أقلام حرة

هل هناك ازمة الشرائح المؤثرة في تنوير المجتمع؟

 التغيير نتيجة التاثيرات المباشرة التي فعلتها جراء تعاملها مع الواقع ونتاجاتها المختلفة، ويمكن ان نقول ان اكثرية هذه الشرائح المؤثرة نشات في القصور والدواوين ومنها الشعراء والادباء واصحاب الفكر والعقيدة والعلم والمعرفة والمنظرين والمعلمين، وتغيرت مواقع نشاتهم وبتغيير المواحل المعيشية وبعدما تطورت الحياة نسبيا فبرزت الفلاسفة والمثقفين وبدورهم تفهموا الاوضاع وعقدوا تواصلهم مع عامة الشعب.

 هذه الفئات هي التي عملت ضمن اطار الساحة التي تركت اثرا كبيرا على الثقافة  العامة والتطور من كافة الجوانب وانبثقت منها الطبقة الوسطى وكان لها الدور الحضاري والمدني الهام على مدار التاريخ، وكانت لها الصلة المباشرة مع السلطة والحكم على الرغم من الخلافات التي تخللت بينها حين لم تكن المواقف والاراء الصادرة منها لصالح الطبقة الحاكمة، وتعرضوا للعقوبات الشديدة، وكم منهم هلك او نفي او استبعد بسبب راي او موقف معين، وكانوا على انواع، فمنهم المبدئي العصامي  المضحي في سبيل ما يؤمن، ومنهم الانتهازي وعاش من اجل ما يخصه وللحظته فقط وكانكل همه الحياة الرفاهية والبذخ والملذات.

بعد التطورات المستمرة في العلم وما رافقها التغيير في نمط الحياة المعيشية جراء تقدم العلم والمعرفة وفي مقدمته التكنولوجيا والاتصالات، تكاثرت وتوسعت الطبقة الوسطى المؤثرة واصبحت لها ادوارا مختلفة واحتلت كميا نسبة كبيرة من مجموع الشعب، والتماس والتواصل المباشر بين افراد الشعب وهذه الطبقة غيٌر من مواقعهم، الا ان الطبقة المعدمة بقت على حالها ومنعتها العوائق المادية من اعلاء مكانتها ومستواها الاقتصادي والثقافي والعلمي بشكل ملموس.

 هكذا، من ارتفع درجة من حيث الوضع الاقتصادي بشكل طبيعي اصبح له التاثير المباشر على جوانب الحياة بشكل ايجابي، الا الانتهازيين الذين اقتنصوا الفرص في غفلة من التاريخ واثناء الحروب  وما فرزت عنها من الفوضى التي اشتعلت في مراحل مختلفة من تاريخ البشرية واغتنوا ماديا فقط دون ان يعلوا من شانهم الثقافي العام باية نسبة كانت .

 تعاملت الطبقة الوسطى مع المشاكل طبيعيا، وهذا ما فرضته حتمية التاريخ ودعمته حركة النمو الاجتماعي، وكان لهذه الطبقة الدور الهام في توظيف الاختراعات والاكتشافات الجديدة من اجل مصالحهم وضرورات معيشتهم اليومية وتقدموا خطوات بسببها.

 تغيرت الظروف وسمات الطبقات كافة، وحدثت ما لم تكن في بعض الاحيان في الحسبان من الانتقالات ونشات روابط وعلاقات لم يكن الاستغناء عنها بسيطا. اليوم الطبقات العليا لا يمكنها ان تعيش منعزلة مطمئنة على سيادتها وسموها والمنجزات التي تعتز بها، وانما الوضع العالمي الجديد يحتم عليها التقارب والاتصال والشراكة مع ابناء الشعب عامة ومن كافة الطبقات. هذه العلاقات الاجتماعية والشراكة الاقتصادية ودورها الكبير في انبثاق الطبقات الجديدة ازدادت من الانتقالات لملراحل المختلفة من حيث شكل وتركيب المجتمع طبقيا، ولم تفقد الطبقة الوسطى دورها في التاثير على حياة المجتمع وتنويره وتثقيفه رغم الانتقالات وفي بعض الاحيان القفزات، وجاءت تاثيرات الوسائل الحديثة من الاتصالات والتكنولوجيا على الطبقات الوسطى اكثر من فئات الشعب بشكل عام.

 وكانت ردود الفعل للطبقات من التطورات اكثر فعالية من الفرد البسيط، حول اي موضوع كان سوى كان مؤثرا وذو شان على توجه الشعب ام لا، ولذلك لم تفقد هذه الطبقة من دورها في ظل المراحل المتعاقبة على تنوير المجتمع.

اما اليوم وما نراه من الفوضى والخلط والعشوائية في التركيب والسمات الاجتماعية لبعض الشعوب، وهو ما اثر على طبيعة  الشرائح وتاثيراتها، وقللت من دورها الحاسم في تقدم المجتمع ولم يكن مماثلا لما هو حال الامم الاخرى التي تقدمت عبر التاريخ، وهذا ما يمكن ان نسميه الازمة الحقيقية لهذه الشرائح والطبقات، استنادا على ما فقدت من دورها، ولم نحس انها ظلت على ما كانت عليه، بل التراجع في وضع المجتمع والتخلف الذي يتسم به يعود الى عمق الازمة التي تعاني منها هذه الشرائح والطبقات، وبه لم نعد ننتظر التنوير والحداثة بشكل مفاجيء، ولم نجد من الاختصاصات المؤثرة الا نادرا، لذا يجب علينا ان نعيد نصاب المجتمع لتعيد هذه الطبقة دورها بشكل مؤثر وان تهتم بما تتمكن ان تفعله، ونخرج من الازمة الحالية بسلام، ويمكن ان نخطوا نحو انبثاق الحداثة ويعلو شان المثقفين والادياء والعلماء والشعراء والفلاسفة الحقيقيين في اصلاح وتغيير المجتمع، وهذا لا يعني ان تترك الطبقات الاخرى على حالها، لا بل يجب ان تستفاد كافة الطبقات من التطورات وان تحتك جميعها وتتقارب مع بعضها من اجل ازالة الفوارق الطبقية والوصول الى مكانة قريبة من العدالة الاجتماعية والمساواة في المستقبل القريب المنظور، والحوار والتعايش السلمي والمنفعة المتبادلة من العوامل المساهمة في ترسيخ العدالة والنظام الملائم لتقارب الطبقات، وعندئذ يمكن ان نحس بزوال الازمة الحقيقية للطبقة او الشريحة المؤثرة وان تحس كافة الفئات بتاثيراتها المباشرة على المجتمع

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1363 السبت 03/04/2010)

 

 

في المثقف اليوم