أقلام حرة

ما يحصده المواطن من التعقيدات السياسية في العراق

السياسية العراقية مختبرا للتجارب العقائدية العديدة والفلسفية المختلفة والفكرية المتنوعة، تارة باسم القومية وما يحيط بها وما تمتلك من الابعاد والمتطلبات واخرى بالطبقية ولكن بشكل نظري فقط وهو معلب مستحضر من اجواء واوساط تختلف عما نحن موجودون فيه ولم يؤخذ بالحسبان الخصوصيات والتاريخ والموروثات والطبيعة الاجتماعية الثقافية، وما يتسم به ابناء هذا الشعب، وما لديه من التراث الغني والحضارات الثرية المليئة بالثمرات المفيدة للانسانية التي استلهمت منها البشرية . وادخلت اليه ثقافات متنوعة فاستوعب منها الكثير ورفض ما لم تكن بالامكان ان تزكيها الارضية الموجودة وما تتصف به. تغيرت المراحل ولم تتقدم حال الفرد العراقي البسيط الا قليلا وفي سنوات محصورة من تاريخ هذا الشعب، ومن ثم انزلت عليه الويلات وذاق طعم المرارة من جوانب عدة ولاسباب مختلفة ومنها طمع الاخرين في موارده وعدم وجود ما يؤمن حياة ابناء شعبه وهو المضحي دوما من اجل الاخرين ولم يفيدوه بشيء يُذكر، وداخليا اصبح في اكثر الاحيان ضحية حاكم مغرور وطامع ونرجسي وهو يريد تنفيذ مرامه وطموحاته الشخصية باي شكل كان دون الانتباه لمستقبل المواطن وطموحاته، وسعادته ورفاهه لم تكن بالحسبان ابدا، هذا قائد عسكري يريد جيشا جرارا ويدافع به عن شرف الامة العربية وهو صاحب نخوة وشهامة وكرم وغيره لا يمتلكون!!، وهذاك قائد عروبي قومي للامة العربية ومحرر اراضيه ومنقذ شعوبه ويضحي بالغالي والنفيس من اجل خلاصهم وغيره ليسوا الا من يعتاشون على فتات الاستعمار وهم عملاء!!،و لا يهمه ما يجري لشعبه مهما طال الامر وتضرر منها المواطن. هكذا واصبح الشعب العراقي منذ عقود وقود كافة الحروب ومدافع لشرف الامة العربية المجيدة، كما ادعى الحكام من مطامع المتامرين والغزاة والطامعين! ولم يحصد العراق بقيادته وشعبه وامكانياته التي وفرها من اجل الدفاع عن هذا الوطن الطويل العريض الا الخيبة والخذلان،و ما كنا مشغولين به استغل الاخرون ما تمر به المنطقة واستفادوا منه وتقدموا مراحل من التنمية والتطور بحيث تجاوزا حتى العراق وحضارته العريقة بعقود وسنين، ولم يصبح العراق ما كان تطمح به النخبة المثقفة التي كانت تملا البلاد ولم يكن الاخرون الا رعاة في حينه، وتحول البلد الى الخراب وهو ينظر الى الاخرين يحصدون ما زرعه لهم وهو منجله مكسور .

هكذا مرت عقود وسنين الى ان تخلص الشعب من الحاكم الغادر والدكتاتورية البغيضة التي لم تفكر يوما بمصلحة المواطن البسيط ولم يعتني بما يهم المجتمع رغم الموارد الطبيعية المنتشرة في ارضه الغني بالثروات والامكانيات المادية والمعنوية، واعادة البلاد الى الوراء وتخلفه كان جراء طيش وتهور من اعتبر نفسه قائدا للامة العربية وظل جاثما على صدور العراقيين عقود ولم يذق فرد عراقي طعم السعادة والحرية والرفاه طيل هذه الفترة المظلمة، ووصلنا الى نقطة التحول والتي اعتبرناها الخلاص وبداية الحرية كيفما كانت وباية طريقة حدثت، وتنفس الشعب الصعداء الا المصلحيين والانتهازيين والمجرمين ازلام النظام البائد.

 على الرغم من التغيير الجذري والانتقال الى المرحلة الاخرى التي انتظرناها طويلا الا ان السقوط والخلاص من اعتى دكتاتورية لم يكن بدون ثمن ولم يمر مرور الكرام وحدث ما لم يكن بالحسبان من السلب والنهب وفوضى عارمة بسبب النقص في التخطيط وتخبط التحالف في ادارة الامور مما جلب معه بعد ذلك الفساد وعدم التنظيم وسوء الادارة.

 ما احسسنا به وهو في مقدمة الاهداف ضمان الحرية النسبية من كافة النواحي، وتوفرت دون اطار مطلوب مما عبرت في اكثر الاحيان الى الفوضى، وتاسس البلد من جدي دو مرر الدستور الدائم، الخطوة الاولى من الديموقراطية استهلت رغم العوائق وجرت انتخابات عدة واخيرا للمجلس النواب العراقي وما ترافقتها من السلبيات، والتي تعتبر لحد اليوم ناجحة وفق المعايير الدولية.

 ان التدخلات العديدة المختلفة، والمخططات والاجندات المتنفذة تفعل فعلتها كما هو حال الوضع السياسي الاني، ويجب على المهتمين عدم الانجرار وراء ما يهدفه المتربصون من تسقيط التجربة والتشمت والطعن بها، وهذا ما يحاولونه بكل السبل والوسائل المتاحة لديهم .

 ما يهمنا هنا هو المواطن العراقي البسيط المغلوب على امره الذي لم يحصل من كل تلك العمليات السياسية والعسكرية غير الضيم، واليوم يشاهد التلكؤ والتباطؤ في توفير الخدمات التي تهم حياته اولا واخيرا، ويمكن ان نقول انه دخل في صراعات افتعلتها القوى الكبرى الخارجية والداخلية وليس له فيها ناقة ولا جمل، وكل ما يتمناه هو العيش بسلام وامان ويحصل على رغيفه وينام مطمئنا على حياته اكثر من اي شيء اخرو يضمن مستقبل ابناءه ويبتعد عن القلق الدائم الذي اصابه نتيجة عدم الاستقرار المستمر الذي مر به خلال العقود المنصرمة ولحد اليوم.

 اليوم، الواجب الوطني يفرض على المخلصين ان يفكروا بحياة المواطن العراقي البسيط ويضحوا من اجل عدم اقحامه في التعقيدات السياسية المفتعلة من قبل القوى المختلفة، ومن اجل مصالح ضيقة سوى كانت اقليمية او عالمية ويستخدم فيها كافة الوسائل ومنها الخبيثة ايضا، وهذا ما يتطلب من المخلصين الحنكة والحكمة في التعامل مع ما يجري لكي نخرج جميعا من عنق الزجاجة التي خلقتها لنا من يلعب على الساحة السياسية العراقية من دون اذن من احد وليس من حقه التطاول على مصير الشعب. ويدرك الجميع ان الصراع الاقليمي اصبح آفة تاكل الاخضر واليابس وتضرب بمصلحة العراقيين، وحلت محل غرور القادة والدكتاتورية في التضرر بهذا الشعب الوفي.

 الواجب الاهم الذي يفرض نفسه على الجميع هو محاولة المخلصين لفك العقد المصطنعة التي تخلقها تلك القوى المخططة لكي يخرج الشعب منها باقل ضرر، لكون المواطن لم يحصل منها شيء الا الكبت والحزن والقلق، والمرحلة تتطلب التعامل الدقيق، وترسيخ الديموقراطية الحقيقية هو الذي يحل الاشكاليات ويقطع دابر المتامرين المتدخلين ان لم يكن في هذه المرحلة فانها تتجسد قريبا وتكون لها ابعاد وتداعيات تتمدد لا يمكن ان تتملص منها القوى التي تشملها وتدخل الى عقر دارها من القوى الاقليمية وسيشملهم هذا السيل الجاري اليوم كان ام غدا .

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1355 الخميس 25/03/2010)

 

 

في المثقف اليوم