أقلام حرة

زوجات لم ينتخبن ازواجهن !

وغير مقتنع بالنتيجة ويعتقد بوجود تزوير، اذ ظن انه على الاقل سيحصل على ثلاثة اصوات هي مجموع صوت زوجته وابنه فضلا عن صوته، في حين انه قد حصل على صوتين فقط !. وحينما وصل الى بيته وتحدث في الموضوع امام زوجته ابلغته بان الامر صحيح ولاتزوير فيه لانها لم تنتخبه اصلا !.

هذه القصة قد تكررت مرة اخرى وعلى نحو اوسع في الملحمة التاريخية الكبرى في الشرق الاوسط وهي الانتخابات البرلمانية العراقية العامة التي جرت في اليوم السابع من شهر اذار عام 2010 ، اذ ظهر، حينما اعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات نتائجها النهائية، ان 166 مرشحا لهذه الانتخابات حصلوا على صوت واحد فقط، وهم، كما يظهر، في وضعية اسوء من  صاحب القصة اعلاه الذي حصل على صوتين فقط .

الوقوف على هذه الظاهرة، وهي ظاهرة بحق، يستدعي ابعاد الموضوع عن مجال السخرية والتهكم واخراجه من اطار الاستهزاء والضحك حتى لو كانت السخرية هي الانطباع الاول الذي يرتسم في ذهن المتلقي او المواطن او حتى المراقب والمحلل المهتم بشؤون الديمقراطية والحرية في الشرق الاوسط عموما وفي التجربة العراقية خصوصا، فالناظر والمتفحص بامعان لما حدث فيما يتعلق بحصول صاحبنا في القصة على صوتين فقط او المرشحون ال 166 الذي لم يحصدوا سوى صوت واحد، سوف يجد ان لهذه الاحداث او الظواهر  مؤشرات ودلائل تجسد ظهور مرحلة جديدة ناضجة من الادراك السياسي الحر في العراق .

 

دراسة هذه الظاهرة يُحتم علينا اولا الايمان بحقيقة مهمة وضرورية يُستحسن ذكرها بادئ ذي بدء وهي ان هؤلاء ال 166 لم يكونوا رجالا ، وربما في بعضهم نساء، يعيشون وحدهم في هذا العالم ولهذا لم يوجد احد ينتخبهم سوى أنفسهم ، بل ان هؤلاء يعيشون في مجتمع ولهم اصدقاء وعوائل واقرباء وزوجات ووربما خطيبات او حبيبات ، وهم على الرغم من ذلك لم يجدوا احدا يعطيهم صوته سوى انفسهم .

هذه الحقيقة تعني لي، كمهتم بشؤون العراق السياسية والمجتمعية والفكرية، الشيء الكثير حيث تعبر وتدل، بشكل لالبس فيه، على ولادة وعي سياسي انتخابي عراقي جديد يجعل من الزوجة لاتنتخب زوجها، والخطيبة لاتنتخب خطيبها، والصديق لاينتخب صديقه، والابن لاينتخب اباه لمجرد وجود روابط الزوجية او الخطوبة او الصداقة او العائلية على التوالي بين كل من هؤلاء المرشحين والاشخاص الذين يرتبطون معهم برابطة معينة في المجتمع المحيط بهم ، بل قاموا بانتخاب قيادات وشخصيات وكيانات سياسية اخرى وفقا لضوابط اخرى تتجاوز العلاقات العائلية والروابط الاجتماعية والاطر العائلية .

وهذا التطور الواضح والبارز في عقلية الناخب العراقي يعكس رؤية سياسية تعتمد معايير اختيار معينة لما يجب ان تكون عليه خريطة الحكومة الجديدة الذي يحاول رسمها  بقرارات مستقلة بعيدة عن اطر العلاقات الاجتماعية والنسبية والعشائرية والعائلية وغيرها من الروابط التي تربط الانسان بغيرها ومايمكن تسميتها بالعلاقات الاولية المباشرة وفقا لاصطلاحات العالم الاجتماعي الامريكي كولي وهو أمر يُعتبر غير مألوف في الشرق الاوسط .

كما ان لهذا الحدث دلالة اخرى ومعنى كبير اخر يٌضاف الى بعد تطور الوعي السياسي للناخب ويمكن ان نستخلصه في ان هذا المرشح الذي لم يحصل الا على صوته يتمتع بروح ديمقراطية وتسامحية عالية اقتضت منه عدم اتخاذ موقف سلبي من اهله او زوجته حينما لم تنتخبه واعطت صوتها الى شخص سياسي اخر، على افتراض ان هذا المرشح قد قام بذلك فعلا ولم يطلق زوجته او يفسخ خطوبته لانها اختارت شخصا اخر غيره من الناحية السياسية طبعا وليست ناحية اخرى كي لاتسيئوا فهم ذلك .

 ان هذا الصوت اليتيم الذي مُنح لهذا السياسي يكشف لنا حقيقة تنامي الممارسة والتجربة الديمقراطية في العراق، حيث عندما لاتخضع المرأة سياسيا لرأي الزوج سواء كان مرشحا ام غير مرشح وتنتخب غيره، فانها ترسل رسائل ايجابية معززة بالادلة عن الواقع العراقي الجديد الذي خرج من رحم الديكتاتورية المقيت الى فضاء الديمقراطية الواسع الذي كلف العراقيين الكثير من التضحيات والمعاناة.  

 

مهند حبيب السماوي

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1360 الاربعاء 31/03/2010)

 

 

في المثقف اليوم