أقلام حرة

دور المثقف العراقي في الانتخابات البرلمانية

وتحول اثر الضغوطات المتتالية الى ان وصلنا الى ما نعيشه من الظروف غير الطبيعية التي من المفروض ان لا يعيشها اي مجتمع امن مستقر. ومن المحزن ان يكون للسياسة وآليات عمل الساسة وممارساتهم الدور الاكبر في التاثير على المثقفين ونتاجاتهم وفعالياتهم وما يطرحونه في الحياة وما يخص المجتمع بشكل عام . وهذا ليس ثمار الظروف الانية بقدر ما فعلته المراحل السابقة لحكم الدكتاتورية والحزب الاوحد والمثقف الحزبي وتدخله في شؤون كافة الشرائح واستيعاب اكثريتهم في قالب معين وترويضهم ودفعهم لاداء مهام خاص تهم السياسة والمصالح الحزبية والشخصية اكثر من جوهر عملهم وما يمس اختصاصاتهم ، وللاسف هناك منهم الكثير مستمر لحد اليوم على هذا المنوال وله التاثير السلبي على المرحلة، ومنهم من لا ينكر حنينه الى مرحلة ماقبل السقوط .

بعد التغيير وسقوط الدكتاتورية وما كان يلازمها، ومرور اكثر من سبع سنوات لم نلمس ما يعيد وضع وحال المثقف والثقافة الى نصابه الصحيح وعزله عن الاهداف التي لصقت به دون ان تكون في صميم عمله، لذا لابد ان نذكر ان دور المثقف في الاحداث والعمليات المختلفة الجارية على ارض العراق لم يخرج عن النطاق المحدد الذي رسمه له الاخرون ولم يخرج ايضا من القوقع المصطنع بفعل ايدي الساسة خصوصا . 

اي لم تكن هناك اصلا ارضية لبيان راي وموقف المثقف وبقت ادوارهم فردية او مختفية لتلك الاسباب الموضوعية والذاتية التي تخص اخلاق وجوهر المثقف نفسه، ومن ثم انخراطهم في العمل السياسي وما اضطرتهم الظروف الخاصة بهم وصعوبات حياتهم المعيشية ، وحلول الحزب محل الحكومة في توفير ارزاقهم ومأواهم، وطبيعي ان نحس بانهم لم يثيروا اي موقف او حدث ايجابي ليعيدوا لهم دورهم الطبيعي الفعال طيل هذه الفترة من الحرية النسبية التي طغت على الاوضاع في العراق .

من جانب اخر، توزيع وتقسيم المثقفين بذاتهم او نتيجة ظروف موضوعية على المكونات الاجتماعية والسياسية بعيدا عن المواقف الثقافية والاراء والافكار والعقليات الثقافية العامة المطلوبة في هذه الرحلة الحساسة في العراق، ازداد من اختفاء دورهم وعمٌق من تحويلهم من المثقف السياسي الى السياسي المثقف، وكل حسب فكره وعقيدته وفلسفته ومبادئه التي احس انه عثر عليها ضمن اطار فكر ومنهج مكون سياسي قريب منه ومفيد له، لذا مواقفهم لم تخرج من دائرة الطريقة والسنة والاخلاق والايديولوجية لتلك الاحزاب سوى كانوا منتمين او موالين لها . وبفعلتهم هذه دمجوا افعالهم ومواقفهم مع ما كان يقوم به عضو حزبي قح اثناء الحملات الانتخابية ، لا بل كانوا اكثر اقناعا وتاثيرا على الاخرين لخبراتهم في طرح الاراء والمواقف والمواضيع واختيار المكان والزمان، لكونهم يمتلكون خلفية معرفية وادبية تؤهلهم للتاثير على المقابل والاكثرية البسيطة ويعودون باعمالهم الخير والبركة للحزب اكثر من المنتمين له.

كم سمعنا وشاهدنا من مثقف بارز ويعد نفسه مستقلا غير منتمي الى جهة معينة ويعتبر التصويت في الانتخابات او لجهة معينة او لمرشح ما بانه واجب وطني وديني ولم يعطي اي حق لمن يعتبره حقا من حقوقه ولا يريد اخذهه او تنفيذه، لا بل تطاول اخرون الى وصف من لم يصوت بالخائن والمتآمر وعمقوا هذا الراي وحددوا الجهة التي من الواجب اختيارها. ليس هذا الا خروج عن كل ما يمت بالمثقف والثقافة ما يخصه وتحويل الذات الى دمية بايدي الساسة حصرا. وهذا لا يعني ان المثقفين المنتمين الى الاحزاب القومية والدينية تميزوا بذلك عن غيرهم ، لا بل تبين بشكل جلي ان المثقفين العلمانيين في هذه الانتخابات لم يدخروا جهدا في الترويج والتحليل واتخذ بعض منهم الخنادق والمتاريس امام الاخرين وانتقلوا  بحالهم الى جبهات الدعاية الانتخابية وغيروا من طورهم وكأن المرحلة هذه فرضت عليهم تاييد جهة معينة دون اخرى ، ونسوا بان هذا العمل ليس من واجبهم واختصاصهم اصلا، ولم يبق منهم الا القلة القليلة وظل ينظر الى الاحداث وينتظر تصحيح المسار والاوضاع وعودة الاختصاص اليهم وفصلها عن يعضها ، واعادة لحم الى القصاب والخبز الى الخباز وهو يعلم بانها تحتاج الى بداية صحيحة ومن الطبيعي ان يكون المثقف في طليعة من يؤدي هذا المهام لاعادة النصاب للمجتمع الذي اختلط فيه الحابل بالنابل، وتحولوا جميعا الى الساسة من الدرجة الاولى بكافة اعمالهم ومهنهم وفي مقدمتهم وللاسف المثقفون الذين كان من الواجب ان ينوروا الطريق الصحيح للجميع، وهذا لا يعني ان لا تكون لديهم افكار وعقائد ويؤمنوا بايديولوجيات سياسية معينة، وتكون لهم  اراء ومواقف يعبرون بها عما يجول في خاطرهم، بل من يودع ويترك الاهم ويهتم بالمهم في لحظات حرجة سيعقٌد الامور ويُبقي الفوضى لمراحل طويلة اخرى، لذا يمكننا ان نقول ان دور المثقف وما اقدم عليه في هذه المرحلة لم يكن مشرٌفا بل اصبح خارج المسار الذي من المفروض ان يلتزم ويهتم به، وهنا يجب ان لا نتكلم بشكل مطلق وهناك استثناءات تحملت الصعاب وبقت في الموضع الحقيقي  للمثقف حتى هذه اللحظة، الا ان الاكثرية الساحقة تركت مواقعها الاصلية الخاصة بها وحولت نفسها الى ما تتطلبه الصراعات السياسية ومنها السلبية ايضا .

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1357 السبت 27/03/2010)

 

 

في المثقف اليوم