أقلام حرة

الانتخابات كمحطة لتقييم الذات واتخاذ القرارات المصيرية

الذات كجهة او كتلة او حزب او شخصية مشتركة فيها، اينما اجريت ومن كان المشترك فيها من حيث الشخصية المعنوية او المحتوى، فانها ستبين الحقائق وتوضح امورا ربما تكون مغطاة ومبعدة عن العيون لاسباب ومصالح معينة طيل مدة ماقبل الانتخابات، انها حقا واضافة الى الاستناد على حكم الاكثرية والمستحقين بعد ظهور النتائج فانها عامل هام لكشف ماهو المستور مهما كان ومن وقف خلفه.

التجربة فتية في العراق، وتواجهها صعوبات شتى، موضوعية كانت ام ذاتية الاسباب، الا انها حققت نسبة عالية من النجاح ويجب ان تقتدي بها المنطقة بكاملها، وهذا ما يحدث عاجلا كان ام اجلا، وستتوجه بلدان الاقليم بنفس المسار اليوم كان ام غدا.

اهم ما يمكن ان يؤخذ به خلال هذه الفترة القصيرة من عمر هذا المفهوم المطبق في العراق وهذه المنطقة وما نحن سائرون به هو معرفة نظرة واراء وتوجهات الشعب وتقييمهم للجهات المشاركة وتصفيتهم بطريقة سلمية حضارية، والتي تبعد الكثيرين ممن تعتمد على القوة والسلاح وترغمهم على فض القضايا والمشاكل المعقدة عن طريق صناديق الاقتراع.

لو القينا نظرة تقيمية سطحية على العملية الديموقراطية العراقية خلال هذه الفترة، والانتخابات النيابية كاهم المباديء فيها، وتنوع المكونات الشعبية والتركيبات السياسية والمستجدات التي طرات عليها والمشاركات المتنوعة وما استثمرت والنتائج الاولية التي تبين مدى التغيير في تعامل المواطن مع ما يجري وما تترسب عليه الصراعات واشكالها وما تستقر عليه الاوضاع فيما بعد.

منذ سقوط الدكتاتورية والعراق يشهد قفزات وانتقالات متعددة من كافة النواحي وخاصة السياسية، وتبرز على الساحة قوى وتختفي اخرى ويستقوي البعض ويستخف الاخر. ونرى منحيات متموجة في الشكل والتركيب والحجم على اختلاف انواعها، وهي في حركة مستمرة صعودا ونزولا. نرى العديد من التوجهات الاسلامية المعتدلة الى المذهبية الى القومية الى الليبرالية الحاملة لعدد غفير من التوجهات المتناقضة مع بعضها، نلاحظ تفككات وتحالفات اخرى مصلحية انية ونرى انشقاقات ومن ثم الاتحادات وهلم جرى، فنعد ولم نقدر على الاحصاء فيما بعد.

 المهم هنا، من يعتبر من هذه التجارب ويعيد حساباته بدقة وعلمية ويقيٌم نفسه ويبني برامجه وخططه على قدر امكانياته وما يتمكن نفسه، ويعيد الى اذهاننا هذا ما يتطلبه الواقع والتاريخ وطبيعة المجتمع، ومن يعتمد عليهم ينجح في النهاية مع التجديد والتغيير والحداثة في العمل.

الاهم، بعد اعادة النظر في العمل والصفات والسمات والطريقة المتبعة، كيف تتخذ هذه الجهات القرارات المصيرية الهامة التي تمس نفسه قبل اي احد اخر ومن ثم حياة الشعب ومستقبله، والتي تبدا من الجهات والكتل والاحزاب الى القادة والشخصيات والاسماء والرموز والمواقع المتنفذة.

على الرغم من التركيبة الاجتماعية المتنوعة للمجتمع العراقي الا اننا نلمس التوجهات والنقاط المشتركة بينها هذا ما يمكن ان نثبته بالادلة لو دققنا في نتائج الانتخابات العامة،ونتاكد من ذلك مسقبلا وهذا ما تثبته الايام، وان حسبنا لكل الخصوصيات والسمات المتميزة للشعب العراقي ونظرته العامة الى القضايا والمواضيع العامة يجب ان نفتخر بما قمنا به خلال هذه السنين القليلة واهم ما في الامر هو كيفية تجاوزه الصعاب والمعوقات الداخلية والخارجية التي واجهته.

لا يمكن ان نحدد التشابه في اية صفة بين المناطق المختلفة على الخارطة السياسية الاجتماعية العامة للعراق، الا اننا نرى ما يمكن ان نقول ان الانتخابات الحديثة ارغمت العديدين على التوجه نحو العراقية في العمل بعيدا عن الشعارات الخيالية التي حملها العديدون طوال العقود المنصرمة، وما افرزته من المفاجئات التي طفت الى السطح من الافكار والعقائد والنظرات التي كانت غير متاصلة وما تبجحت بها الجهات السياسية خلال هذه المدة انكشفت زيفها من خلال الانتخابات، فاننا نتلمس تاثيرات التاريخ المليء بالنتاجات الحضارية على العقلية العراقية ومدى ترسيخها كخلفية واضحة في عمله ومسيرته، وتوارثها جيل بعد جيل، واستوضحت بشكل جلي ما كانت الاصيلة وفصلتها عن الزائفة خلال هذه الانتخابات . فاننا نرى من المعتدل والمتشدد، التعصبي القومي الليبرالي واليساري، الاسلامي والمذهبي، الاممي والمحلي، ولكن الخط العريض لجميع تلك الافكار والمعتقدات مبني على ارضية الحضارة العراقية العريقة لخصوصياتها، وبما تتضمنه من السمات والعادات والتقاليد والصفات وما استنتجته الطبيعة الجغرافية والوضع الديموغرافي العام في العراق.

ما تتطلبه الحداثة وما تفرضه ظروف اي جهة او حزب هوالاسراع في اتخاذ القرارات المصيرية الجذرية الضرورية واعادة تنظيم الذات وقراءة ما تدعوه معطيات نتائج الانتخابات وما اصبحت واضحة للعيان، ان الشعب العراقي بجميع فئاته تهمه الاعتدال والوسطية في جميع النواحي الفكرية الفلسفية والايديولوجية، وانه شعب يحب الحياة، ومن لم يبن قراراته على هذه القاعدة سيتراجع رصيده يوما بعد اخر، اي ان هذه المحطة برزت لنا المساحة الواسعة من تفكير الشعب وما على الجهات ان تنعكف عليه فيما بعد من اجل مصلحته وليس لشيء اخر، وما على الجهات والاحزاب ان يتخذوها من القرارات وما يجب الاقدام عليه بعد هذه العملية الديموقراطية هو قراءة النتائج بعقلانية وعلمية .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1347 الاربعاء 17/03/2010)

 

 

في المثقف اليوم