أقلام حرة

الامن القومي لمجتمع موزائيكي الشكل والتركيب

باقل نسبة من المضاعفات الجانبية. انه شعب متعدد الصفات ومتنوع التركيب والمكون، ولهذه المكونات سمات مشتركة يمكن الاعتماد عليها الا انها تتمتع باختلافات جوهرية لابد الكشف عنها واعلانها بشكل صريح من اجل اتخاذ الخطوات الملائمة الصحيحة في حل مشاكلها لخير مستقبلها وايجاد الوسائل الضرورية الملائمة لبقائها متماسكة بقدر الامكان او الاتفاق على حلول ترضي الجميع بشكل سلمي والتوافق بينها . اضافة الى التعقيدات في التكوين الطبيعي لها، انه ضحية المغامرات العديدة لقادته التي لم تهتم سوى لمصالحها وبقائها على سدة الحكم، وهذا ما اثر بشكل عميق على كافة جوانب حياته منذ انبثاق الدولة العراقية وفق مصالح وهوى القوى الكبرى في حينه. الاختلافات في التركيب تنتج ما لا ينسجم الشعب على ارض الواقع، بحيث تكون لكل مكون مصلحته الخاصة ونظرته وصفاته وعاداته وتقاليده لا يتتطابق مع ما يتسم به الاخر، ولذلك لا يمكن ان يُفرض ما يجتمع عليه طرف مع يتمناه الاخر مهما كان، وفي النتيجة لهم اهداف وامنيات مختلفة عن الاخر.

و هذا ما دعا كل المحللين السياسيين والاجتماعيين الى ان يخرجوا بنتائج مختلفة في بحوثهم حول جوهر المجتمع العراقي وخصائصه وعدم توحيده وهشاشته بحيث آثر البعض الى ان يصفه بمجموعات وجماعات واستخلص الى انه لم يرتقي الى ان يسمى شعبا متكاملة الاوصاف، والباحث الكبير علي الوردي تعمق فيه وله باع طويل في تحديد صفات هذا المجتمع ودخل الى جوهر المجتمع وفحصه وعين مميزاته بدقة متناهية.

 ومن المعقول ان نقول انه على الرغم من غنى الشعب العراقي الثقافي والمعرفي وتاريخه المليء بالمآثر والحضارات والمعالم الكبيرة الى انه لم يستفد من المدارس العالمية العديدة للاطروحات والافكار والعقائد والفلسفات ولم ياخذ بنظر الاعتبار الخصوصيات التي يتمتع بها في سبيل ضمان درجة مناسبة من الامن القومي له طيل هذه المدة الطويلة من تاريخه.

 ان الامن القومي او الوطني بشكل عام متعددة الاوجه وله متطلبات ويتحمل تعاريف عدة وهو ضعيف من حيث المفهوم كتعريف وعكر او غابر من حيث النظرية والفهم ولكن واضح من الناحية السياسية العسكرية وتحديد الاليات للحفاظ على حدود البلد فقط، بعيدا عن المهام الاقتصادية والاجتماعية والادارية والثقل والدبلوماسية الدولية، في هذه المنطقة بالذات، ولا يمكن ان يستقر اي بلد او اي شعب دون الاعتماد على تعريف واضح معتمد خاص به للامن القومي، والعمل على ارساء الركائز المطلوبة لضمانه من اجل توفير سعادة ورفاهية الشعب وابعاده عن القلق والتوتر وتامين معيشته ومستقبله من كافة الجوانب.

دون ضمان الحد الادنى للامن القومي او الوطني لا يمكن الخطو نحو تامين العدالة الاجتماعية والمساواة ومحاربة السلبيات العديدة للمجتمع ومنها البطالة والفقر والعوز ولو خطوة واحدة. وبتوفير المقومات وضمان الامن القومي يمكن تحديد مدى الشخصية السياسية للبلد مع ما موجود منالهيمنة الدبلوماسية للقوى الكبرى، ويجب نشر الثقافة السياسية التي لها الدور الهام في ترسيخ معالم البلد الامن.

 وهناك عوامل عدة لها التاثير المباشر على مستوى الاستقرار والامن العام لاي بلد وخاصة وهو صاحب مجتمع غير متجانس، وفي مقدمتها ضمان الامن القومي، وهذا بدوره يستند على اعمدة رئيسية مثبتة له، كلما كانت القيم المفيدة للمجتمع كثيرة الانتشار كان المجتمع اقرب الى الامن والامان، وكلما كانت التربية والنظام العام في مستوى عالي كلما ازدادت نسبة الاستقرار وضمان الامن القومي والوطني، وكلما كان الخطاب العام جزءا من الحلول كانت الفرصة اوفر لضمان الامن القومي، وكلما كانت الثمار العلمية المقطوفة عاملا مساعدا في ترفيه المجتمع كان منحنى الخط البياني للامن القومي عاليا، وكلما كان القانون سائدا وهو سيد الموقف والقرارات منصفة للمكونات كافة ازدادت التلاحم ودفعت الشعب للتصالح والتجانس وبالتالي اصبح الامن القومي مضمونا.

اذن الامن القومي له علاقة متبادلة مع الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية العامة ومع قناعة المكونات وطبقاتهم بمسيرة النظام السياسي السائد، مستمدا له وداعما في تقويته وترسيخه وضامنا لانتعاش وتنمية الشعب. وبعد توفر تلك المقومات فان الشعوب تحس بامان بعيدا عن الضغط السياسي والعسكري والاقتصادي وهم ينمٌون قدرتهم بحرية وتزداد لديهم القدرة والامكانية لتحمل الصعاب والمقاومة والدفاع عن النفس، وستضمن سيادة واستقلال الارض والاقتصاد عندئذ . وهنا يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار التاثيرات المتبادلة للمتغيرات العالمية على اية دولة واتخاذ الموقف الصحيح تجاه اي موضوع مراد بحثه لايجاد الحلول لاية مشكلة ظهرت، وسيكون اي موقف وفق العقلية المسيطرة حتما، سوى كانت ذات تفكير واقعي ونظرة تقليدية قديمة او عريقة، او بفكر وعقلية واقعية عالمية التوجهحديثة المنشا، او بنظرة مثالية وحديثة، او ليبرالية كمباديء حيثة البروز وما تملك من التعريف للامن القومي . لكن بلد كالعراق لابد ان تكون له خصوصيات استنادا على ظروفه وفي العملية السياسية المستمرة لضمان امنه القومي والنظر الى تركيبة مجتمعه الموزائيكي وشكله المعلوم في اية خطوة تُتخذ.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1362 الجمعة 02/04/2010)

 

 

في المثقف اليوم