أقلام حرة

من اخفق في الانتخابات النيابية العراقية؟

ولم تعمل من النوايا الذاتية فقط او لم تفكر وتخطط لوحدها ابدا، ولم تعتمد على قوتها الذاتية فقط، منها تتكون من قوى تاريخية وقاعدتها وامكانياتها واضحة ويزكيها الواقع والظروف الاجتماعية الثقافية العامة في العراق، واستراتيجياتها لم تتقاطع مع الوضع والارضية التي تعمل عليها ولم تحتاج لغير العمل الذاتي وبشكل مباشر بين ابناء الشعب، ولا يوجد حاجز ما في منعهم من تماسهم وخطابهم للعقل العراقي بمجموعه واكثريته بشكل عام. ان ما يتصف به الفرد من التدين والتحفظ على امور والعاطفة المسيطرة على العمل والعلاقات والروابط الاجتماعية القوية المساندة لعمل هذه الاحزاب والتوجهات بشكل لا يمكن ان تكوٌن اي غبار عليه، وبالاخص في وقت اصبح لكل فرد وعائلة وقبيلة علاقة ومصلحة مع جهة سياسية بعينه لضمان مصالحه وتامين معيشته اليومية وليس العكس كما هو المفروض، وما يؤكد راينا في دور الدول الاقليمية من ابراز من ليس لديه اية قاعدة جماهيرية هو وجود شخصيا ت واحزاب تصل في بعض الاحيان الى حد الاختفاء ومن ثم تبرز بقدرة قادر وتولي امورا وتكون راسا وعلى قمة الهرم، ان لم تكن هذه نتيجة لمعادلات حسابية اقليمية ومذهبية بالذات فبماذا نسميه، وبالاخص اثناء الاوقات الحساسة نرى الدعم والزيارات المكوكية لهم دون توقف. ان من يحمي ويعيٌش الفرد العراقي في هذه المرحلة هو الحزب وما لديه من الامكانية المادية والمعنوية وليس العكس كما هو المعلوم، وهذا لاسباب ذاتية وموضوعية ليس لنا هنا المجال لذكرها وتحليلها، لهذا السبب بالذات نرى الجهات كافة تتدافع وتعمل بكل جهدها من اجل المشاركة في السلطة والاستئثار بها لضمان بقائها لحين تهدئة الامورو تتغير الاحوال وتعاد الاوضاع الى نصابها الصحيح ان امكن. الوضع السياسي الاجتماعي العام يشوبه الخلل ويمكن وصفه بالحالة الطارئة غير الطبيعية، وعلاقة المواطن وانتمائاته الى الاحزاب لا يمكن اعتبارها فكرية عقيدية ومن زاوية ايمانه بالخطاب والمنهج والفكر والقناعة الكاملة بالاهداف والشعارات.

شاهدنا نتائج يمكن ان تثبت لنا هذا الكلام، هناك تكتلات ساعدت مصالح اقليمية على تشكيلها وتحتوي في بنيانها المؤقت على مجموعة من التوجهات المتناقضة ستبقيها هشة وتتناثر عند تعرضها لهبة نسيم سياسي عندما يتقاطع مع مصالحها، لذلك لا يمكن الاعتماد على تماسك هذه الكتل  او ذاك كي نعلن مدى نجاحها في هذه العملية، وهي متكونة اصلا لاهداف انية انتخابية فقط، ولو دخلت مكونات هذه الكتلة على انفراد في العملية الانتخابية لكانت النتائج على غير هذه الشاكلة ولا يمكن ان نحسب نجاح كتلة كحاصل جمع نجاح مكوناتها مهما كانت نتائجها، لذا لا يمكن ان نعتبرها ناجحة او فاشلة بشكل قاطع.

 من التجارب العالمية التي تفيدنا ان نعتبر منها فننا لم نر او نسمع يوما بتحالفات قوية متماسكة بين الكتل والاحزاب قبل دخولهم الانتخابات الا نادرا وفي العالم الثالث ان وجدت ايضا، وجميع الائتلافات تنبثق بعد حصول كل جهة على نصيبها من المقاعد بعد اجراء الانتخابات من اجل تاليف حكومة او تبقى في المعارضة؟

في هذه الانتخابات العامة لمجلس النواب العراقي، نلاحظ اخفاق قوى وجهات عريقة بحيث لم تكن تتوقع هذا الفشل، وهذا ما يفرض عليهم اعادة النظر وتقييم الذات والاقدام على الاصلاحات والتغييرات المطلوبة التي يفرضها الواقع  والظروف العامة للشعب العراقي وما يتسم به ويؤمن، عليهم قراءة  هذه المرحلة بكل ما فيها وبيان موقع الفشل في التعامل مع ما يتطلبه الواقع والمرحلة دون خجل او احراج، وعدم الغرور والانتظار والنوم على انجازات التاريخ والسبات لحين تهيء الظروف والارضية الملائمة في المراحل المقبلة بعيدة كانت ام قريبة، او التوجه في العمل المدني والتحويل والتغيير لحين انقضاء المرحلة والحفاظ على الذات كمنظمة مدنية تقدمية من العاصفة، وهذا لا يتلائم مع العمل السياسي الفكري العقيدي الذي يستند على الوسط والمنتمين في ادارة العمل والتقدم للوصول الى الاهدف.

 ان من اخفق هم المتنورون التقدميون الذين يعتبرون انفسهم علمانيين ويساريين متحفظين بالاخص والمعتمدين على افكار تاريخية دون تكيف او تلائم مع الواقع الجديد ومستندين على الافكار ما ذهب مفعولها مع الريح . ان من نجح لم يكن مفاجئا وقد حللنا وذكرنا بالتفصيل ما يحصل في مقالات سابقة وما تؤول اليه الاوضاع ومن يفلح او يخفق وجاءت النتائج كما كنا نستقرا وما نحن فيه الان اتى طبقا لما قلنا، لذا السمات والصفات العامة هي التي زكت الجهات الواقعية والتي تؤمن بما يؤمن به مجموع الشعب اما دينيون او مذهبيون او قوميون وانخرطت بين ظهرانيهم الشخصيات والقوى الليبرالية كي تنال موطيء قدم في خضم هذه التخبطات التي اصابت المجتمع العراقي . ولكن ما يفكر به الشعب العراقي وما فيه من المستوى الثقافي اظهر بشكل جلي في هذه العملية الانتخابية، وعلى القوى التي لم تطا قدمها عتبة البرلمان ان تخطط منذ اليوم وتشد من عزمها وتقوي ارادتها وتحضٌر نفسها وتعمل خلال هذه الدورة الانتخابية عسى ولعل ان تتغير الاوضاع وتتهيا الظروف وربما تحدث المفاجئات، والا فالواقع لم يبين او يوضح لنا نسبة الاصلاح والتغيير في الدورة البرلمانية المقبلة.

تشتت القوى الوسطية المعتدلة من العلمانية واليسارية بشكل عام ازداد من ضعفها، الاتكاء على منجزات التاريخ والتامل في الاطلال وعدم قراءة الذات بصورة حيادية والابتعاد عن اتخاذ الاجراءات الضرورية والخطوات المطلوبة والاصلاحات الجذرية من الاسباب الهامة في فشلهم الذريع، عليهم الاعتبار منها.

هذا لا يعني ان يياس الجميع، لان الاسباب الموضوعية في تغيير مستمر والاهم هو علاج موقع الضعف الذاتي ومحاولة جميع الاطراف للتقارب والتوحد لبناء كيانات جديدة واقعية تعتمد على ما يتطلعه الشعب من العدالة الاجتماعية والمساواة وبعوامل وادوات واليات واقعية بعيدة عن الخطابات النظرية والكلمات الرنانة والفلسفات المعلبة، واتباع تكتيكات سياسية ايديولوجية ضامنة للتقدم خطوة بعد اخرى للوصول الى مرحلة اخرى للعمل من اجل استراتيجية هادفة.

و هذا لا يعني اننا نحدد الاسباب ونقصرها على ما وجود من النقص في الذات فقط، لان العراق اليوم ليس ملك لشعبه فقط وما يتدخل في شؤونه قوى اقليمية وعالمية كثيرة لها مصالح في ان يبقى على ما هو عليه، ولكن ما نحن ماضون فيه لم يدع شك باننا نقطع دابر تلك التدخلات بالعمل والاصرار والارادة، وما يتصف به هذا الشعب وما توارثه من الحضارات وما يتمتع به من الامكانيات المادية والبشرية ومن كافة الجوانب يدعنا ان نبقى على قدر من التفاؤل لنجاحه في المستقبل القريب، وعلى الجميع ان يعتبر من اخفاقاتهم وفشلهم والعمل على الترجل من الكبوة التي اصابتهم في هذه العمليات الديموقراطية المستمرة والتي هي غير خالية من السلبيات ايضا.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1353 الثلاثاء 23/03/2010)

 

 

في المثقف اليوم