أقلام حرة

دلالات التأييد الشعبي الواسع لائتلاف (العراقية)

ملفت للنظر ومثير لدهشة المراقبين الذين لم يتوقعوه وبهذه السعة بعد ما حصل للعراقية من تشرذم وانسحابات داخل مجلس النواب السابق بسبب مواقف بعض اعضاء القائمة السابقة من رئيسها الدكتور اياد علاوي الذي كان يقيم معظم وقته خارج العراق، ومن هناك يوجه سياساتها وبشكل دكتاتوري كما صرح العديد من اعضائها المنسحبين، والذين انضموا الى قوائم أخرى في هذه الانتخابات مثل (دولة القانون) و(الائتلاف الوطني)، واما النائبان الشيوعيان المنسحبان منها ايضاً وأحدهما زعيم الحزب الشيوعي العراقي (حميد مجيد موسى) فقد انضويا تحت لواء قائمة الحزب (اتحاد الشعب) التي دخلت الانتخابات منفردة. ومن اسباب الانسحاب من العراقية أيضاً عدم رضى المنسحبين من المواقف السياسية العامة للقائمة.

 

ومن المثير للتفكير والتأمل ايضاً بهذا الفوز انه حصل رغم الحملات الاعلامية ضد القائمة العراقية ومكوناتها وقادتها واتهامهم بأنهم يمثلون البعث وأنهم ينوون التغيير الشامل لاعادة البعثيين الى السلطة أو على الأقل الى مراكز القرار المؤثرة في حكم العراق.

 

إنّ الفوز الكبير لائتلاف العراقية يجعلها القوة السياسية الثانية بعد دولة القانون ولحد اللحظة، إنْ لم تحصل مفاجآت، وبما لم يكن تتوقعه الائتلافات السياسية الأخرى وبالذات الحاكمة والمتحكمة بالشارع الموالي لها، والتي كانت تثق بنفسها وبالتأييد الجماهيري الواسع والساحق لها من خلال قراءتها للشارع العراقي وما يؤثر فيه وبالخصوص في المحافظات الموالية مذهبياً والتي شحنتها مذهبياً أو عن طريق التخويف من عودة البعثيين من خلال الانتخابات وعودتهم للحكم ثانية وبخاصة أن هذه المحافظات قد عانت من ظلم وويلات النظام السابق الذي ملأها بالمقابر الجماعية، وخاصة في انتفاضة شعبان/آذار عام 1991 . لكنّ الانتخابات الأخيرة جاءت بحصاد البيدر على غير حساباتها وتوقعاتها ورؤيتها ومن أرض نفس الحقول. وهو ماقلب الموازين وصدم الرؤية وضبّبها. صحيح أنّ فوز العراقية في مناطق الجنوب لم يكن مدوياً، لكنه مع ذلك فوز وحصول على أصوات ومقاعد وتأييد مما قد يتسع مستقبلاً بحسب معطيات ما بعد الانتخابات وتشكيل الحكومة القادمة وأداء الائتلافات وكتلها وقادتها ونوابها ووزرائها والأحزاب المنضوية فيها وقبل كل ذلك تنفيذ برامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والكهربائية والمائية، وليس بيع الكلام والاثراء غير المشروع والصراع على الكراسي فحسب.

 

بدأ البعض منذ اليوم يراهن على فشل العراقية من خلال الأمل بانشقاقها مستقبلاً على اساس طريقة تشكيلها من كتل سياسية لها تأثيرها ومكانتها ولكل منها أجندتها وطموحها في وصولها الى المناصب والمراكز السيادية بما يؤمن لها تنفيذ مشاريعها وبرامجها السرية غير المعلنة، والتي تتخوف منها الائتلافات الأخرى على اساس اتهامها بأن هذه الكتل لها توجهات بعثية مؤيدة للنظام السابق أو متأثرة به. وتعتمد التحليلات هذه في أنه ربما تحدث منافسات بين قادة الكتل المنضوية في العراقية على توزيع المناصب واتخاذ المواقف ورسم السياسات، وخاصة هي اسماء بارزة لكل منها طموحه وتوجهاته واجندته التي دخل بها الانتخابات ومن أجل الحصول على عضوية مجلس النواب وبعدد موالٍ له مما يؤهله للتأثير في رسم السياسات والتشريعات وتنفيذ الطموحات، وليس أفضل من دخول ائتلاف يجمعه مع القوى التي يلتقي معها في العديد من الملفات والمواقف، مثله مثل ما حصل في الائتلافات الاخرى. فلو نزلت هذه الكتل منفردة لتشتت الأصوات ولربما لم تحصل على كرسي  في البرلمان القادم. وقد أشار بعض المحللين والمراقبين ومنهم امريكان وبريطانيون على أن ائتلاف العراقية برئاسة اياد علاوي والائتلاف الوطني العراقي برئاسة عمار الحكيم مقبلان على انقسام داخلهما، والتصريح الأخير لنائب السفير البريطاني في العراق جون ويلكس اشارة الى ذلك الانقسام المتوقع والذي سيعقد الأمور.

 

إنّ السؤال الذي يُطرح ويحتاج الى تأمل ونظر هو:

ماهي دلالات فوز ائتلاف العراقية وبهذه القوة والاتساع والكثرة البرلمانية المؤثرة مستقبلاً على تشكيل الحكومة القادمة واتخاذ المواقف السياسية والقوانين والتشريعات والقرارات وعلى الحياة السياسية عموماً واتجاهات الرأي العام العراقي؟

 

وبالنظر في احوال العراق ما بعد 2003 وتداعيات الاحتلال والقوى الطائفية والقومية التي مسكت بزمام الأمور والسلطة وحكمت على اساس المحاصصة يمكننا استنتاج أسباب هذا الفوز ودلالاتها بما يلي:

 

1-   مشاركة المقاطعين السابقين من محافظات غرب ووسط العراق، ومن السنة العرب خصوصاً وبشكل واسع جداً فاق المحافظات الأخرى وقد صوتوا في غالبيتهم الساحقة للعراقية، منطلقين من العبرة التي أخذوها في مقاطعتهم الانتخابات السابقات مما أدى الى تهميشهم وصعود من يمثلهم اسماً وليس اختياراً حراً منهم.

2-   حصول العراقية على أصوات البعثيين السابقين عموماً المؤدلجين منهم والقسريين ربما، وبخاصة بعد الحملة الأخيرة على البعثيين بعد التفجيرات الهائلة التي ضربت الوزارات والتي أتهموا بها، فكانت قرارات طردهم من وظائفهم في بعض المحافظات الجنوبية ومحافظة بغداد بعد الخطاب الناري العاصف لمحافظها اثر التفجير الذي ضرب مركز المحافظة ووزارة العدل في اكتوبر 2009 والذي قرر فورياً وبشكل عاصف متسرع طرد الموظفين البعثيين من المحافظة وذلك في خطابه امام الحشود في الحقل التأبيني لشهداء التفجيرين المذكورين. تبعه في ذلك محافظات جنوبية منها كربلاء وذي قار والبصرة وميسان. وهذا مما أوقع الذعر في نفوس البعثيين السابقين الذين ربما تبرأ الكثير منهم من ماضيه واندمج في التغيير وانضم الى الأحزاب والقوى السياسية الجديدة. وهذه المواقف والقرارات المتشنجة والسريعة تقف بالتأكيد وراء تصويت الألوف من هؤلاء لقائمة العراقية وفي محافظات الوسط والجنوب . اضافة الى قرارات هيئة المساءلة والعدالة في اجتثاث المئات من المرشحين للانتخابات بتهمة الانتماء لحزب البعث المنحلّ، وكذلك للعديد من المسؤولين والموظفين المدنيين العاملين في دوائر الدولة ولم يظهر منهم ما يشير الى معاداة النظام الجديد، من مثل اجتثاث النائب الأول لمحافظ بابل في شباط الماضي.

3-   تذمر وسخط منتسبي الجيش والشرطة والأمن السابقين من ابعادهم عن وظائفهم بعد 2003 وعدم ارجاع الألوف منهم بدعوى ارتباطهم بالبعث وولائهم لصدام حسين، وخشية النظام الجديد من وجودهم داخل القوات المسلحة، وخاصة اتهام العديد من الذين اعيدوا الى الخدمة بالمشاركة في التفجيرات التي حدثت في بغداد من خلال تقديم الدعم اللوجستي للارهابيين.

4-   سوء أداء الحكومة الحالية والحكومات المحلية وعدم تنفيذ الكثير مما وُعد به الشعب العراقي وبخاصة في مجالات الكهرباء والماء والخدمات العامة والاعمار، واستشراء الفساد المالي والاداري والرشوة والمحسوبية والمنسوبية وسرقة المال العام وتهريب البترول بشكل لم يسبق له مثيل في دولة العراق الحديثة. اضافة الى الاثراء السريع غير المشروع للكثير من قادة الأحزاب والقوى والقيادات واعضاء مجلس النواب والوزراء وأعضاء مجالس المحافظات والمدراء العامين وحواشيهم وذويهم ومواليهم، وتصرفهم وكأن العراق بيت محروق الشاطر فيه  من يخرج منه بما خفّ حمله وغلا ثمنه قبل فوات الأوان، في مقابل انتشار الفقر والمرض والعوز والحرمان بين ملايين العراقيين، ناهيك عن الموت المجاني اليومي في الشوارع والأسواق والبيوت من خلال التفجيرات الارهابية والاعمال العسكرية للقوات الأمريكية.

5-   عدم تلمس أبناء الوسط والجنوب العراقي أي تغيير في حياتهم المعيشية والاقتصادية والأمنية والخدمية بعد 2003 مع أن القوى والأحزاب الحاكمة قد جاءت من رحم مناطقهم وهم من نفس المذهب ومن عين المعاناة السابقة من ظلم واضطهاد وتهميش. بل ازدادوا معاناة وفقراً، وهم يشهدون النهب والسلب للمال العام والاثراء السريع غير المشروع لمن يفترض أنهم يمثلونهم وجاؤوا لانقاذهم مما هم فيه وتغيير حياتهم نحو الأفضل والأحسن ونشر الرفاهية والبناء وتحسين الخدمات الضرورية والقضاء على الفقر والتخلف والبطالة التي عانوا ولا يزالون يعانون منها. فهم لم يقارعوا النظام السابق من أجل أن يقيموا فقط شعائرهم الدينية بحرية ويسيروا بالملايين صوب الأضرحة المقدسة ويلطموا كل يوم تاركين بيوتهم واعمالهم، إن كانت لهم أعمال. إن نضالهم الماضي كان من أجل هدف أسمى وهو بناء بلد ديمقراطي حقيقي ومجتمع مدني متحضر مزدهر اقتصادياً وثقافياً وعلمياً وحياة حرة كريمة يعيشون معها كبشر لهم حقوق أساسية وعليهم واجبات أيضاً. فلا غرابة أنهم صدموا وفقدوا الثقة بالقوى والأحزاب القائمة ليتجه الآلاف منهم صوب قائمة العراقية من أجل التغيير من خلال صناديق الاقتراع. وليس منطلقهم في ذلك هو كونهم بعثيين حنوا الى العهد السابق والى بطش صدام حسين مثلما يحاول البعض اتهامهم به لتبرير ذهاب أصواتهم الى غير القوى المتحكمة المصابة بغرور الجماهيرية الواسعة والمستغلة لمشاعر دينية مذهبية أو مظالم سابقة دون تبصر للأسباب الموضوعية وراء ماجرى وسيجرى مستقبلاً. فالناس في النظام الديمقراطي البرلماني يجرّبون الحكومات وعلى أساس تنفيذ البرامج الاجتماعية والاقتصادية والخدمية ومن خلال التجربة تتوجه اصواتهم، فلم تعد ملامسة المشاعر الذاتية الدينية والمذهبية والقومية تؤثر كثيراً في كسب تأييد وأصوات الناس من دون تغيير حقيقي في الحياة المعيشية. وإن كنا لا ننكر تأثير مثل هذه المشاعر  في بلد كالعراق، لكنها تتقلص بحسب معاناة الفرد الاقتصادية والحياتية العامة.

6-   الخطاب الوطني العام والبعيد عن الطائفية والمحاصصة الذي دخل به الانتخابات ائتلاف (العراقية) وقادته وتصريحاتهم الماضية على مدار السنوات السابقة والتي كانت تلامس مشاعر الكثير من العراقيين المعانين معيشياً والمتعايشين بشكل يومي مع الفساد المستشري، فيرون الطائفية والعنصرية والمحاصصة والنهب المنظم والمافيات السياسية والمالية وما جرته عليهم من ويلات وكوارث وموت ودمار، والتي لم تقدهم الى شيء غير المعاناة تضاف الى معاناتهم في حلقة مفرغة لا تنتهي، فهم يريدون بإدلاء أصواتهم تجربة أناس وقوى جديدة في المرحلة القادمة.

 

ولكن مع كل ذلك فالمسألة تعتمد على الاعلان النهائي لنتائج الانتخابات وعلى التحركات السياسية للقوى الفائزة، والتي تتصارع من اجل تشكيل الحكومة القادمة ومن أجل اقتسام كعكة المناصب والقيادات السياسية السيادية وبشكل متوقع من التعقيد والتطويل والمماطلة المتعمدة.

 

 

عبد الستار نورعلي

السبت 20 آذار 2010

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1350 السبت 20/03/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم