أقلام حرة

(تشالنجر) أمريكا في الانتخابات العراقية

النجوم الذي كان من شأنه ان يجسد التفوق العسكري والعلمي الأمريكي ويحسم قيادة امريكا للعالم.

أربع سنوات من الجهد ومئات العلماء ومليارات الدولارت وضعت بتصرف وكالة الفضاء لتصميم وصنع ذلك المكوك الاعجوبة، وكان كل شيء معد للوقت المنتظرحيث جرت مراجعة المعطيات بدقة متناهية، وفي اللحظات الموعودة من العام 1986، نقلت الالاف من شاشات التفلزة عملية اطلاق الابتكار الامريكي المهيب ليشاهد نجاحه العالم كله، لكن خطأ تقنياً بسيطا ادى الى انفجار الحلم العلمي الامريكي  (تشالنجر) بعد ثلاث دقائق من اطلاقه .

في العراق، وبعد صعود الاحزاب والقوى الاسلامية في انتخابات عام 2005، شعر الامريكان بان حلم نشر الديمقراطية سيقودهم الى الكثير من المشاكل بعد محاولة ايجاد حلول  لمنطقة مضطربة يؤثر مايجري فيها على العالم كله .

في مصر صعد الاخوان المسلمون، وفي فلسطين صعدت حماس وفي لبنان سيطر حزب الله على المشهد السياسي، وفي العراق – ساحة الفعل الامريكي المباشر – اندفعت الى الواجهة تنظيمات من نوع التيار الصدري والمجلس الاعلى وحزب الدعوة في الجانب الشيعي، فيما احتل الحزب الاسلامي وجبهة التوافق مقاعد البرلمان في الجانب السني .

حملت التنظيمات المذكورة في الجانبين، مفردات مواجهة طائفية حادة وارتفعت نبرة الخطاب والفعل الطائفيين مقاربة الحرب الاهلية التي اوشكت ان تجهض (الحلم) الامريكي في رؤية عراق ديمقراطي ينقل العدوى الى ما حوله من شعوب .

القت امريكا بثقلها السياسي والعسكري لوقف التداعيات، وحققت نجاحاً لافتاً متداركة ماوقعت به من اخطاء البدايات، وصولاً الى توقيع اتفاقية خروج مشّرف من العراق .

ماجرى ابّان المفاوضات على بنود الاتفاقية، دق اجراس الخطر في الدوائر الامريكية، حيث اثبت بشكل جلي مقدار التأثيرات الايرانية في القرار العراقي حتى على رجل معتدل مثل المالكي، الذي لم يستطع مواجهة الضغوط الايرانية بالشكل الذي ينبغي ان يكون عليه وبقي عرضة لمزايدات (الحلفاء) وخطاباتهم الثورية مرتفعة النبر .

كانت الخطط الامريكية في العراق قد شهدت تبدلاً قبل ذلك بعام، لكن حيثيات ماجرى قبل واثناء توقيع الاتفاقية، ساهم في دفع الخطط البديلة لتكون لها الاولوية .

التحدي الاكبر الذي يواجه امريكا في المنطقة هو الملف الايراني الذي تزداد خطورته باطراد، وخيارات الضربة العسكرية تتقدم مؤشراتها لاحتمالات قوية حين يظهر ان لاحلول اخرى، ولا امكانية للتساهل ازاء ملف سيقلب الاوضاع الاستراتجية  في المنطقة والعالم،اذ لابد ان حصول ايران على سلاح نووي، سيتبعه سباق تسلح لايمكن السيطرة عليه او التكهن بنتائجه .

العراق ساحة رئيسة في فعل المواجهة مع ايران، لذا لابد من اطفاء نقاط القوة التي يمكن لايران استخدامها، وقد جرى ذلك بسحب الملف السوري عن التداول ومحاولة فصله عن العلاقة مع ايران وحزب الله، كذلك اعادة تعويم النظامين المصري والسعودي لتهيئة ميدان المواجهة القادمة اياً يكن حجمها ومستواها .

(تشالنجر) العراقي كان في المتناول، اياد علاوي الحليف القديم المتجدد والعلماني الشيعي العروبي الذي يستطيع جمع الكثير من القوى المناهضة لايران في زخم فاعل يستطيع وقف اندفاعة القوى الاسلامية الموالية لايران او القريبة منها .

جمعت حبات التحالف الجديد بقيادة علاوي ووفر له دعم كبير يمتد من السعودية والامارت وصولا الى مصر وليبيا مرورا بسوريا، وهيئت له مستلزمات هائلة من وسائل اعلام منشورة ومرئية ومسموعة كما لم يتوفر لاحد غيره .

كانت الحملة قد ركزت على اظهار اخفاقات حكومة المالكي وبالتالي المطالبة بالبديل، على اعتبار ان المالكي سيكون هو العقبة الاكبر امام التغيير المقبل بقيادة علاوي .

كان كل شيء يسير وفق الخطط الموضوعة، لكن بعد دقائق من اعلان فوز (تشالنجر) علاوي، انفجر سياسياً بعد ان تبين للقوى الاخرى مقدار مايحمله مشروعه من اشكالات .

كان تفادي (الانفجار) ممكناً لو تجنب علاوي الظهور بهذا التحدي، فلم تكن زيارته لكل من السعودية وسوريا موفقا، خاصة قبل ايام من الانتخابات، لقد ظهر بموقع الايحاء للعراقيين برسالتين : القدرة على وقف العنف التي تتسبب بها هاتان الدولتان، أو انفلات الوضع الامني في حال عدم فوزه أو اجهاض هذا الفوز في حال حصوله– وهو ماظهر واضحاً في تصريحات النجيفي وعلاوي الأخيرة -  ثم زاد الطين بللاً حين وجه رسالة شكر للانظمة المذكورة على دورها في العراق، ولما كانت الذاكرة العراقية القريبة لا تحمل الكثير من الايجاب الذي قدمه هذان النظامان للتجربة العراقية – بل تحمل العكس تماما – وضع علاوي نفسه في موقع الحرق حيث بدا فوزه وكأنه تكريس للنفوذ السوري السعودي،أما الخطأ الامريكي، فتمثل باعطاء تقدم ملتبس لقائمة علاوي بدا اشكاليا بدورهً .

كان يمكن للخطة الامريكية ان تنجح بطريقتين : اما فوز المالكي بفارق مقعد واحد كما تسربت المعلومات قبل ساعات قليلة من اعلان النتائج، او جعلهما متساويين في النتيجة .

الحالة الاولى ستمنح قوى الاعتدال الاسلامية امكانية الاستمرار في مشروعها بالتعاون مع قوى صاعدة تمثل شرائح كبيرة من المكونين الرئيسيين في العراق ومع (زعيم) قوي – اياد علاوي - ستكون له بصمته  على مسار بناء الدولة وهو مسند بكتلة كبيرة مع منصب رئاسة الجمهورية لاحد اعضاء قائمته – طارق الهاشمي – مسلحاً بصلاحيات رئاسية  ستفرض نفسها عرفاً ان لم يكن دستورياً، مايعني اعطاء دفع اكبر للمالكي لمواجهة ضغوط ايران وحلفائها بعد كسر طوق الحصار العربي الذي سيؤمنه تحالفه مع (العراقية) وشخصياتها الفاعلة .

اما حالة التعادل بينهما، فسوف تأتي بنتيجة مشابهة، اذ مع انفتاح الاحتمالات امامهما بشكل متساو وعدم شعوراحدهما بالاستهداف, وانتشاء الاخر بالفوز، ومع بعض الضمانات التي بامكان احدهما تقديمها للاخر حيث يفرض الواقع السياسي عليهما  فعل ذلك،ومع المعونة الامريكية وعدم الممانعة العربية التي ستبدو واقعية بعد ازالة الاسباب بوجود الحلفاء في مركز القرار وبقدرة فاعلة، تكون الخطط الامريكية قد حققت غاياتها .

لكن وكالة (ناسا) السياسية  وبالخطأ الذي ارتكبته، اعادت الامور الى مواقع حرجة، فقد اضطر المالكي الى الاستعانة بالخصوم الذي حاول جاهدا الابتعاد عنهم بل ومواجهتم، وبالتالي عاد الى (بيت الطاعة ) ليتحكم اخصامه السابقون بمصيره المستقبلي، كما عادت ايران لتنفرد بالاوراق بدل كفّ يدها، وهاهي القوى المناهضة لامريكا في الطرف الشيعي، تمسك بمفاصل اللعبة، في وقت وضع فيه الاكراد بموقف مربك بدورهم، فهم قد يفضلون علمانية علاوي، لكنهم لا يحتملون (عنصرية) النجيفي والهاشمي على حدّ وصفهم، لذا سيكونون مضطرين للتحالف مع من جربوهم قبلا، وهو افضل من الدخول في متاهات المجهول الذي تحمله العراقية ورموزها.

أما (تشالنجر) الاخر الذي انفجر بعد دقائق من الانتخابات وقبل ظهور النتائج، فهو طارق الهاشمي الذي لم يستطع الصبر، فأعلن عن احقيته - ومن يمثل - برئاسة الجمهورية، فجوبه بعاصفة احتجاجية اضطرته الى  ابتلاع ما صرح به، لكنه اضاف سببا اخر في انفجار حظوظ (العراقية) بتشكيل الحكومة .

لكن الفرصة لم تفت بعد لتدارك الاخطاء وتقييم الوضع ضمن معطياته،الذي قد ينجب تعاوناً ما، بين (العراقية) والقانون، وفق إزالة المعوقات والاعطال، كي لا ينفجر (تشالنجر) العملية الديمقراطية في العراق أو يعود الى مرحلة البدايات باصطفافاتها واحتمالاتها التي دفع العراقيون اثمانا غالية لتجاوزها.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1362 الجمعة 02/04/2010)

 

 

في المثقف اليوم