أقلام حرة

استغلال الانتخابات الايرانية للتنفيس عن المكبوت عند الشعب الايراني

وفي الجوهر لم يكن كذلك، بحيث يمكن ان نقول انهم لبسوا الثوب الخاص من ما يسمونها الديموقراطية الايرانية الاسلامية، وفي الحقيقة انها القشرة الخارجية التقليدية التي تغطي الجسم وما موجود هو اللب السلفي على الارض الواقع . في حقيقة الامر، لو نظرنا الى المرشحين وحياتهم وافكارهم واعتقاداتهم وتاريخهم ( جميعهم دون استثناء ) من معتدليهم الى المحافظين المتشددين الغيبيين منهم، يجولون ويصولون في مساحة صغيرة اطارها محدد وباتجاه واحد دون الالتفات الى اليمين واليسار، انهم اسلاميون مذهبيون يخدمون الروح القومية الفارسية باسم الدين والتشييع . واما ما نراه من الجدالات والمناقشات في كل مكان انها منتهية الصلاحية منذ اعلان اختيار المرشحين من قبل المجلس المحدد الخاص بهذا الامر والذي يحدده ويعينه الولي الفقيه، وهو الحاكم المطلق والذي لا يخرج من يديه شيء يمكن ان نسميه الديموقراطية بمعنى الكلمة، هل شاهد احد منذ الانتخابات الاولى في ايران مرشحاعلمانيا او اعتداله خارج الاطار المحدد للمذهبية والدينية، هل احس احد بطعم الحياة المعاصرة المدنية في خطاب اي كان وحتى المعتدلين منهم، هل سمع احد ما يمكن ان نسميه المباديء الاساسية العامة للديموقراطية الحقيقية في حرية الاختيار والتعبير وتاثير الراي العام، من شاهد مرشحا غير فارسيا، من لاحظ طيلة التجارب الانتخابية في جميع الدورات مرشحا غير شيعيا، ما هو الملاحظ انمن يختاره مجلس الخبراء الاعلى هم من المقبولين من قبل الحوزة القمية، من لمس عقلية وفكر مرشح يلمح الى التوسع في نوعية الحكم غير الجوانب الهامشية غير الاساسية، من ذاق طعم ولو جملة طيبة من احد المرشحين في اعلان حق تقرير المصير للقوميات والفئات والشرائح المستحقة، من لم يحس باستعلاء الخطاب الديني الشيعي على كافة الاراء والافكار والخطابات الاخرى .

 

هكذا اذن العملية بمجملها خلط الاوراق وتضليل باسم مفهوم الديموقراطية بعيدا عن جوهرها الحقيقي. وكما نشاهد ان تهيج الشارع في هذه الايام للترويج عن المرشح المطلوب ضمن الاستراتيجية العامة للحوزة لاختيار احد ممن هو مختار من قبل الحاكم المطلق، وهو مرشح وناجح في امتحان السلطة الحقيقية الشمولية، اما النقاشات وما يدفعون الشعب من اجل التنافس كتقليد مظهري وخارجي وكقشرة يابسة لما يجري في العالم الغربي، ويضللون الشعب باسم الديموقراطية ويستجدون حركة او ما يمكن ان تسمى البدعة الديموقراطية المظهرية ومن اجل كبت الاراء المخالفة والغاء الاخر وما ابدعوه اخيرا من المناظرات التقليدية للمرشحين الامريكيين للرئاسة وبطريقة اسلامية، ولكن على النغمة المذهبية، ليقارن الشعب ويقول ان هذه هي الديموقراطية بعينها، والواقع والحقيقة غير ذلك، ليست هناك منافسة شريفة وترشيح حر بين جميع الافكار والاعتقادات والاراء، لا يمكن قطعا ان يكون المرشح غير مجاز حوزويا ويجب ان يكون تحت رحمة القائد الاوحد، ولم يتضلل الا الاحداث والشباب غير الواعين ومن لم يمروا بهذه التجارب وهناك المصالح الذاتية قبل اي شيء اخر . فهل يعقل ان يهتم بلد بالسلاح النووي وهو في وضع يعيش اكثر من ربع سكانه تحت خط الفقر، وهو لا يبالي بما يجري على الساحة الداخلية، والاهم عنده هو المنافسة غير الصحيحة لقوى العالم وعلى حساب الشعب ومعيشته .

 

يمكننا القول ان النظام الايراني استغل الحداثة وما موجود الان من التمدن مقلدا الغرب باسم الانتخابات وفي باطنها معاني واهداف مضمونة ومعلومة مسبقا،و لا يمكن انتظار التغيير والاصلاح، وان كان هناك تيار يسمي نفسه اصلاحي، وينتظر التغيير بعد الاصلاح العام فشرطه الاول المهم،يجب ان يكون بيد من لم يخرج من رحم هذا النظام المقيد لكل التحركات .

 

و ما يلاحظ خلال هذه الايام من التحركات ضمن الحملات الانتخابية الرئاسية الايرانية اكثرها مكشوفة وليس دعما لجهة دون اخرى بقدر انها اظهار للمواقف والاراء المكبوتة واستغلال الفرصة المتاحة للتعبير عما هو مكبوت، فهناك جانب واحد شمولي مسيطر على زمام الامور ويعتبر من ليس معه فهو ضده ويتعامل معه على هذا الاساس، اما الجانب المعتدل لا يختلف كثيرا عنه من حيث الترشيح،غير ان المؤيد هو من له الاهداف الابعد مداً من الانتخابات الرئاسية ولن يستقر الا يتحقيق احلامه . ويمكن ان يعتبر ما يدور من وراء الحملات الانتخابية ثورة شعبية سياسية سلمية بيضاء، وعلى الجهات والتيارات السياسية السرية استغلالها لتحقيق اهداف الشعب العامة وضمان مصالحهم المستقبلية .

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1075  الخميس  11/06/2009)

 

 

 

 

في المثقف اليوم