أقلام حرة

هل يعيد التاريخ نفسه؟

فردانية الحالة العراقية فتاريخ العراق مشهود له بالتكرارية المملة وتجدد الحوادث الماضية بتطابق يبدو على قدر كبير من التشابه ليس لأن العراق كان ولا زال مسرحا للصراع المحلي والعالمي فقط ولا لأن العراق كان مصدرا للحضارات التي تركت تراكماتها التاريخية في طيات تفكير شعبه بحيث أصبح لديه خزينا هائلا يستخرج منه أنموذجات مختلفة ليطبقها من جديد متى يشاء وإنما لأن للعراق تفردا في كل شيء واختلافا عن الأمم والشعوب والأوطان الأخرى حتى تكوينه الجيولوجي يختلف حيث تجد في العادة مجموعة كبيرة من البلدان تعيش على لوح تكتوني واحد وتجد قارة كاملة أو أكثر من قارة تعيش على لوح واحد ولكن العراق البلد الوحيد على الكرة الأرضية الذي يعيش لوحده دون سواه على لوح منفصل عن ألواح الأوطان والجغرافيات الأخرى. العراقيون أنفسهم يعرفون هذا التفرد ولذا تسائل عالم الاجتماع العراقي المرحوم علي الوردي فيما إذا كان العرب يختلفون عن غيرهم من الشعوب وإذا ما كان العراقيون يختلفون عن غيرهم من العرب؟

وهناك في تاريخنا الكثير من الحوادث التي تكررت بتطابق غريب جدا حتى ولو بعد مئات السنين، وأنا أقرا في تاريخ الطبري وجدته يصف أحدث سنة 201 هجرية وكأنه يتكلم عن أحداث سنة 1431 هجرية بالكامل ومما جاء في حديثه عن حوادث بغداد في تلك الحقبة قوله: إن فساق الحربية والشطار الذين كانوا ببغداد الكرخ  آذوا الناس أذى شديدا وأظهروا الفسق وقطع الطريق وأخذ الغلمان والنساء علانية من الطرق فكانوا يجتمعون فيأتون الرجل فيأخذون ابنه فيذهبون به فلا يقدر أن يمتنع ... فلما رأى الناس ذلك وان السلطان لا يغير عليهم قام صلحاء كل ربض فمشى بعضهم إلى بعض وقالوا: انتم أكثر منهم فلو اجتمعتم حتى يكون أمركم واحدا لقمعتم هؤلاء الفساق ... فقام رجل من ناحية طريق الأنبار يقال له خالد الدريوش فدعا جيرانه وأهل بيته على أن يعاونوه وشد على من يليه من الفساق والشطار ... ثم قام من بعده رجل من أهل الحربية يقال له سهل بن سلامة الأنصاري .. ويتحدث الطبري بعدها كيف اختلف هذان الرجلان فحينما منع الأنصاري كل من يخفر(الأهالي الذين يحرسون مناطقهم ليلا) والذين يشبهون الميليشيات التي أخذت تحرس محلاتها بعد الاحتلال وتنامي أعمال الشغب بقوله لا خفارة في الإسلام فخالفه الدريوش وقال: أنا لا أعيب على السلطان شيئا ولا أقاتله وقال سهل: لكني أقاتل كل من خالف الكتاب والسنة..

 ثم بعد هذا الخلاف دخلت قوات منصور بن المهدي ودخل عيسى بن محمد بغداد بعسكره وتقوضت جميع عساكر الفساق والشطار و(الإرهابيين)..!!

وقد أدهشني هذا التطابق بين التاريخين رغم وجود سلسلة تاريخية من الأحداث المختلفة التي وقعت على مدى إثني عشر قرنا وأدهشتني حتى مفرداته ولاسيما منها بداية انطلاق الصحوة من درب الأنبار وتشابه أسماء الدريوش وأبو ريشة ثم الخلاف الذي حدث بين الدريوش والأنصاري بسبب موقف السلطان (الحكومة) من الفساق (الإرهابيين) ثم دخول عسكر الحكومة (قوات الجيش والحرس الوطني والشرطة الوطنية) إلى بغداد واستتباب الأمن وعودة الأمور إلى مجاريها بما فيها الصلح بين الأنصاري والدريوش. وقد ينبيء ذلك أن الأيام القادمة ستشهد انتهاء الصراع الداخلي في العراق واستتباب الأمن وعودة المياه إلى مجاريها وعودة السلام إلى ربوع الوطن والوئام بين الأخوة كما كان، ولكم في التاريخ عبرة

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1339 الثلاثاء 09/03/2010)

 

 

في المثقف اليوم