أقلام حرة

ذاكرة المستقبل: بياف: نشيد الحب، ورفقة كوكتو

مدينة المسرح، لمناسبة انطلاق الدورة العشرين لايام الشارقة المسرحية .... غدا

 

“الذي يشدو بالأغاني،

 هو الذي يلقي الذعر

 في قلوب أعدائه”

(سرفانتس)

 

لم يكن “أوفيد” يقصدها عندما قال: “تموت الورود، وتبقى الأشواك”، لأن ايديت بياف، زهرة من دون أشواك، فهي التي كانت تقول بلسان همنجواي، من دون أن تعرفه، أو تتخيل تلك الفتاة في “لمن تقرع الأجراس”: تستطيعون أن تدخلوا حديقتي الخلفية في أيّ وقت، وأن تأخذوا ما شئتم من الثمار، ولكن لا تقذفوا الأشجار بالحجارة!

 

كانت باريس بيتها، والأرض غرفة ملابسها، وتمتمات الأكوان حليّها، والكون اللامتناهي مسرحها الأخير، كما هي أغنياتها، وصداقاتها، وعذاباتها حين كانت طفلة، أو عندما سقطت بها الطائرة سنة ،1949 فلم تفارقنا أبداً، إلى أن جاء العام 1963.

 

ولدت عند مكان لا مظلة عنده في شارع باريسي، كان والدها لاعب الجمباز يؤدي عروضه في الهواء الطلق، وكذا أمها المغنية التي اتخذت من الشارع مسكناً، وتابوتاً، ومشهداً، لمطاردات الدائنين والسوقة وأنصاف الرجال.

 

وهكذا كبرت ابديت بياف في الشارع، وأصبحت أيضاً امبراطورة الهامشيين في العالم طراً، بعد الحرب الأولى مباشرة، تغني بصوتها الرفيع الذي يشبه تمتمة طفل، لتلتقي ب “لويس دوبوند” ولتمنحه طفلتهما “مارسيل” التي سرعان ما توفيت.

 

لم تمكث طويلاً مع “دوبوند”، وتعرفت الى “لويس لوبلييه” الذي قال لها: أنت الآن ايديت بياف، وعليك نسيان أي اسم آخر. ولم تكن الشابة المتشردة، وصاحبة الأغنية الخالدة “نشيد الحب” تعرف اسمها المعمداني. لكن “لوبلييه” وجد مقتولاً في شقته سنة1936 بعد سنة واحدة من ارتباطهما.

 

بعد ذلك، جاء “ريموند آسو”.

 ولم يبدد وحشتها، ويعيد إطلاق وحشيتها الرائعة سوى “جان كوكتو” الذي خصّها بإحدى مسرحياته. كان “كوكتو” يقطن نادياً ليلياً، فشاركته بياف هذا الترف. وكان “هنري كونتيت” مثل رديفه “لويس كارير” محطة بلا ظلال في حياتها.

 

حتى جاءت ضربة الكون مارسيل سيردان.

هذا الشاب الملاكم، المتزوج والأب لثلاثة أطفال، الذي يقيم في الدار البيضاء المغربية: كان هو الحب الخالص الذي عانت من أجله، حياً، تؤدي “نشيد الحب”، ومن أجله أيضاً، ميتاً، تتعبد بذلك النشيد الذي يحفظه كثير من الفرنسيين، وكثير من الناطقين بالفرنسية، عن ظهر قلب.

 

سيجعل الحب من هذه المتشردة، تكتب إليه: “أحبك بشكل غير طبيعي وجنوني، ولا حيلة لي في ذلك، فأنت المسؤول عن ذلك، لأنك رائع. ضمني بفكرك، بين ذراعيك، وقل لي: لا شيء في العالم له قيمة غيرك وغيري”.

يرد سيردان على ايديت: “هناك ايديت بياف واحدة، وأنا محظوظ  أنا الملاكم المسكين  لأنها تحبني”.

 

سنة ،1949 توفي سيردان في حادث جوي؛ فبقيت بياف تغني من أجله “نشيد الحب” حتى وفاتها سنة1963 خجولة ومتواضعة مثل تلك الزهرة التي عناها الشاعر “وردزورث”.

 

جمعة اللامي

امارة الشارقة

www.juma-allami.com

الثلاثاء : 16 ـ 3 ـ 2010

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1346 الثلاثاء 16/03/2010)

 

 

 

 

في المثقف اليوم