أقلام حرة

علونة الدولة في سورية

 السوريين المنحدر من الطائفة العلوية، قبل خمسة أعوام، والمنحدر في شكله ومضمونه عن لغة الخطاب الوطني، لأي مثقف كان انتماؤه الثقافي، ومنحدر أيضاً عن مثقف يتظاهر في يساريته المشوهة الانتماء العلماني، لصالح انتماءها الطائفي المحض، بل وحتى المذهبي .

عندما همس ذلك المثقف في حديث طال التاريخ السياسي للإسلام، أن الشيعة، فإنه كان يقصد بشكل غير مباشر، أن العلويين مظلومون من أهل السنة والجماعة، عبر ذلك التاريخ الممتد لأكثر من 1300 سنة من عمر الإسلام.

استغرب بشدة، أن يتم تداول مثل تلك المصطلحات الطائفية في سورية (كأهل السنة، والشيعة) على لسان أي مثقف علماني، وخاصة على لسان مَن يفترض ويتباهى أن تنشئته السياسية والاجتماعية، بحكم انتماءه الطائفي (العلوي) أقل تأثراً بالتيار الديني، نظراً للهوامش والمسافات التي تتيحها (العلوية) لأفرادها، لاسيما وأن الأخيرة، ظلت بعيدة كل البعد، عن الشيعة بوجهيها المذهبي السياسي .

فعندما يلهج مثقفو (العلوية) بلسان حال الشيعة السياسية، ويتبنون مواقفها السياسية والتاريخية، هذا يعني، فيما يعني، أن ثمة تداخلاً غير مرئي بينهما، حاول حافظ الأسد تعزيزه وتدعيمه، من خلال دعم جهود رموز الشيعة السياسية في لبنان والعراق، موسى الصدر وحسن الشيرازي، ذوي الأصول الفارسية، وقد نجح في مسعاه، لجهة تمرير الكثير من الأمور السياسية، وفك العزلة والتقوقع التاريخي عن الطائفة العلوية، ضمن محيطها العربي والإسلامي، أما الآن، فقد تحول ذلك التداخل غير المرئي برموزه، إلى تداخل مرئي ظاهر للعيان، في عهد الأسد الابن، الذي فتح بلا تردد، أبواب سورية، وأبواب الطائفة، على مصراعيها، ليختلط اللون السياسي باللون المذهبي، وينتج لنا في المحصلة نماذج حية، من أولائك المثقفين، الذين غلبوا لونهم الطائفي على لونهم العلماني، تحت تأثير ذلك الخلط الرهيب .

وبالعودة إلى تفسير وتحليل، ما ابتدأنا فيه موضوعنا، حول مظلومية الشيعة، فلازلت مستغرباً سماعها، من ذلك المثقف، الذي لم يجهر بها وحسب، بل وجهر بعلويته، فيما يشبه التحدي والاستفزاز، والذي لن أصفه البتة بمثقف علماني، إنما مثقف طائفي غارق في طائفيته السياسية، وشتان بين مَن يغرق في طائفيته المذهبية (كمتدين)، وبين مَن يغرق في طائفيته السياسية (كمثقف)، فانتهاج الطائفية السياسية في سورية من قبل الوسط السياسي والثقافي، لم يكن دارجاً قبل نجاح طهران في اختراق منظومته السياسية والعقائدية، خصوصاً، وأن ذاك المثقف لم ينكر أو يخفي إعجابه الشديد بالتجربة الإسلامية - الخمينية التي جعلت من الشيعة جسماً واحداً في مواجهة الأخطار وصناعة التقدم العلمي، إلا أنه يبقى مكمن الخطر في انتهاج الطائفية السياسية سبيلاً لإثبات الذات، وتجاوز عقد النقص، مثلما فعل ويفعل غيره من مثقفي النظام السوري .

اليوم، وفي ظل التداخل المريب، بين خيارات النظام الغارق في تحالفه الطائفي مع إيران، لم تعد ثمة غرابة، أن يلهج ما تبقى من علمانيي الطائفة العلوية، بطائفيتهم ويفصحون عن تشيعهم السياسي، بما هو تشيع يساري، لا يقل عن مشايعة رموز اليسار التقليدي، كماوتسي تونغ، وكاسترو، وجيفارا، حديثاً تشافيز، أما رمزهم الثوري المعاصر فهو (نجاد) .

قبل أربعة أعوام 2006، سأل أحد الصحافيين الأتراك النجباء، بشار الأسد في مقابلة تلفزيونية مع إحدى القنوات التركية من دمشق، ما المغزى من زواجك (كعلوي) من أسماء الأخرس (كسنية)؟ كان جواب الأسد بالنفي، وأنه لم يكن زواجاً سياسياً من طائفة إلى طائفة تمثل الأغلبية الساحقة، كونه (الأسد) يمثل " الدولة " وقبل ذاك يمثل " الدستور " وأن " الحالة الوطنية " في سورية لا تفرق بين مسلم ومسيحي، فكيف لها أن تفرق بين مسلم ومسلم، بل وطلب من الصحافي التركي أن ينزل إلى الشارع السوري، ويتحسس ذلك بنفسه، لم يقنع الصحافي التركي حينها، الذي لولا معرفته ومتابعته للشأن السوري، لما سأل هذا السؤال الحساس .

بدورنا نسأل، عن أي حالة وطنية، يتحدث بها " السيد الرئيس " ومثقف ألمعي من الطائفة العلوية، يستل سيفه مدافعاً عن مظلومية الشيعة السياسية الذين تمثلهم إيران الفارسية؟ وعن أي حالة وطنية يتحدث بها " السيد الرئيس " والطائفية السياسية تغرق الجيش والأمن والإعلام، والآن دارت الدائرة على الاقتصاد من خلال رجالات الطائفة ومستثمريها الجدد؟ إذن، ماذا بقي من الدولة القومية - العلمانية " دولة البعث " التي يمثلها النظام؟.

الأكيد أن ما قصده ذلك المثقف في سره، الذي بدا واضحاً لكل ذي بصر وبصيرة، الظلم والقهر الذي وقع على رأس أجداده العلويين، من السنة الأتراك (العثمانيين) وليس بالطبع من السنة السوريين، لطالما باح علناً برد الثمن (المظلومية) نسأل ثانية، ماذا بقي من العثمانيين؟.

ربما كان الثمن المطلوب دفعه وتحصيله، واحد من أثنين، أحلاهما مر، إما أن يتحمل " السنة " أي سنة كانوا في المنطقة العربية، سورية، لبنان، فلسطين أو العراق، دفع الثمن من حريتهم وكرامتهم ولقمة عيشهم، طيلة أربعة قرون، أشبه ما يكون بالثمن الذي تدفعه أوروبا لمظلومية اليهود، أو أن يرد الثمن بالمثل، أي بعلونة الدولة في سورية، كما جرت عثمنتها قبلاً، فالتاريخ للأقوى والأبقى، وكما يقال دائماً، العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم .

كل المؤشرات والوقائع على الأرض، تدل بما لا يقبل الشك، على أن استكمال حلقات التشيع السياسي الذي تتولاه إيران، نجح نجاحاً باهراً في استقطاب وجذب أنظار الوسط الثقافي والعلماني، بل وحتى الديني في سورية، إن على مستوى المشايخ والأئمة، أو على مستوى دوائر الوقف والإفتاء، بتشجيع من النظام، أو بتغافل عنه، بعد أن نجح في عزل نفسه عن محيطه الداخلي، والتحصن خلف خياراته الطائفية التي لا تثق بمحيطها وتتربص منه في كل الأحوال، وفوق ذلك يلهج مثقفوه بطائفيتهم السياسية، بغير خجل أو وجل، و بمظلومية التاريخ وربما الثأر لآل البيت، ضاربين بكل مبادئهم وقيمهم العلمانية عرض الحائط .

 

كاتب سوري

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1346 الثلاثاء 16/03/2010)

 

 

في المثقف اليوم