أقلام حرة

هل ما نحن فيه ازمة ام صراع مصالح القوى؟

وعمليا لا اجد فرقا بين الاثنين على ارض الواقع عند سير العملية السياية وادارة البلد، والنتائج هي التي تفرض ما لا يؤمن به احد وهذا يشكل خطرا على العملية ذاتها، وعليه عندما يفكر اي مراقب او محلل سياسي في طبيعة المسالة وما تبرزه لنا الاتفاقات او الصدفة كما هو حال الارقام التي افرزتها النتائج، ولا يعتقد احد انه جاءت استنادا على ما تمخضت من التصويت وما ادلى به المواطنون، وجوهر التقارب وما يتحمل مضمون هذه الارقام يخلق الشكوك وكانها رتبت اليا او يدويا والله اعلم ربما من احد ما، كي لا يكون احد الاطراف فائزا واخر خاسرا في العملية برمتها وخاصة الكتل الكبرى، وسوى كان النظام الانتخابي سببا او العملية والظروف الموضوعية والذاتية للكتل والاحزاب الصغيرة، فانها ابعدتهم عن الساحة السياسية قليلا ومن براعة الصدف ان تكون الجريان تصفية لحسابات وابراز كتل واخفاق واختفاء وتهميش اخرى، وجعلت اطرافا تفرض شروطا واخرى تقابلها باخرى، استنادا على انهم لا يمكنهم ان ينفردوا في الساحة، ويجب ان يعتمدوا على المعادلات والشراكة والمساومات والتنازلات ليدخلوا في ادارة العملية السياسية. فازت العراقية ومعروف تركيبتها بعدد الكراسي ودولة القانون بعدد الاصوات، وهناك الى جانبهما طرفان حاسمان في تحديد مسار الحكم وهما الاتلاف الوطني العراقي وما يحمل من المكونات والتحالف الكوردستاني وما يتمتع بالابعاد على الارض ولكل منهم ميوله المختلفة وعدم توازن ثقله، اضافة الى قوى اخرى يمكنها ان ترسخ وتقوي اي اتفاق يحصل بين الكتل.  ولم يحصل اي طرف ما انتظره وما ادلى به مسؤوله من التصريحات استنادا على  ماتوقعها من النتائج، فلم يتحقق الغالبية المريحة والاستحقاقات الانتخابية التي كانت منتظرة في تطبيقها، وكان بالامكان ان تنبثق الحكومة منها وتدع الاطراف الاخرى في المعارضة، والنتائج المتقاربة تفرض العديد من الاحتمالات ما اجبرت القوى على تغيير توجهاتها ونبرة صوتها بشكل واضح، ولم تدع النتائج ان تنجح  المخططات في هذه المرحلة الحساسة الحاسمة.

توجهت الانظار الى المحكمة الاتحادية العليا بعد الانتخابات مباشرة لتفسير المادة 76 من الدستور العراقي حول الكتلة الكبرى المشكٍلة للحكومة واجابت بشكل صريح على الرغم مما تحمل هذه المادة من التفسير والتاويل، وجاء الجواب بما يحمل من الاجتهادات ويطيل من عمر المحادثات حول تشكيل الحكومة الجديدة وازداد من الفترة المنتظرة لانهاء المحادثات حسب التوقعات لتشكيلها، وليس بشرط ان تقع النتائج بما يشتهي البعض.

 ربما يصل الحال الى حدوث انشقاقات في تركيب التكتلات بشكل طبيعي او باثارة من الجهات التي تستفيد منها في تشكيل الحكومة، والمحاولات جارية بطرق واخرى منها خفية والايام القادمة تكشف لنا المزيد . النقطة البارزة التي تتحمل التوقف عندها في هذه المرحلة هي اصرار كافة الكتل على التنعم بالمناصب دون البرامج الحكومية التي تُعتمد بعد تشكيلها ولاسبابه البينة وهو الاعتقاد بان السلطة التنفيذية وخلال هذه السنوات الاربع يمكنها ان تفصل الكثير وتعمل على سيطرة طرف دون اخر، وتهمش الاخر مهما كانت نتيجته او كراسيه، ولم تبق البرامج الا حبرا على الورق. الواضح في الامر لحد الان ان الازمة الحالية برزت على منصب رئيس الوزراء ذو السلطات الواسعة، ولم نشعر بان هناك خلاف على ستراتيجيات معينة لقوة ما وهي لم تلتق في الرؤى بالاخرى، وهي التي سببت المشاكل وابعدت هذه القوى عن بعضها، لا ليس هذا بسبب تلك الرؤى بل كل المصالح اختزلت في هذا المنصب ولاسباب حزبية ضيقة، ولم يحسب اي حساب يذكر لما يهم الشعب ومصالحه من قريب او بعيد. النتائج ذاتها التي رتبت او كما فرضتها الصدفة او بقدرة القادر هي التي اختارت النزاع من اول الطريق، وجعلت الوضع الحالي في مهب الريح عند اقل غلطة، وهذا ما جعلنا ان نعتقد بان تجري الرياح بما لا تشتهي السفن لبعض الاطراف على الاقل، وما تتطلبه العملية الديموقراطية الجارية والتجربة الفتية الفريدة في العراق وما تتمخض عنها تستاهل ان يضحي الجميع من اجل نجاحها .

 ان جلست الفرقاء بهدوء واعادوا النظر فيما هم عليه بتمعن، ربما درسوا الحالات النفسية والسياسية والجغرافية والقومية والدينية المذهبية وحتى المصالح المشتركة بشكل دقيق واستندوا عليها في تفاصيل المحادثات وعقد التحالفات الاستراتيجية وابعدوا انفسهم عن البحث في تامين المنصب المعين والانفراد به فقط لوجدوا الطريق الملائم السهل.

المستجدات والتغييرات التي حصلت على ارض الواقع قد خففت من التحالفات القديمة الحديثة وفرضت البحث في تحالفات جديدة وفق مصالح برزتها الايام، ولم يبق تاثير ما لجوهر تلك التحالفات السابقة على الساحة السياسية بشكل قاطع، وهذا ما تاكدنا فيه حتى قبل الانتخابات، ولكن النتائج الحالية تفرض على القوى من جديد ان يدعوا ما كان السبب في توسيع الهوة بينهم، وهو من فعل الزمن والتطورات، وهذا طبيعي في عالم السياسة، وبعد الانتقال الى مرحلة مغايرة، عليهم ان يجمعوا على ما هو الاكثر نفعا لهم بعد بروز مصالح جديدة مع ظروف مغايرة، ومنه ما يفرض انعاش روح بعض التحالفات بشكل وصورة اخرى وبنفس الجوهر الذي اعتمد من قبل ووفق مقاييس جديدة افرزتها التحولات في العملية السياسية، وخاصة ما خلقت من بعد المسافة بين الخطاب السياسي للتكتلات، وحتى بين جهات الكتلة الواحدة ايضا. وما ينتج عن جمع تلك المعادلات ربما يبني ظروف واوضاع سياسية تنقل المرحلة الى ظروف اخرى ذات ابعاد مختلفة وتكون لها معطيات مغايرة تماما لما كانت من قبلها.

ما نحن فيه يمكن ان نصفه بازمة سياسية حقيقية مرحلية عابرة، وغير واضحة النتائج لحد الان سوى كانت قابلة للحل ام تستفحل وتعقٌد المرحلة وتنتج ما لا تحمد عقباه وتصعب من الحلول نتيجة الصراعات الحزبية ومعركة الاستحواذ على المناصب التي تمطر الملذات في هذا البلد الجريح، وما يعقدها اكثر هو تدخل جميع الاطراف الخارجية في تفصيلاتها، لا بل اصبح العراق ساحة واسعة وميدان كبير لبحث الموضوعات الدسمة وما تتقاتل عليها القوى العديدة الاقليمية كانت ام العالمية ام الداخلية. وننتظر من يستقر على كتفه النسر في نهاية المطاف وينقذنا من المحنة الحالية التي اوقعتنا فيها نتائج الانتخابات ونحن نسير في دوامة الازمة بكل ما فيها.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1364 الاحد 04/04/2010)

 

 

في المثقف اليوم