أقلام حرة

الانتخابات العراقية واللاعبون الجيدون

على  ما لدى السياسيين من الطوائف الأخرى بما فيهم (الشيعة) نظرا للمدة الطويلة التي مارسوا فيها الحكم والمسئولية والقيادة والتدريب العالي الذي حصلوا عليه نظريا وعمليا من خلال الدراسة والممارسة الفعلية.

توظيف الخبرة ممكن أن يغير النتائج دون النظر للكفاءة والأعلمية وحتى الإيمان والوطنية،فهذه المفردات تصبح غير ذات معنى إذا لم تكن مدعومة بمنظومة الخبرة التطبيقية على مستوى الفعل والقول، ولكنها إذا أضيفت للخبرة ممكن أن تصنع المعجزات وتحقق المستحيلات.

الركن الشيعي في تجربته الغضة بعد التغيير أعتمد على خزينه النظري  والثقافي ولم يلتفت لجنبة القصور السياسي العملي وأستمر في السير على خط واحد ولم يلتفت للوراء ليرى نتائج أعماله التي يعتقد أنه أنجزها والتي أعتقد الشارع أنها دون المطلوب ولم تحقق شيئا من الأحلام الوردية التي كان يحلم بها، ولذلك لم يستفد هذا الركن حتى من خبرة السنوات القليلة الماضية التي مارس فيها نوعا من القيادة بمشاركة الآخرين طبعا ولذا تجده قد وضع نفسه في ورطة كبيرة أثناء الانتخابات النيابية التي جرت في 7/3 بما سببه من انكفاء لدى قواعده الشعبية خاصة والعراقيين عامة.

ثم أن الانشقاق غير المبرر بين كتله السياسية أدى من جانبه إلى إلهاء مكونات هذا الركن بسجالات حامية وصلت إلى درجة الاتهام بكسر العظم، والتهام كافة المكاسب التي تحققت رغم قلتها والكل يعرف أن القطيعة النهائية تأتي عادة بعد كسر العظم.

أما الركن السني الذي لم يظفر بالمركز الذي يؤهله لقيادة البلاد في السنوات الأربع المنصرمة فقد أدرك من خلال استقرائه للواقع وخبرته التحليلية الرائعة أنه ضمن النهج الديمقراطي المعمول به في تداول السلطة في العراق الجديد لن يفلح ثانية بالانفراد بقيادة البلاد أبدا ولن يحصل على أكبر من حجمه الحقيقي ضمن مفاهيم المحاصصة الطائفية أي تأكيد كال طرف على دعم فئته القريبة، وهو الأمر الذي ترفضه بعض مكوناته بشدة وعنف ولذا استخدم خزينه العملياتي وخبرته في القيادة والمسئولية ليتخلى عن نهج السنوات الأربع الماضية الذي راهن كغيره على التحشيد الطائفي الذي امتاز من جهة بالمشاركة الباهتة ومن جهة أخرى بمقاطعة حدية.

فلجأ بحنكته السياسية  إلى مكون فيه الكثير من مقومات القبول لدى الشارع العراقي ليس لأنه الأكفأ بل بسبب الخيبات والنكسات التي أصيب بها المواطن من فعال الجهات المتسلطة (السلطوية) لينظم إلى جانبه وينضوي تحت خطه العلماني ولذا تجد من لم يتخل من أتباع هذا الركن عن نهجه الأول لم يحصل إلا على (7) مقاعد فقط بينما حصل من انشق عنه ودخل في ائتلاف مع السيد أياد علاوي على 91 مقعدا متفوقا على قائمة الأغلبية التي تمثلها قائمة دولة القانون التي لم تحصل إلا على 90 مقعدا وقائمة الائتلاف الوطني العراقي التي حصلت على 70 مقعدا

بين هذين الركنين يوجد ركن ثالث هو الركن الكردي الذي يتمتع بنوع من الخبرة العملياتية غير السياسية لكنه تجاوز هذا القصور بأن استخدم خزينه المالي الذي سحبه من الخزينة العراقية على مدى السنوات الماضية، والمساعدات التي حصل عليها من الدول والمنظمات الغربية، والمبالغ المترتبة من بيع البترول المكتشف في شمال العراق لاستقدام واستخدام مؤسسات بحثية استشارية تخصصية من دول العالم المتقدم لتخطط وترسم له البرامج التي يجب أن يتحرك بموجبها وقد نجح هذا العمل الاستشاري وأثمر مكاسب ما كانت القيادة الكردية قادرة على تحقيقها بمفردها.

يعني هذا أن المؤثرات التي نشطت في مرحلة انتخابات 2005 بعد فرز النتائج سوف تنشط ثانية في مرحلة ما بعد انتخابات 2010 وسيبقى أثر وتأثير دول الجوار من جهة والجانب الأمريكي من جهة أخرى فاعلا ومؤثرا على كل خطوة تخطوها الكتل، ولذا أرى أن القافلة ستحول خلال الأيام القادمة وجهتها لأكثر من مرة وسوف تتوقف في محطات لم يكن في نيتها التوقف فيها بل والمرور فيها أساسا، وستكون هناك مشادات وتوترات تعصف بالبلد وأهله مدة ليست بالقليلة إلى أن تتمكن القوائم من حسم أمر تحالفاتها  البينية التي تضمن لها الحصول على مركز ثقل مؤثر ولاسيما أن هناك اليوم أكثر من لاعب أساس في الساحة هم دولة القانون والعراقية والوطني العراقي زائدا تأثير اللاعب الأنشط الذي تحول إلى جوكر ممكن أن يحسم اللعبة وهو الكردستاني الذي طالما راهن على أن يكون أي تحالف محتمل مرهونا بمدى تحقيقه للمصالح والمطالب الكردية، إضافة إلى التوافق ذات الأصوات السبعة التي ممكن أن (تسند الحب) عند الضرورة، فلو تحالف دولة القانون 90 مع العراقي الوطني 70 يصبح العدد  160 ولو تحالف دولة القانون 90 مع العراقية 91 يصبح 181 ولو تحالف العراقي الوطني 70 مع الكردستاني 41 يصبح 111 ولو تحالفت التوافق 7 مع العراقية 91 يصبح 98 وتقف أمام كل توافق وائتلاف بين أي من هذه القائم قواعد صلبة ليس من السهل كسرها.

لكن لا ينكر أن هناك بين  الساسة الكبار في هذه القوائم من ينظر إلى كرسي رئيس الوزراء برغبة جامحة قد تدفعه لكسر القواعد والخروج على قوانين اللعبة وربما تقديم التنازلات للفوز به.

ما يأمله الشارع العراقي والمواطن العراقي البسيط الذي أنهكته تعقيدات الحياة وضغوطها بما فيها ارتفاع الأسعار وتفشي البطالة والفساد والرشوة أن يتجاوز السياسيون فئوياتهم ومصالحهم وشخصياتهم وطائفيتهم ويضعوا العراق ومستقبل العراق وراحة الشعب العراقي المتعب أمام ناظرهم ويخلصوا الولاء له ولشعبه بعيدا عن كل الولاءات الفرعية الأخرى، وحينها سوف يصفق لهم كل أبناء مكونات الشعب بدل أن يلعنهم حتى أبناء مكونهم. 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1360 الاربعاء 31/03/2010)

 

 

في المثقف اليوم