أقلام حرة

ايها العرب..ديمقراطية العراق زاحفة نحوكم!

بمثل هذه الشجاعة في تحدي الموت والأصرار على أن يصنع  هو الحاكم ويغلق الغلاف الأخير لكتاب تاريخ استبداد الرجل الواحد بالسلطة. ويبدو أن العراق الذي كان أول من مارس الانتخابات قبل خمسة الآف سنة ،هو الأول بين العرب الذي يمارسها في الألفية الثالثة (الثامنة) بهذا التنوع من المرشحين الذي بلغ ستة آلاف ومئتي رجلا وامرأة بين متدين وعلماني وشيوعي ووطني ومنتمي ولا منتمي وعربي وكردي وتركماني وايزيدي وشبكي ومسلم ومسيحي وصابئي ومن لايؤمن بدين!...في اعظم تراجيديا للصراع بين الخير والشر...خشبة مسرحها ارض الرافدين وابطالها ثلاثون مليون عراقي وجمهورها هو العالم كله. وكما اكتشف العالم في الفصل الأول من هذه التراجيديا مدى بشاعة وقساوة وقبح الطبيعة البشرية حين يستبد الحاكم بالسلطة، وكيف ان الطاغية الذي يعمّر بالحكم ثلاثين سنة ويكون على يقين أنه سيورثها لأبنائه(وأشباهه في السلطة ما زالوا كذلك)..أن يقينه هذا وهما" ، فان العالم العربي بالذات تعلّم في الفصل الثاني من تراجيديا الديمقراطية أن الوطن في زمن التمدن لا يمكن أن تستبد به فئة اجتماعية أو طائفة حتى لو قدمت عشرات الأف الضحايا .

ودرس ثالث، أن البرلماني الذي يفسده المال ويخذل من ينتخبوه..يسقط اخلاقيا" واعتباريا.. وأن الشعب فيه نزيهون ومخلصون وكفوئون ، وأنهم هم الذين يصنعون الحكومة، لا حاكم يعين هذا ويبعد ذاك على مزاجه.

ومع انها كانت تراجيديا، فقد كانت فيها مشاهد تثير الغبطه...أن ترى عراقيا" قطع مسافة خمسمائة ميل من ولاية اميركية ليصل المركز الانتخابي في واشنطن ويصرّ على أن يضع صوته في الصندوق برغم اعتراض مدير المركز على أن جواز سفره لا يكفي..وأن ترى مقعدا" يأتي المركز الانتخابي بعربته التي يحركها بيديه،وآخر يزحف فعلا على الأرض!، وشيخا" عبر التسعين، وامرأة شهدت زواج احفادها، وآخر ضمّد جراحه من انفجار عبوة للتو وعاد ينتخب!.

صحيح أن كثيرين لم ينضج بعد وعيهم الانتخابي ولم يتعافوا تماما" من أمراض الطائفية والانتماءات العشائرية والقومية، وأن بينهم من لايدرك قيمة وقوة صوته في صنع مستقبل وطن وتحديد نوعية حياة..وتلك دروس وعبر لأشقائنا ، لكنها تراجيديا الديمقراطية في فصلها الثاني التي اسدلت ستارها على خاتمة رددها الممثلون والمتفرجون:

أيها العرب... ديمقراطية العراق زاحفة نحوكم !

 

........................

* ملحوظة:

أظن أن اذاعة نتائج الانتخابات ( بالتقسيط)هي نصيحة سيكولوجية من خبراء امريكيين..ليعتاد الخاسر على تقبل الهزيمة بعملية تشبه تماما موت عزيز تحبه فيقولوا لك أولا: نقلوا والدك الى المستشفى، ثم: والله وضعه ما يطمن ..واخيرا: البقية بحياتك!..ها ماذا تقولون؟

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1345 الاثنين 15/03/2010)

 

 

في المثقف اليوم