ما نرى هو تبادل للمواقع بين مكونات الكتل، الا ان الحال لا يمكن ان نعتبرها باحسن مما تكون في الدورة المنتهية بشكل مطلق على الرغم من التفاؤل الذي يسود العديد، لان المعادلات المختلفة والخارطة السياسية المتغيرة لن تكون جذرية الاصلاح والغيير، وكل الامل في انبثاق الحكومة بوجود معارضة مراقبة وفعالة،و من المحتمل ايضا عدجم سيطرة التوافق السياسي بشكل كامل في هذه الدورة، لان السلطة ستكون بيد مجموعة التي ربما تتكون من تحالف عدة كتل دون اخرى،و التيهي بدوزرها ستظل على الساحة وتعمل في جبهة المعارضة في الدورة القادمة، وستكون الانتخابات محطة فاصلة لغربلة العديد من الاطراف التي طفت الى السطح . هذا ما يدعنا ان نعتقد ان تكريس الحزبية سيكون هو الغالب وسيتعمق على الرغم من الاستناد على الشرعية غير المكملة، وستمرر قوانين مهمة مما يفتتح المجال لاداء عمل السلطة بشكل منفتح وجدي، وربما تتخلل عمل البرلمان اشكالات وازمات كما حصلت من قبل، الا ان المرحلة ستكون متنقلة وفاصلة وسنتوجه نحو تثبيت الشرعية بشكل نسبي لاكمالها في الدورات البرلمانية المقبلة وبخطوات متتالية. 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1330 السبت 27/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم