أقلام حرة

ما بعد الانتخابات والطائفية الوظيفية

 للاستهلاك المتعارف عليه اليوم بين الفئات العراقية ـ للأسف الشديد ـ  وإنما لكي تتضح مفاسد استخدامها بالشكل النمطي الذي تعوده الناس قولا وعملا، فمن مفاسد استخدامها الاستفزازي تولدت الطائفية التي أنتجت هذا الكم الهائل من الدمار الذي أصاب الجميع وألحق بالعراق الحبيب المفدى كل هذا الدمار، وبالعراقيين الطيبين الألم والحسرة.. فعذرا منكم سادتي وللضرورة أحكام  نقاد لها مكرهون.

 

عانى العراقيون أو قسما محددا منهم بالذات من وطأة الانتقائية الطائفية في التعيين  والعمل الوظيفي في مؤسسات الدولة ولاسيما الحساسة منها على مدى  تاريخ الدولة العراقية الحديثة كواحد من مواريث الاستعمار العثماني الذي ورث هذا الفعل بدوره من منظومتي الحكم العربيتين وباقي المنظومات الاستعمارية الأجنبية التي حكمت العراق طويلا، والتي راهنت على هذا الفرز ومقدرته على تشتيت القوى وتفتيت الوحدة لكي تسلك أمامها الطرق وتتيسر الطرائق بعد أن ينشغل الأهل والأخوان في معاركهم الجانبية ومشاكلهم البينية .

ونظرة بسيطة لأسماء الرجال الذين شغلوا بعض المناصب التي تأتي بالدرجة الثانية أو الثالثة من حيث حساسيتها وقربها من مركز صنع القرار يوضح مدى ترسخ هذه العقيدة الطائفية لدى نظم الحكم في العراق الحديث. هذه النظم التي كانت بدورها تشعر بأهمية تأجيج روح العداء بين الأهل لكي لا يلتفتوا لمفاسدها وموبقاتها وجرائمها وسرقاتها التي لم تكن بأقل مما أرتكبه الغزاة والمستعمرون

ولنأخذ مثلا وزارة الأوقاف والشؤون الدينية وجامعة بغداد  أنموذجا حيث أقتصر منح منصب وزير الأوقاف على أتباع الطائفة "السنية" دون سواها منذ بداية تأسيس الوزارة ولغاية سنة 2003 أي على مدى ثمانين عاما لم يتم تعيين وزيرا للأوقاف من الأغلبية "الشيعية".

أما جامعة بغداد فباستثناء المرحوم العلامة عبد الجبار عبد الله الذي كان من طائفة الصابئة المندائيين والمرحوم الدكتور متى عقراوي المسيحي الكردي فإن جميع الذين شغلوا منصب الرئيس فيها كانوا من الطائفة "السنية" حصرا وكما في أدناه مع ملاحظة أن الرئيس المسيحي تم تعيينه قبل ثورة 14 تموز 1958 بعدة أشهر فقط وأستمر في منصبه بعد الثورة ثم عين الرئيس الصابئي من بعده أي أن مدة خدمة هذين الرئيسين كانت خلال حقبة حكم  المرحوم عبد الكريم قاسم الذي لم يكن طائفيا وهي الحقبة التي تخلص العراق فيها من مفاهيم الطائفية المختلفة بأنواعها لأول مرة في تاريخه.

 

5 /10/  1957لغاية  1 /8 /1958 د.متي عقراوي

19/3 /1959 لغاية  8 /3 /1963 د.عبد الجبار عبد الله

10/2 /1963 لغاية 27/11/1965 ثم  من  10/9 /1966لغاية  7 /8 /1968 د.عبد العزيز الدوري

9 /9 /1968 لغاية  8 /8 /1970 د.جاسم محمد الخلف

8 /8 /1970 لغاية  1 /3 /1971 د.عبد اللطيف البدري

15/6 /1971 لغاية  23/1 /1974 د.سعد عبد الباقي الراوي

14/3 /1974 لغاية  15/10/1977 د.طه إبراهيم العبد الله

18/10/1977 لغاية  1 /3 /1978 د.سلطان عبد القادر الشاوي

27/12/1981 لغاية  30/6 /1990 د.طه تايه ذياب النعيمي

10/7/1990  لغاية 28/2/1991د.عادل شاكر الطائي / وكالة

31/10/1991 لغاية 10/10/1993د.خضر جاسم الدوري / وكالة

1/11/1993 لغاية 2/6/19910د.عبد الإله يوسف الخشاب

12/6 /1999لغاية  7/30 /2003 د.محمد عبد الله الراوي

 

يتضح من هذين الأنموذجين أن هناك تغييبا متعمدا مورس ضد الأغلبية "الشيعية" في العراق بدوافع طائفية وسياسية، وهذا الفعل الطائفي هو الذي ترك أثرة الكبير على المجتمع العراقي كله بعد التغيير الذي حدث في 2003 وتسبب في استباحة الدم العراقي بالشكل الهمجي المعروف يوم تمت ممارسة روح العدوان ومقابلتها بروح الانتقام بمنهجية حيوانية افتراسية دموية!

 وأما إحصاء كافة المراكز الوظيفية الحساسة والتي هي أكثر أهمية من هذين الأنموذجين فيظهر وجود نوع من التخصص الأكثر ضيقا من سابقه حيث خصصت هذا المراكز لأقرباء وأبناء أسرة وعشيرة رئيس البلاد والعشائر القريبة منها تحديدا وحرمت منها كل الأطياف الأخرى بما فيها أقسام من الطائفة "السنية".

وبذا يتضح أن التهيج الدموي والشد العصبي والتهديدات والاتهامات بالطائفية والتحيز والعنف الذي نلمسه اليوم  إنما سببه تلك النظرة الطائفية الضيقة التي مايزت بين مواطني البلد الواحد بله الملة الواحدة والمذهب الواحد.

فهل سنتمكن خلال الدورة القادمة لمجلس النواب العراقي من تجاوز عقبة الطائفية ودخول عصر المواطنة والعرقنة وتوكيد دور الهوية الوطنية الجمعية، أم أن ذلك يبقى مجرد حلم يراود عقول العراقيين التي أنهكتها كثرة الأحلام التي لا تتحقق؟

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1355 الخميس 25/03/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم