أقلام حرة

الى متى تطول مخاض ولادة الديموقراطية الحقيقية في هذه المنطقة؟

ام تحتاج المنطقة الى ان تحبل الحاضنة لمرات متتالية من اجل نمو جنين طبيعيوبصورة اعتيادية وان يمر باطواروادوار ضرورية للاكتمالومن ثم يولد في الزمانوالمكان المعينين،وكما هو المعلوم ان منطقتنا المعقدة مليئة بالمشاكلوالحوادث المتكررة،ويمكن ان يحتذى به الاخرونوينتقل الى مناطق اخرى متحركا من تفاعلات ذاتية،و يكون رضاعته مناسبة دون اي خلل الى ان يصبح ناضجا كما هو حال الدول الديموقراطية المتقدمة،وهل توجد احتمالات الاجهاض،وكيف يمكن منعهوالطريقة الملائمةوالاليةوالاسلوب العلمي المطلوب  لمنع افراز المضاعفاتوان لا تكون خطرة على حياته،وما اهم مواصفات الحاضنة المثالية لها .

من التجربتين الرئيستين على ارض الواقع في منطقتنا،وهما العراقولبنان يمكننا ان نستخلص معلومات كثيرةونجري تقييما لهما،ونكشف العوائق التي تمنع تقدمهما مع اخذ العبرةوالدروس من مسيرتهما من اجل تفادي تكرار الاخطاءوالعمل على ازالة الموانع المترتبة امامهما بشكل سلمي،ويمكن دعم العملية من اجل تقصير الوقتوترسيخها دون اي ردات قد تؤدي الى تشويهها من الاساس.

 المجتمع في البلدين يتميز بمواصفات لم نجد لها مثيل بشكل كبير في اية دولة اخرىوبالاخص الدول التي تعتمد الديموقراطية في نظامها كمنهجوتطبيق، فتتركب شعوب هذين البلدين من قومياتومذاهبواطيافوطبيعة اجتماعية مختلفة هشة الى حد كبير بحيث يتميز بصفات لم تجعلها ان تتماسك بسهولة، مع ما يتميز به من تاريخ مليء بالعقدوالحوادث،وتوارثت الاجيال ما ترسبت طوال تاريخها جراء مسيرة شعوبها، ناهيك عن الاحتلالوالانتدابوالتغييرات التي جرت في بنيتها بشكل نسبيوفي بعض منها جذري.

اصل المسالة ينبع من عدم وجود المباديء الاساسية المطلوبة لتطبيق هذا المفهوم الذي يُبنى عليها، مهما ادعينا من وجود الركائز،ومن اهم تلك النواقص هو انعدام الحرية في المجالات المختلفة،ويولد الفردوهو مهمش في بلده استنادا على مجموعة من الالتزامات الاخلاقية الادبيةوالتقاليدوالعرفوالعادات التي يتربى عليها، في ظل انعدام مفهوم المواطنة بشكل واضح، وما يمنع الغور في تفاصيل الحداثةوالالتصاق بمجموعة من السمات العرقيةوالقبليةوالطائفية التي هي من الصفات المسيطرة، مع ما فرضتها الشدةوالتطرف في الافكاروالعقائد مما خلق موانعا شتى امام الية تطبيق مباديء الديموقراطية، ناهيك عن وجود مخالب السلطات المغروسة في كيان البلد دون ان تهتز شعرة منها جراء المتغيرات العالميةومعطياتها التي وصلت الينا دون ارادتنا.

 طالما بقت السلطات هكذا على حالها منحازة الى جهة سوى كانت حزبا او كتلة او قبيلة او مكوناوهو مساعد على بقائهاويستندها في الالتصاق  بسدة الحكم على حساب الحريةوالمساواة بين الجميع، فهذه المواصفات ستمنع الناس من بناء الثقة بنفسهاوبالسلطة الموجودةوالديموقراطية التي تتغنج بها بعض الجهات مظهريا فقط. عدم وجود الاراء المختلفةوتقسيم مكونات المجتمع على اساس المفاهيم الضيقة في المعنىوالمكنونوفي ظل مساحة قليلة من طرح الافكار الجديدةوعدم وجود الحراك السياسيوفي ظل الخمولوالعزلةوتملص الاكثرية من الواجبات فستزداد مدة مخاض الديموقراطية الحقيقية.

اذن الاعمدة الاساسية غير مكتملة،وهي الثقافة العامةوتفهم متطلبات النظام الديموقراطي،التربيةوالتعليموالشفافية في طرح المواضيعوالعمل وفي اداء الواجباتوالممارسات،والاعتدالوالهدوءواحترام الاختلافاتوعدم تسقيط الاخر، كل هذه المتطلبات لم نجد لها ما يمكن ان يجعلنا ان ننظرونتلمس بصيص امل في توفر الشروط اللازمة للولادة الطبيعية للديموقراطية،ولكن هذا لا يعني اننا نواجه الفشل النهائي القاطعوان الابواب موصدة، بل الخطوة الحقيقية الرصينة قد بدات رغم الثغرات. نرى في لبنان ما نشاهده في العراق ربما باشكالوصور مختلفة لحدما سوى لهذه الاسباب التي ذكرناها او ما تخلق من العوائق من صنع الايدي الخارجية وما مرئي منها من التدخلات.وهذا ما يدعنا ان نعتقد ان مخاض الديموقراطية قد يكون عسيروتطول المدة اللازمة لهاويمكن ان تولد بعد الاصلاحاتوالتغييرات الضرورية المطلوبةومن ثم الخطوات الاولى للعملية ذاتها بتأنيوهدوء.

اي اننا نعيش في منطقة تتواجد فيها الموانع من جهة مع الحاح من النخبة على النجاح من جهة اخرى،وهذا يتوقف على مدى نشاط هذه المجتمعات لازالة السلبيات من الموانعوالازدياد او الاستكثارمن الدوافع لنجاح العملية.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1365 الاثنين 05/04/2010)

 

 

في المثقف اليوم