أقلام حرة

بعد ترسيخ المواطنة تتفاعل العقلية المدنية

في المواطنة والتربية والتثقيف قبل الخوض في العملية الديموقراطية في ظرف كما يمر به العراق، ويمكن ان نبدا بمشروع يشترك فيه الكتاب والباحثين الكرماء ولكن هذا ما يحتاج الى جهد وتعاون الجميع، وخصوصا المواطنة كاهم مفهوم الذي من الواجب توفرها لتطبيق الديموقراطية بشكل جدي وحقيقي، وعجبتني الفكرة من الاساس ووافقته جملة وتفصيلا، والتي من الممكن ان نساهم بمقدار ما نقدر عليه في تنوير الطريق التي يمكن لاي مواطن عراقي سلكها لتقدم بلداننا، وبالاخص العراق الذي يحتاج الى ما يتمكن عليه اي فرد مهما كان مقدار ونوع مشاركته وباي اختصاص كان، وفي مقدمته طرح الافكار الواقعية والبحوث والدراسات التي تمهد في تخصيب الارضية لنجاح تطبيق الافكار المتنورة ومنها الحداثة والتجديد في هذه المنطقة بشكل عام والعراق بشكل خاص .

عندما نريد الغوص في جوهر مصطلح المواطنة لابد ان نكون على علم مسبق بما يتصل بها من المفاهيم والعوامل التي يجب توفرها قبل الخوض في الديموقراطية والمواطنة بحد ذاتهما، وهي ملازمة لنظرية تجسيد المواطنة ومنها معنى وماهية المدنية والمدينة والتمدن والمجتمع المدني، ومن ثم السياسة المتبعة والثقافة السائدة والمطلوبة والوعي العام والنظام المتبع في كافة جوانبه مع الوضع الاقتصادي والتاريخ وما يحمل والظروف الاجتماعية العامة لاي مجتمع، ومن الضروري ان يتعمق المهتمين بكافة المجالات والاختصاصات في معرفتهم كي يتسلحوا بما يمتلكوا من المعلومات،او بالاحرى العقلية التي تفرض الخوض في هذه المسائل والتمسك بها رغم الصعاب، وهذا ما يمنع ان تكون النتائج معكوسة لو طبقت بشكل صحيح بعيدا عن السطحية.

 عندما تعلم افراد المجتمع معنى ومضمون ولب المدنية وتعمل وفق متطلباتها وانواعها سوى كانت سياسية او ثقافية او اجتماعية وتتوضح لديها العلاقات بين الافراد مع بعضها او مع المجموعات، او بين الشعب والحكومة او الدولة مع الثقافة المدنية التي تدير كافة انواع المدنية وتحدد وترشد المدنية السياسية والاجتماعية على حد سواء، فانها قد تتوجه بداية نحو المدنية الثقافية التي هي السبب والعامل الاساسي لبقاء كافة انواع المدنية وترسيخها بشكل عام، وهي الوسيلة الهامة لتغيير المجتمع وتفرض عليهم التمتع بالاخلاق والسلوك والعقلية المدنية والتحرر من الصفات المتخلفة والصراعات الهمجية البالية والقمع والتشدد، وتفرض التوجه نحو الاهتمام بالعلم والمعرفة والتربية المدنية التقدمية الصحيحة والادب والفن،عندئذ يمكن الاعتماد على القوانين التقدمية وعدم نفي الاخر والمحافظة على حقوقه. ويمكن ان يسير المجتمع وفق عقد اجتماعي سليم ويصبح عرفيا للمجتمع بمرور الزمن وهو يلتزم به وبما هو المفيد، وبه يتبع الطريق السليم الملائم في الحياة ويفيد نفسه والاخر ايضا، ويسيطر على امور تفسه وكل ما يخص به دون ضغط او قوة ما . اي حسب درجات الالتزام بالمدنية يمكن قياس احترام حقوق الانسان واهمية الفرد او المواطن كصفة متعددة الجوانب في الشكل والمعنى مع ضمان حرية المواطن وارادته غير المسلوبة وكيفية تقرير مصيره، والتعامل مع الناس استنادا على التوافق والاعتقادات العصرية والعقلانية والحفاظ على الامن والامان والنظافة في المجتمع مع الالتزام بالقوانين مع النقاش والجدال المنتج والتنافس المثمرفي فضاء من الانتقاد البناء والتقويم والتقيم. حينئذ يمكن ان ندعي باننا ملتزمون اخلاقيا ومبدئيا بالوطن ونمنع اي تجاوز عليه من قبل اي كان مهما كانت سلطته.

من هذا المنطلق وبهذا المعنى ان القينا نظرة على مجتمعاتنا والصفات التي تتمتع بها والروابط والعلاقات التي تربطها وتتمسك بها والعقلية التي تتعامل بها والمستلزمات المتوفرة لديها والوضع النفسي والاقتصادي المعاش والفقر والعوز الذي هي غارقة فيه، هل من الممكن ان تكون لدينا تلك الارادة والقوة والتصميم لكي نبدا الخطوات الاولى ونعمل على توفير الاولويات وتجاوز العواقب في مسيرتنا الطويلة في هذا المضمار.

هناك فوارق شاسعة بين كل بلد واخر، وهناك من العوامل المتوفرة في منطقة دون اخرى والعكس صحيح ايضا،و هناك اختلافات ظاهرة بين تاريخ وجغرافية والمستوى العلمي والثقافي والوعي العام هنا وهناك. والعملية السياسية او النظام السياسي اكبر عائق امام هذا المسار في اكثرية بلدان منطقتنا.

 اما ما يخص العراق وما يتميز به بشكل خاص وما نعرفه عن صفاته ومميزاته وتاريخه وحضارته وتنوع مكونات مجتمعه والانظمة المتعاقبة التي سلطت عليه والمآسي التي مرت به، يمكننا ان نقول بان المفهوم اي المواطنة لازالت غير مفهومة ولم تكن معلومة الشكل والجوهر لدى الاكثرية حتى الوقت القريب، وفي المقابل هناك شروط مساعدة متوفرة لدينا من وجود النخبة والتاريخ المليء بالايجابيات من الحضارة والعلوم التي اثرت على حياة المواطن وورثت منها الاجيال، مع السلبيات مما نتجت من افعال الدكتاتورية والحكم القمعي وما اثرت على نفسية واخلاق وتربية وتعليم وحتى شكل ومظهر الفرد العراقي طوال عقود، واثارها باقية حتى اليوم ولن تزول لمدة غير قليلة.

اذن بعد استقرار الامن والسلام كاولى الاولويات وتتوضح اهداف ومعالم النظام السياسي ومدى ترسيخ النظام الديموقراطي الذي يعتمده الدستور ومساحة توفير الشروط وبوجود العقلية مع ما متوفر اصلا من القوة الاقتصادية ان استغلت بشكل صحيح مما نملك من الثروات، يمكننا ان نوفر ونضمن الخطوة البدائية ونسبة معينة من شروط الواجب توفرها كضرورة موضوعية لضمان المدنية، وفي مقدمتها ترسيخ المواطنة والتزام المواطن وتعلقه بوطنه وايمانه به من عمق تفكيره عفويا بعيدا عن العاطفة المسيطرة على سلوكه وانما التزاما به كوطن وهو يشعر بانه مواطن حقا. 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1369 الجمعة 09/04/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم