أقلام حرة

عندما يأتي محمد ...

يعاني ضائقة فلا أحد يزوره او لربما لا أقارب لديه او اخوة . بينما السجناء الآخرون قد أنعمت عليهم الظروف ببعض الزائرين الذين يأتون ليخففوا عنهم وليرفدوهم ببعض المساعدات بالاموال والطعام او الكتب المسموح بها .

 السجين سين يجلس ملوما محسورا ، كسيرا لاعنا حظه ، فهو بالمقارنة مع المحيطين يعتبر يتيما في نظر المال والحلال والجاه ! اما الآخرون فهم اهل المال والحلال .. اذا قارن نفسه بالكثير من السجناء فهم مثل سكان قصور وهو من سكنة الاكواخ . هم الموظفون ذوي الياقات والربطات وهو فراش في باب الوزارة او المديرية . اذا قارن نفس بهم فهم اقطاعيون وهو فلاح معدم او هم أرباب العمل المتخمون وهو العامل الأجير.

 كان السجين سين بطبيعة الحال هذه ابي نفس لايتنازل فيذهب لكي يقترض من المسيورين نوعا ما ، ممن يستلمون سلال الطعام اثناء المواجهة . كان يعرف صنفه واصدقاءه وزملاءه او رفاقه او خلطائه وبنفس الوقت ينظر شزرا ومن طرف خفي الى الذين قضاياهم قضايا اخلاقية او قضايا سرقة فيقول عنهم انهم " زبالة " .

 سمع ذات يوم بأن احد اقاربه " محمد " سوف يأتي ليزوره ومحمد شاب صغير في المتوسطة وهو كما يتذكره تلميذ ذكي محب للدروس جدي يحترم الوالدين ويطيعهما ولخصاله الطيبة تلك فان السجين سين كان قد توجه اليه قبل عامين بالاحاديث عن الفقراء وعذاباتهم وجوعهم وعن الاسباب التي ارغمتهم على العيش في الاكواخ والصفيح الخ ، ويبدو ان محمد لم ينس تلك الاحاديث الطيبة والافكار الانسانية فقرر المجيء بعد ان سمع من الاصدقاء بان سين سجين .

 قيل ايضا للسجين سين بأن محمد سيأتي بطعام وسجائر ومبلغ ما . فرح سين كثيرا كثيرا وانتظر يوم المواجهة ... وبالمقابل فقد بدأ يقترض السجائر والنقود واي شي يُقرض الى حين المواجهة، وهو يقول لنزلاء السجن : سارجع لكم المبلغ " لمّنْ يجي محمد" عندما يأتي محمد . وقد كثرت القروض وزادت الطلبات والأمل معقود على مجيئ الشاب محمد .

 طبعا لابد من التنويه الى ان السجن خارج المدينة وان الشاب محمد كما يبدو على درجة طيبة من المسؤولية والشعور بغربة وعذاب السجين سين ، ولذا فهو سيقطع مسافة بحدود 50 كيلو مترا بالسيارة . وايضا لابد من التنويه بأن السجناء فرحون بالمواجهة خاصة انهم سيستلمون المبالغ المقترضة والسجائر والحاجيات البسيطة الاخرى . كانوا كما يقولون بالدارجة العراقية " حادين سنونهم " اي متحمسين جدا جدا لاسترداد الدين .

 حل يوم المواجهة وكانت البسمات على الوجوه والاستعداد باد ٍ لمواجهة الاهل والاقارب ، والاصدقاء والرفاق ، والاستماع الى آخر الأخبار وكل شيء على درجة من التشبث والفرح والانشراح. وفي الموعد اياه دخل الناس واستمتعوا بلقيا بعضهم بعضا . وقد جاء محمد والتقى بالسجين سين . واذ انقضى الوقت بسرعة كعادته ـ الاوقات السعيدة كما هو معلوم تنقضي كالبرق ـ والثقيلة العياذ بالله فانها كما قال ابو فراس وهو في السجن عند الروم: "بكل زمان لايسرك طول ُ" . واذ انقضى زمان المواجهة وخرجت الناس واغلقت الابواب وعاد السجناء الى حجراتهم ، فقد انتبوا الى عدم وجود سين بينهم وما ان مر وقت ما حتى ظهر سين حزينا أسيف الوجه ! قال  بألم وحسرة ، بينما السجناء ينتظرون رد الدين :

ـ يا اخوان للأسف الشديد ارجوكم ان تسامحوني ، فالظرف كما يبدو استثنائي !!! محمد يريد العودة الى المدينة ولكن للأسف لايمتلك اجرة الطريق !!! وارجو منكم رحمة لوالديكم، ان تجمعوا له اجرة السيارة: الكروه " !!!!

*******

 

توْق ٌ أخير: سؤآل: اذا حاول سين ان يقترض منا مرة اخرى على امل ان يأتي محمد مرة اخرى !!! فهل نقرضه على بياض بل على سراب؟ زائدا التوقعات بجمع اجرة سيارة اخرى لمن لا " كروه " له؟ هل نحن مخدوعون ونعلم بأننا سننخدع، ومع ذلك نشترك بخديعة انفسنا بأنفسنا؟ .

ـ أصل الحكاية أعلاه: طريفة حدثني بها صديق ما، قمت بصياغتها تحت عنوان عندما يأتي محمد ـ سامحوني على اسلوبها المباشر فللضرورة احكام.

2010/3/3 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1334 الاربعاء 03/03/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم